الاثنين

وجوب تكسير الأصنام


هل يجب تكسير التماثيل والاعمال الفنيه في الاسلام؟





ماهو سر اليأس الذي يدفع المسلمين الى تحطيم التماثيل ولماذا؟

لتتمكن من تقدير فن النحت والرسم يجب ان يكون عندك بعض الالمام بتاريخ الفن. لقد بدأ فن الرسم قبل ان ان يبتكر الأنسان الكتابه. في الواقع ان الكتابه البدائيه خرجت من الرسم. اللغه الهيوغليفيه مثلاً هي عبارة عن رموز مرسومه.

اول اللوحات التي رسمها الأنسان كانت داخل الكهوف. ثم بدأ الأنسان برسم معابده و طقوسه و اعتقاداته...حتى جاء عصر النهضه ولسبب ما لا اعرفه صار الأنسان يرسم المزهريه. لا ادرى ماهو موضوع المزهريه مع الرسامين ؟ فحتى مدرس الرسم في المدرسه كان يجعلنا نرسم مزهريه! دخل الأنسان عصر الرومانسيه فصار يرسم لوحات بعد لوحات فيها صورة صحن فواكه وزجاجة نبيذ. بعد ان يشرب الرسام كاساً واحداً من النبيذ نسمي ذلك الفن الانطباعي..ولكنه بعد ان ينهي زجاجة النبيذ يرغب في التعبير عن نفسه فظهر نتيجة لذلك الفن التعبيري.

مرة احضرت احدى اخواتي لوحة هدية لإمي بعد اجازة في باريس، اعتقد من هؤلاء الفنانين الذين يبيعون اللوحات المقلده على نهر السين. كانت اللوحه عباره عن طاوله عليها فواكه وزجاجة نبيذ. علقت امي اللوحه في غرفتها وكان بالصدفة اتجاه القبله و طلت تصلى لشهور حتى اشفقت عليها و قلت لها ان في هذه صورة زجاجة" خمر" تلك التي تسجدين لها. ظلت تستغفر لشهور ولا ادري ان كانت اعادت اداء كل هذه الصلوات.

في هذا العصر الرأسمالي لايعتبر الفنان عظيماً مالم تباع لوحاته و تماثيله بالملايين وهي عملية تبدأ بالفنان يقدم اعماله ثم يعلق عليها النقاد و من ثم يأتي مشتروا وجامعوا اللوحات ليشترونها.

موضوعنا اليوم هو مالهم هؤلاء المسلمون مع فنون الرسم و النحت؟ ماهو مصدر هذا التخلف في محاربة جميع اشكال الفنون؟

منذ ان ظهر الانسان المفكر على الكرة الارضيه و هو في رغبة جامحة ليعبر عن افكاره ومفاهيمه من خلال الرموز. اختلفت اشكال التعبير عند الانسان وكان من اقواها هو صنع المجسمات و التماثيل.

محاولة الأنسان التعلم و المعرفه قادت الانسان الى تحويل افكاره الى تماثيل تصور مايدور في خياله مستخدماً قداته البصريه على رؤية الفكره من خلال عمل مجسم.

أشكال التعبير الانساني تأتي بصور مختلفة ولأسباب متعدده فمن اللغة الى عَلم الدولة وشعارها الى الرموز الدينيه و الفنيه والعلميه والرياضيه وغيرها. وكان صنع التماثيل احد هذه الفنون البارزه في جميع الحضارات الانسانيه من اسيا القديمه الى افريقيا ومن استراليا الى امريكا. وحتى العرب فنحن نعرف ان كان عندهم تماثيل قبل ظهور الدين الاسلامي. بعض التماثيل التي لدينا تعود الى اربعة وعشرين الف سنه قبل الميلاد. جداريه حمورابي احد اقدم المنحتوتات السومريه.

يصنع الانسان التماثيل لاسباب متعدده، بعضها للتعبير الديني ولكن ليس ذلك كل شيء فالتماثيل تقام كنصب سياسيه و تذكاريه و كقطع فنيه وكذلك لأسباب علميه تستخدم للشرح و التعليم. فطالب الطب ينظر الى تماثيل لشكل الانسان و تركيبة اعضاءه و يتعلم الانسان من التماثيل الكثير لفهم التاريخ و الحيوان وحتى المركبات الفضائيه الى اخره.

حصل شيء للبشريه في يوم ما لايعرف احدٌ حقيقته جعل بعض البشر يخافون التماثيل ويخشونها. يتمثل هذا في قصة موسى الوهميه التي تصوره يعود من الجبل ليجد قومه يعبدون تمثال عجل مذهب. وهي القصه التي يسميها المسلمين " قصة موسى مع السامري". هذه القصه بالطبع ملفقه وتدل على جهل مؤلف القرءان بالأساطير اليهوديه فيهود السامره يأتون في مرحلة لاحقه وبعد التحرر من السبي البابلي.

تلك القصه اوجدت ظاهرة تسمى " انيكونيزم" وتعرف بأنها تجنب ورفض التمثيل الصوري والشكلي للشخصيات الالهيه المعبوده. تحولت بالتدريج الى رفض تصوير اي شيء حي في الطبيعه مثل الانسان والحيوان والاشجار والطيور. تعني الكلمه بالاغريقي انعدام الصور او التصوير". لقد عانى العالم بعدها الشيء الكثير من الدمار بسبب هذه الظاهره خلال فترات تسمى دينيا الاصلاح حيث يتم تدمير التماثيل والصور التي يصحبها قتل الكثير من البشر.

قبل ان ادخل في موضوع "التحريم" الذي بدأ في الديانات التوحيديه عند اليهود وقلده من بعدهم المسلمين تجدر الاشاره ان ظاهرة الانيكونيزم ليست مقصورة على الديانات التوحيديه الثلاث ( توحيديه بمعنى اله واحد فقط وهي اليهوديه المسيحيه و الاسلام والديانه الفرعونيه القديمه). الديانه الهندوسيه هي احد هذه الديانات التي تمارس تجنب تصوير الالهه(الانيكونيزم). ولكن اسلوبها يختلف بحيث تصور الاله باشكال اخرى كأنسان او حيوان او خليط من الأثنين. تقول فلسفة الباغفاد الهنديه انه من الصعب على الانسان ان يستخدم حسه البصري والسمعي ليعبد الله لذا تخلق له صور تعبيره ليسهل عليه عبادتها. دين طائفة السيخ في الهند يحرم كذلك رسم صورة الرب او الغورو السيخي كما انهم مثل المسلمين يحرمون ظهور ممثل يمثل دوراً لأحد الرجال المقدسين في ديانتهم ( ابوبكر او علي بن ابي طالب السيخي مثلاً). الدين البهائي والزوراديشتي تمارس انواعاً من هذا الانيكونيزم وبصور مختلفه.

انسان النيندرثال صنع ادوات ولكنه لم يصنع اي تماثيل، بينما انسان الهوموسابيان ومن خلال ذكاءه بدأ برسم الكهوف ومن ثم عمل التماثيل والأعمال التي من خلالها عرفنا التاريخ القديم.

في قصة موسى بعدما نزل من الجبل ووجد قومه يسجدون لذلك العجل الذهبي مصادفة غريبه. فقد كان جاء بالألواح التي كتبت عليها الوصايا العشر، وهي سلسلة من الأوامر الغبيه ولكن استمع الى الوصيه الثانيه وهي اطولها:

"لاتصنع لك تمثالاً منحوتاً، ولاصورة مما في السماء من فوق وما في الارض من تحت وما في الماء من تحت الارض لاتسجد لهن و لا تعبدهن لأني انا الرب الهك اله غيور، افتقد ذنوب الأباء في البناء في الجيل الثالث والرابع من بُغضي."

اليست مصادفة غريبه ان يقوم قومه بعبادة تمثال بينما هو نازل لهم بهذه الوصيه. هذا يدل على ان هذه القصص مختلقة من الأصل. لقد كان الناس في الماضي يعتقدون ان الله يصنع مخلوقاته ثم ينفخ فيها لتدب الحياة بها. وكانوا يتخيلونه يقوم بهذه المُهمة كصانع التماثيل او النّحات. وكان من المهم جداً عندهم ان يكون هناك فرق بين صانع التماثيل وهذا الاله الذي يصنع الهيئات وينفخ فيها. يقول القرءان عن عيسى " اني جئتكم بآية من ربكم اني اخلق من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيراَ" يفرد جناح الشوق ونطير..ونطير زي العصافير..و شباكنا ستايره حرير...عفواً نسيت نفسي، نعود للموضوع.

نعم يجب ان لايكون المخلوق مثل الخالق فالخالق هو الذي خلق خالق التماثيل ولكن خالق التماثيل لايستطيع ان ينفخ في تمثاله مثلما ينفخ خالق التماثيل السماوي فيها..فهمتوا شي؟ يعني ان خالق التماثيل يقلد سلوكاً الهياً. لا ادري لماذا توقف رب الرمال عن عملية النفخ هذه، ففي هذه الحياة لو اراد ان ينفخ في كل مولود جديد من انسان و حيوان و طير وحشره..لأنقطع نفسه

تلاحظ ان هذا التحريم لم يمنع من نحت تمثال الرب نفسه و لكن المنع كما يبدو كان لغيره من التماثيل وبالتالي فهذا الرب الغيور في الوصيه الثانيه لم يعني تمثاله هو ، انما تماثيل الهة اخرى قد تعبد من دونه. وهذا مايسمى بالصنم في اللغة العربيه و هو تمثال يحاكي الهاً غير ذاك الذي يعبده الناس.

لقد تمسك الاسرائيليون بهذه التقاليد الانيكونيه فلا نجد صورة لربهم يهوه ولا يلامون فقد كان التهديد واضحاً في الوصيه اعلاه بأنه سيلعن سلسفيلهم حتى الجيل الرابع وسيعاقب اطفالهم و احفادهم على ذنوب سخيفه ارتكبها اجدادهم وهي السجود للصنم الغلط. العقاب الجماعي كان شائعاً في المجتمعات القبليه كما نرى من قصص غزوات صلعم حيث لايسلم احد من القبيله المعاديه سواء كان طفلا او امرأة.

نفس التقاليد اليهوديه تلك تسربت للاسلام والذي اصبح القبيله العربيه الكبرى فيما بعد. يقول مسلم في رواية عن علي بن ابي طالب عن صلعم ان لاتدع تمثالاً إلا طمسته ولاقبراً مشرفاً الا سويته.

في المسيحيه نرى ان الأرثودوكس لايقيمون التماثيل وانما يضعون صوراً ليس لها بروز ويستنكرون على الكاثوليك صنع التماثيل ( الكاثوليكيه مختلفه عن بقية الديانات المسيحيه كونها ورثت شغف الرومان بالتماثيل، انظر الى الايطاليين اليوم فهم يحبون الفنون المرئيه والتصميم...البروتستانت لايضعون تماثيل في كنائسهم ولكنهم ينصبون اصلبة ولكنهم يستنكرون على الكاثوليك وضع يسوع سبايدر مان على الصليب..شهود يهوه ينكرون ان المسيح صُلب على صليب بل قتل على عمود خشبي ويداه موثقتان الى اعلى..طائفة الاميش لاتعترف حتى بالصلبان وهكذا.


كراهية المسلمين لاتقتصر على التماثيل والتصوير والأعمال الفنيه..إنها تطال كل شيء. فالاسلام قد يدمر مبناً لمجرد ان الناس معجبة به. السعوديون الوهابيون هدموا بيوتاً كثيره للصحابه وآمنه ام صلعم و غيرهم. كانت هناك كعبة ايام الرسول غير هذه التي في مكه تسمى الكعبه اليمانيه ( لم تكن ربما اول بيت وضع للناس..يمكن ثاني او ثالث بيت" :

روى البخاري عن جرير بن عبدالله قال قال لي رسول الله صلعم ياجرير الاتريحني من ذا الخلصه بيت لخثعم كان يدعى الكعبة اليمانيه. قال فنفرت في خمسين ومائة فرس فانطلقنا فأحرقناها وتركناها كانها جمل أجرب.

وهذا مافعله صلعم من هدمه تماثيل مكه ثم تبع ذلك في كل ارض دخلوها فدمروا اثار فارس واغلب تماثيلها ومن حسن الحظ ان تماثيل مصر الفرعونيه كانت مخفية تحت الرمال فنجت من دمارهم.

يتحججون بأنها اصنام فيدمرون الفنون ويطمسون التاريخ بعدائية غريبه تجاه المنحوتات واللوحات والرسومات في حرب اشبه بحرب دون كيشوت على طواحين الهواء. عارضوا الكاميرات و التصوير..حاربوا الفنون الجميله..دمى الأطفال كل شيء. الفنون تعبير عن وجدان الانسان ومشاعره حتى اضحوا مدمرين للحضارة الانسانيه وكان ذلك دليلاً واضحاً لكل العالم بعد ان قامت طالبان بتفجير تماثيل بوذا التي تعود لأربعة الاف سنه بالديناميت.

مثلما تقوم الحكومات اليوم بمنع التعبير الفني ذو الدلاله السياسيه بالرقابه وبالحجب والمنع، كان الدين الاسلامي يستخدم اسلوب التحريم لمنع انتشار الفنون التعبيريه. الفن و التشكيل هو حلقة الصلة بين الأمة وماضيها، وكان مهماً للدين الاسلامي الجديد أن يطمس آثار الماضي ويخفيها ويعيد اخراجها بالشكل الاسلامي الجديد بدون ان يعرف مصادرها الحقيقيه..ان من يعارض الفن والتعبير ما هو الا همجي كاره للحضاره ومدمر للانسانيه وتاريخها.

بن كريشان

ليست هناك تعليقات: