الاثنين

البحث عن الله


أين يختبيء الله؟







على كاونتر هذا البار الصغير في فندق الروتانا، ومنذ سنوات تعرفت على ميس بروون (نعم بروون وليس براون كما تصّلح لي دائما) وهي ممرضه أيرلنديه في الخمسينيات من عمرها تعمل في أحد المستشفيات هنا. وهي تحب أن تتحدث كثيرا فبمجرد رؤيتي تجلس الى جانبي، وفي الواقع لديها حس فكاهة ظريف، الا إنني أخشى أن تبدوا لي جذابه بعد عدة كؤوس بيره فأنتهي معها الى مالايحمد عقباه، لذا أقتصر عندما أراها على كأسان بيره فقط ثم ، أتعّذر بأنشغال ما وأغادر










عندما تعيش مثلى في مدينة قاسية مثل العين تصبح خياراتك محدوده ، وإن كان خيارك أن لا تلعب اليناصيب التقليدي في بلاد الرمال وتخليّ الماما تبحث لك عن عروس! فأحتمال أن تجد واحده جميله تتعرف عليها، هو كحظ من يبحث عن طيور النورس في الصحراء. على فكره ليست لدينا هنا بالعين طيور نورس مثل أبوظبي ودبي وبقية الأمارات..قد تشاهد أحيانا بعض النسور تحلق فوق جبل حفيت..بعض الغربان هنا وهناك ، ولكن طيور النورس فرابع المستحيلات



الليله بالذات كنت في حالة يائسه بعد إنقطاع الجنس الأخر عني منذ أن عدت من پاريس، واليوم كانت ميس بروون نفسها في حالة من الأنسجام ..وقد وضعت كمية من المكياج على وجهها.. تكفي لرسم لوحة الموناليزا





الأحتمالات كلها ضدي الليله ، لذا أردت أن أفر من ميس بروون قبل أن يلعب الكأس الثالث برأسي..كما يفر الظبي من الأسد الهصور، عندما صاحت فجأة: آآه إستمع ، أنهم يلعبون أغنيتي المفضله ، ثم صارت تتمايل مع الأغنيه التي تبث من مكبر الصوت بالبار وتردد كلماتها، كانت أغنية المرحوم جورج هاريسون، عضو فرقة البيتل: ماي سويت لورد




لم أنتبه قبلا الى كلمات هذه الأغنيه، في الواقع ليس هناك كلمات ، بل مجرد ترديد لهذه الجمل وهي من صلاة هندوسيه إسمها الأڤاتاريس وكلماتها بالعربي تقول:

إلهي أيها الحلو
همم.... إلهي
إلهي أيها الحلو
همم.... إلهي

حقا اريد رؤياك
حقا أريد أن أكون معاك
أريد رؤياك إلهي
ولكنك طولت كثيرا
همم.... إلهي
همم.... إلهي




بينما يردد الكورس وراءه مرة هاليلويا..ومرة هاري كريشنا

إلهي أيها الحلو ( هاليلويا)
إلهي أيها الحلو( هاري كريشنا)
إلهي أيها الحلو( كريشنا كريشنا)

لقد مات جورجي المسكين بدون يحظى بلقاء إلهه الحلو الجميل..هاليلوليا كريشنا كريشنا، كان جورجي يظن أن الله يلعب معاه لعبة الأستغمايه..ولكن الله لم يطلع له ، و لا حتى مره واحده، ليعمل له پييك آبووه

فأين يختبيء الله؟

الدين والعلم يحاول كل بطريقته ، أن يفسر الوجود..الا أن الأخير قرر أن يحاول الأن تفسير وجود الدين نفسه. هذا كان جزء من مقال طويل وجدته في عدد ٢٢ مارس من مجلة ذا إكونوميست كان عنوانه: حيث لن تخشى الملائكة من الظهور مرة أخرى ويتحدث عن بداية دراسة علميه جديده للبحث عن الله ، بعد أن تمكن اخينا من التواري والأختباء ليس فقط عن جورجي المسكين بل عن كل علوم الفيزياء و البيولوجيا.. وجميع مسابير ومختبرات وتليسكوبات العلم







تقول الأكونوميست بأن تخصيص مبلغ مليوني يورو لبحث علمي هو مبلغ زهيد مقارنة بما ينفقه الأتحاد الأوروبي على الأبحاث، وخاصة لو قورن بالميزانيه المرصوده لمختبر الأبحاث الأوروبي كرين في جنيف والذي يستخدم إختراعا جديدا إسمه هايدرون كولايدر الكبير صمم ليبحث عن عنصر يسمى علميا : هيڠز بايسون وهو العنصر أو الماده التي يطلق عليها العلماء إصطلاحيا جزييء الله، ومعرفتها ستساعدنا على معرفة كيف وجدنا..الا أن هذا البحث الذي سيبحث عن الله ويدّور عليه ، لا يحتاج تكاليف عاليه ، لذا قرروا أن يبحثوا عنه في الداخل ، فالعلماء يدركون أن الله غير موجود في العالم الخارجي..لذا سيركزون على البحث عنه داخلنا..في الدماغ




هذه الدراسه ستحاول أن تشرح لنا الله والدين من وجهة نظر علميه بحته. وستستغرق ثلاث سنوات بمشاركة ١٤ جامعه وإختصاصيين في مجالات علم النفس والبيولوجيا . عندما قرأت ذلك الخبر قلت في نفسي الحمدالله أخيرا قرر العلم أن يتدخل في الدين ..بدل تدّخل الدين في العلم ، كما يفعلون عندنا في بلاد الرمال







أن هناك صيحات علميه، كما يذكر المقال لكشف الأسرار البيولوجيه التي تجعل من الهوموسابيان الحيوان الوحيد الذي يعتقد بأن أحدا خلقه. الله واللغه شيئان خلقهما الأنسان ولكن الله ليس مثل اللغه فهي ذات فائدة كبيره في تعاون وتواصل البشر، أما الأيمان بالله و الدين يهدر كثيرا من الموارد الطبيعيه والأموال في أمور ليست بذات قيمه – مثلا حرق الشموع وفي الكنائس وإهدار المياه في المساجد عند الوضوء..إضافة الى تضييع وقت الناس ومجهودهم في طقوس عبادة عقيمه، بدل إستثماره في الأنتاج..كما إنه ليس أمرا مثل اللغه ، فهو موضوع خلافي يؤدي دائما الى العنف والقتل والوحشيه. لقد نجح العلم في كشف أسرار اللغه الأنسانيه من حيث أماكن إنتاجها في الدماغ..الى ان تصدر كأصوات وإشارات وتعابير و تصبح وسيلة إتصال..لقد حان الوقت أن يوضع الدين ، على نفس المسار

هذه الدراسة الطموحه ستنظر في الميكانيكيه العقليه و الكيمياء النيرولوجيه بالدماغ لترى إمكانية إنتاجها لفكرة مثل فكرة الأله العليم بكل شيء و الذي يستخدم كاميراته السماويه لرصد أفعال البشر ومراقبة سلوكهم وإحصاء ذنوبهم..ستنظر هذه الدراسه كذلك الى مقارنة الأديان ببعضها البعض من ناحية أيهم أكثر موائمة للأخلاقيات ، وايهم أكثر قابلية للتسامح مع الأديان الأخرى..لا أعرف من سيكون الأفضل على رأس القائمه.. الا أن معرفة من سيأتي في ذيل القائمه ليس بالشيء العسير





طبعا هناك قائمة أخرى طويله للعلم منها ان يجد الزاوية أو الركن الذي يختبيء فيه الله من دماغ الأنسان..لا أدري أن كانوا سيصلون الى نتيجة مفيده علميا، لو كان الدين طبيعة بيولوجيه مثل ماهي اللغه، لما تمكن كثير من البشر من التخلص منه..الا أن هناك التفسير السوسيولوجي الأجتماعي والذي يبنى على فهم الحاجه للدين من خلال فهم الغرض و الهدف من وجوده في حياتنا..وهو مايسمى بالتعريف وظيفي للدين من خلاله نفهم لماذا وجد الدين في حياة الهوموسابيان؟..والمعروفين في بلاد الرمال ..بالهوموعريبيان




ولنفهم ذلك نسأل أنفسنا هذا السؤال البسيط : كيف يخدمنا الدين نفسيا و إجتماعيا؟ أي على بلاطه... مافائدته؟

إن فهم الدور السيكولوجي للدين في حياتنا يعني أن نتعرف على الجوانب التي يؤثر بها علينا من الناحيه العاطفيه والنفسيه، و هذه التأثيرات قد تكون إيجابيه وقد تكون سلبيه، كيف؟ تكون إيجابيه عندما يعطينا الدين الشعور بالأمان في هذا العالم الفوضوي العشوائي، حتى لو كان خداعا للنفس..وقد يكون كذلك سلبيا - وهو رأي سيجموند فرويد الذي إعتبر التدين أحد الأمراض العصابيه مثله مثل الفوبيا أو الخوف اللامبرر كالخوف من الأماكن المرتفعه أو المظلمه أو العناكب والسلوك القهري مثل الذي يعد عواميد الأضاءه أو البلاط في الشارع..ويعود ليحسبها من البدايه عندما ينسى أو أولئك لذين يصابون بالرعاش النفساني فيغامزون طوال الوقت ،أو يحركون أنوفهم ..أو ينقفونها بأستمرار مثل هذا




كنت أعرف شخصا لديه وسواس الوضوء فكل ماتوضيء يخاف أن يكون هناك مكان أو نقطة ما لم يمسها ..فيتوضأ الى إبطيه تقريبا، وهذا مايصيب المتدين عندما تفوته الصلاه أو يتأخر عليها يوم الجمعه يكاد يدهس الناس..ويرمى سيارته في وسط الشارع من أجل أن ليدرك صلاته فقط






أما الدور الأجتماعي للدين فهو معروف وشائع، ومن أهم من تطرق لذلك من الفلاسفه علماء الأجتماع أميل دوركايم و ماكس ويبر واللذان ذكرا بأن فهم وظيفة الدين تأتي من تحليل تأثيره على المجتمع ، فهو أداة مجتمعيه ، وليس خبرة تخص شخصا واحدا ولامعنى له أن لم يكن هاجسا يعم المجتمع ككل. بمعنى أن هناك مجموعه من المؤمنين الذين يعتقدون بوجود شيء مختفى ذو قدرات سوبرطبيعيه، وهذا الشيء يريد أن ينقذهم منه و أن يرحمهم من عذابه..و يعملون معا لأستغلال هذا الأعتقاد من أجل لم شمل مجتمعهم أو قبيلتهم أو طائفتهم



وأنا أميل الى هذا الرأي الأخير وخاصة من مراقبة تصرفات المسلمين وردودهم عليّ . الأسلاميين اليوم هم في الواقع أصبحوا مجرد مجموعة مشاعر وطنية فاشيه مبطنه بأسم الدين تحاول جمع بلاد الرمال حول هدف مشترك وهو الأنتقام الأنتقام من الغير الناجح والمتفوق - ولا أنس تلك المرأه التي كتبت لي إذا كنت لا تؤمن بالله..الا يعني ذلك أن عميل صهيوني؟







هناك مشكلة في التعريف للدين من خلال وظيفته الأجتماعيه، فالدين مثله مثل أي نظام أجتماعي أخر يربط أفراد المجتمع من خلال ممارسة طقوس معينه..فهناك الفولكلور الشعبي والذي يربط أفراد شعبا ما أو أقليما أو مجتمع من خلال طقوس الرقص والموسيقى و الأعياد. وهناك أنماط إجتماعيه كثيره في سلوكياتنا مثل الجيش و مثل الكشافه..فنحن كائنات إجتماعيه لا نستطيع العيش الا طريق الأنتماء والتوحد كمجموعه..فلايستطيع إنسان الحياة وحيدا



كل النظم الأجتماعيه لديها طقوسيات تمارس جماعيا مثل الرقص و الصلوات..أنظر الى الأسلام عندما يقول بأن المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى..وهذا يفسر قيام أتباع الديانات المؤمنين بالصلاوت الجماعيه

مثل ذلك الأشتراكيه والشيوعيه والجمعيات التعاونيه ومجتمعات الكيبوتز في إسرائيل، أو حتى مبارة كرة القدم ..كلها عباره عن جهد جماعي لوضع مصالح المجموع ..فوق مصلحة الفرد

المشكله في هذا هي: ان هذه النظم رغم إحتوائها على طقوسيه مثلها مثل الأديان الا إنها لا تقدم نفسها إلينا كنظم أخلاقيه مثل ما يفعل الدين






ولأن معظم العلماء وخاصة علماء البيولوجيا ملحدين، فماذا سيحدث لهم عندما تأتي النتيجه في صالح علماء الأجتماع، ماذا سيحققون؟ سيكونون مثل الذي يبحث عن طيور النورس في مدينة العين، وعندها سيضحك الله عليهم.. من مخبأه السري - حتى لو لم يكن موجودا

بن كريشان

ليست هناك تعليقات: