الاثنين

ماذا لو كان هناك معرض للاديان؟




بن كريشان في ليبيا

في زيارة قصيره لحضور المعرض السنوي للاتصالات وتقنية المعلومات " تقنيه "في ارض مدينة معرض طرابلس الدولي، التقطت هذه الصور للمدينه. منذ وصولك للمطار تحس ان الزمن انتقل بك الى عصر السبيعينات، من اشكال المعمار الذي تصادفه، بلاشك ان ليبيا تاخرت كثيراً في اللحاق بركب تكنولوجيات وإتجاهات البناء الحديثه، ليس هناك تقريباً لافتات في الشوارع تدلك على اي ناحيه الا في ما ندر، كما ان الشوارع غير مخططه ولا احد يسير في اتجاه مستقيم.

حالما تدخل المدينه ستلاحظ نوعاً من العمار العشوائي يذكرني بذاك الذي ظهر في منطقة الخليج في الستينيات والذي نرى شواهده في قلب مدننا القديمه كدبي وراس الخيمه والبحرين والدمام. ولكن الاغرب هو ذاك السور الطويل الذي يمتد لكيلومترات طويله حتى يصل الى قلب المدينه وقريباً من ساحلها، له بوابات تحرسها مدرعات. ظننت بداية انه معسكر جيش، سألت سائق التاكسي، فقال لي انها القاعده..ماذا؟ اجبته، بن لادن مختبيء هنا والأمريكان لايعلمون؟ قال سائق التاكسي بنرفزه ياسيدي لاتقطع رزقنا هذا مقر الحكومه... يسمونها القاعده وهي مقر العقيد القذافي وحكومته.

هناك فقط بنايات قليله تعد على الاصابع التي بنيت على نسق حديث ولكن جمال المدينه ينحصر في منطقتين تقعان على طول الساحل. المدينه العربيه والتي كانت فيما يبدو مفصولة بسور عن المدينه الايطاليه المواجهه للميناء البحري ، فينما تجد في الاخيرة مبان رائعة تمثل ستايل جنوب اوربا المتوسطي كتلك التي في نيس وصقليه، اما المدينه العربيه فمازالت تعج بالمتاجر المختلفه من باعة الاقمشة الى محلات الذهب والحدادين. للاسف كثير من هذه المباني في حالة تأكل واندثار بسبب انعدام الصيانه وخاصة المدينه الايطاليه. (لايوجد بها ايطاليين فقد غادروا كلهم). رغم ان طرابلس على البحر فليس هناك بها شواطيء سياحيه للسباحه. ولا عتقد ان الجو المحافظ يسمح بذلك.

الليبيون شعب محافظ، وتجد معظم النساء محجبات، بعضهن فيما يبدو تأثر بالعباءة الخليجيه السوداء، ولا اعرف من اين يجلبونها. ورغم هذا فالنساء اكثر حرية من نساء مملكة الرمال الكبرى فتجدهن على المقاهي ويذهبن لمدارس مختلطه مع البنين. اللهجه الليبيه سهلة جداً علينا لقربها من اللهجه الخليجيه. للاسف هناك فقراء في هذه البلد الغني فقد وجدت نساء كبيرات باللبس التقليدي يستجدين.

مظاهر العسكره في كل مكان، هناك سياره مصفحه تحرس كل مبنى، سواء كان متحف، ام منظمة شباب، ام فندق، ام بنك، والعسكر غير مؤدبين يرفعون اصواتهم على الناس في كل مكان، في الشارع او في المطار، اسواء من شرطة مملكة الرمال الكبرى. ولكن إن قال لك احد ان الشعب الليبي هو شعب خشن وعنيف وهو انطباع سائد لا ادري لماذا ولكنه بالتاكيد غير صحيح..الشعب الليبي عرب اكرام ومرحبانيين وكل الذين قابلت منهم كانو من اللطف و الكرم مايخجلك ويحلف الواحد منهم عليك اغلظ الايمان ان يعزمك في بيته ليذبح لك خروفاً.

ولكن طرابلس ممله جداً، ليس هناك شيء تفعله، تذهب الى مطاعم محدوده يرتادها الاجانب الذين يعملون في ليبيا من ايطاليين وفلبينين وهنود وعرب، او تذهب الى البحر وتعد امواج الشاطيء، او تجلس في مقهى للشيشه تراقب الحياة تمضي بطيئة من حولك. الليبيون انفسهم متململين من حياتهم يسوقون سيارتهم ذهاباً واياباً على كورنيش المدينه..ليس هناك بارات ولاحياة ليليه..ولكن اكتشفت اكلة ليبيه رائعة في احد المطاعم (مطعم الاثار) اسمها خروف بالقله ( وهي لحم خروف بالمرقة مطبوخ داخل جره صغيره..وكانت لذيذه فعلاً..الليبيون لايحبون اكل السمك فهم مازالوا بدو مثل أهل العين..ولكن هناك مكان على البحر اسمه الحفره، ورغم اسمه الغريب فهو سوق السمك حيث تشترى السمك وتجد به مطاعم للشواء تقدم اروع اصناف المأكولات البحريه.

حتى المعرض نفسه و رغم سوء التنظيم فقد استقطب بعض تكنولوجيا الاتصال الحديثه، ولكنه كان ذكورياً جداً حضور المرأة فيه كان معدوماً، واسلوب العرض فيه كان بدائياً جداً. الليبيون يحتاجون ان يعقدوا مقارانات بالمعارض الناجحه من حولهم في اوروبا او حتى بعض الدول العربيه الناجحه في هذا المجال.

لو تخيلنا ان هنالك في مكان ما معرضاً للاديان، معرضاً كبيراً مثل تلك المعارض الدوليه والتجاريه يستأجر فيه كل دين وكل مذهب وكل طائفة جناحاً يعرضون فيه ادلتهم على صدق دينهم بينما يتمشى الزوار بين هذه العروض لإختيار الافضل فماذا برأيك سيكون في اجنحة المعرض؟

ستجد العارضين في هذه الاجنحه من الواثقين تمام الثقة بأن مؤسس دينهم الاسلامي او المسيحي او الهندوسي هو الصح وان العارضين الاخرين هم كذابين ومحتالين و محرفين. وكل منهم سيكون جاهزاً ليقدم لك دليله على صدق دينه ومذهبه وبهتان دين ومذاهب الاخر. سيذكر كل منهم معجزات مؤسس الدين سواء كان نبياً ام رسولاً ام قديساً ام شهيداً التي حدثت في الماضي السحيق، ذلك وسيصدر لك الوثائق التي تثبت بشكل نصوص وكتابات قديمه لمفسرين ومؤولين اضافة بالطبع الى كتب الدين المقدسه والغامضه.

حين تقرأ موقعاً مسيحيا او مسلما او شيعيا او سنيا، او عندما تشاهد بعض القنوات الفضائيه المتخصصه بتبيان كذب وضعف ادلة ونصوص الدين والمذهب الاخر كقناة المستقلة مثلاً..لايسعك الا ان تقف وتحك رأسك، فأنت امام مجموعة من الباعه الذين يتبارون في تلميع سلعتهم و تقريح وسب البائعين الاخرين في هذا المهرجان الديني.

احياناً تقول ماذا يريد هؤلاء المؤمنين بهذه الاديان منا؟ قد لايوجد هذا المعرض الديني في مكان معين ولكنه موجود فعلياً على الفضائيات والمواقع وهناك كثير من رجال الاديان الذين تخصصوا فقط في نقد الدين الاخر او المذهب المغاير مثل احمد ديدات الذي كان يهاجم المسيحيه وهنالك زكي بطرس المتخصص في مهاجمة الاسلام..وكل يقول ان نبي الاخر كاذب وكتاب الاخر مزور ومحرف ولكن هناك شيء لايتغير بين كل هذه الاديان فماهو؟

إن جودة هذه الادله، ودقة تلك النصوص وصدق كل هذه القصص مشكوك فيها. لو لم يكن مشكوك فيها لما اختلف كل هؤلاء بينهم وتصارعوا على بيع الفكره للاخر. إن العقل الذي تخصص لينظر بصورة نقديه للدين الاخر لايوظف نفس المستوى من الانتقاد لدينه هو..وان فعل لكانت النتيجة سواء.

إن إدعاءات الاديان اليوم لا تختلف عن ادعاءات الاديان التي انقرضت، لولا انها جاءت هذه المره بصورة نصوص مكتوبه ومقدسه بينما اعتمدت الاديان التي قبلها على النصب والمباني والتماثيل المقدسه.

يتلخص منطق هؤلاء كهذا:

لا تؤمن بالدين الفلاني.

لماذا؟

لأنه دين مزيف ومحرف.

وكيف عرفت؟

تعال انظر الى نصوصي القديمه والمشكوك فيها ايضاً.

المشكله انه لاتوجد هنالك اية ادله فيزيائيه ولا عقلانيه تؤيد اياً من هذه النصوص وتتفق معها. لماذا لايكون دين السينتولوجي ايضاً صحيح والذي يؤمن بأن ملك الاتحاد الكوني ارسل كائنات فضائيه اسمها التيتان وفجر ملايين منها عند براكين الارض وسيعود بمركباته لينقذ البشر و يأخذهم معه في المستقبل. مالفرق بين هذا وبين الذي ينزل اليه شبح من ملك الكون والخلق برساله..كل لديه معجزات خرقت قانون الطبيعه ولكن في زمن الجهل وقبل ان يفهم الناس كيف تعمل الطبيعه.

المثير للسخريه انهم الاقدر على فضح بعضهم بعضا، وعندما يريدون ذلك يستعيرون منهج التفكير الصحيح، ولكن فقط لمهاجمة الاخر..ولكنهم لا يستخدمونه لتفكيك دينهم هم. لذا ترى ان العدو الاكبر لهم هو الالحاد لأنه يستخدم المنطق والعلم ضدهم جميعاً و ليس فيه من خرافات وخوارق يدافع عنها ولا انبياء مرسلين بنصوص قديمة ولا كتب غامضة بلغة مندثره.

لماذا لا يصدقني هؤلاء المؤمنون لو قلت لهم بأن شبحاً اختطفني واخذني الى قمة جبل حفيت وعلمني مالذي اكتبه في هذه المدونه؟ جد يا جماعه مالفرق بين هذا..وبين ما تقوله الاديان؟ سينكر المؤمن ويقول عني كذاب وان هذا لايعقل..وسيعطي من الاسباب المنطقيه ما ينقض إدعائي...ولكن ماذا عن رسوله و نبيه هو؟

إذا لم يتم الاتصال بك شخصياً من قبل الله، بالموبايل او بوسيله من الوسائل او انه ظهر لك من بين الغيوم وقال لك ان دينك الذي تتبعه صحيح وشرح لك كيف تصلى له ومالذي يجب عليك ان تنتهجه في حياتك..فأنت مضطر إذاً ان تعتمد على هذه النصوص ومايقوله لك المدعوذين كمصدر وحيد لإيمانك ..وهذا يتطلب حدوث أمر أخر، فماهو؟

هذا يتطلب بالطبع حتى يكتمل إيمانك ان تكون هذه النصوص، وهذه القصص على درجة من الدقة والموثوقيه وان تكون مصادرها سليمة وحقيقيه.

ولكن الواقع غير ذلك ان هذه المصادر تعتمد على مايسمونه "الايمان" وهو ان هذه النصوص والمصادر غير قابله للتصديق وتفشل وتتهاوى امام معيار المنطق والعلم..فبالتالي ليس امامك من مجال إلا ان تصدقها..عميانيا إيمانيا.

هنا لماذا يتفاجأ المؤمن المسلم بوجود الالحاد والملحدين ، فهو ليس إلا هؤلاء الذين يعتمدون على عقلهم وفهمهم وليس على ايمان خالي من دليل. الملحدون لايقبلون حدوث المعجزات الخارقه للطبيعه في الماضي ولا يصدقون الادعاءات المطلقه بدون تأسيس عقلاني ومنطقي. وفي هذا نتفق نحن الملحدين مع المتدينيين تماما في انتقاد الاديان الاخرى..و لكننا نختلف فقط عندما يأتي الامر الى انتقاد دينهم هم بإستخدام نفس الوسائل وذات المعايير. أنهم يريدون ان يكون دينهم ومذهبهم هو الوحيد المستثنى من تطبيق هذه المعايير فهل يجوز هذا؟

اليس هذا اعتراف بوجود مشكلة في دينهم هم ايضاً ؟

بن كريشان

ليست هناك تعليقات: