الاثنين

الجهل العميق

كيف نتعامل مع سوء الفهم الناتج من الجهل؟



إن الاختبار الحقيقي لأي أيدولوجيه هو هذا العالم الذي نعيش فيه. لا تستطيع اي ايدولوجيه ان تساعد الناس على التغيير او تحسين وضعهم السياسي او الاقتصادي، مادامت عاجزة عن تصوّر العالم بصوره دقيقه و كما هو فعلاّ.

عندما تكون الايدولوجيه في حالة إنكار حول الكيفيه التي يعمل عليها هذا العالم و تعيش في تصوراتها الخياليه فستجعل من الصعب جداً على مُعتنقيها و اصحابها ان يفهموا مايدور حولهم و سيفشلون في تحقيق اي تحسن في ظروفهم المعيشيه او السياسيه.

إن هذا بالضبط ما نعيش فيه في بلاد الرمال، فهناك حالة إنكار شديد للواقع، والتصاق بحلم رومانسي لا يمثل الحقيقه من حولنا داخل سجن الأيدولوجيه القوميه و الاسلاميه . ما نستلمه في هذه المدونه من تعليقات هو احد دلائل هذا الحال و ليسمح لي القرّاء صبري معهم فقد قالت آيا في تعليق على مقالة " رأي الاغلبيه وقطعان الثيران البريه" هذا:

عزيزي بن رائع رغما عنهم، و في الواقع أنا أغبطك لصبرك علي التخلف الظاهر للعيان و الدال علي نفسه في التعليقات السخيفة للبعض في مدونتك.

ما من شك ان هذه التعليقات سخيفه ، وضعيفه و لكنها تمثل بالنسبة لي مُختبراً حياً لتفكير مجتمعاتنا العربيه، واعترف انني استخدمها كإلهام و مصدر لكتاباتي في بعض الاحيان.

ردود الفعل هذه التي شهدنا على المقال السابق لا تمثل فقط طريقة التفكير السائده بين العرب ، تلك المتربطه بالأيدولوجيه السائده بل تعكس التصرفات المنبثقه عنها وهي البلطجيه والمسبه وكلام الشوارع ، لو عكسنا هذا على حال الواقع -- خارج عالم التدوين--فستجدون ان هذا يحدث تحت الدكتاتوريات القومجيه و الاسلاميه فإهانة الانسان بسبه و ضربه هو إسلوب مكرس في هذه الانظمه الايدولوجيه و ذلك لإرهابه و قمعه ولينسى حقيقة واقعه الاليم. كم من امثلة نستقيها من واقعنا و من نظم سياسيه سبقت تبنت الايدولوجيه القوميه و ما يقوم به الاسلاميين اليوم و بينهم من بقايا القوميين المتحولين في الارهاب و التهديد و التخوين و المسبه.



عندي صديق يقول ان من محاسن وجود قنوات فضائيه اسلاميه متخصصه هو انك تستطيع ان تغير المحطه، فهل الغاء هذه التعليقات هو الحل ام عرضها امام العالم لفضح حقيقة مستواهم الشوارعي؟ يقوم هؤلاء بهذا الصراخ من خلال التعليقات لمنع الصوت الاخر المتجاوب بظنهم ان هذا سيمنع التأثر مع الكلمه المكتوبه، فهل هذا الاسلوب ينفع؟
ان التعامل مع هؤلاء لا يكون بالذهاب بعيداً عن المواجهه ، ماذا تفعل حيال هؤلاء الغوغائيين وملافظهم القذره؟ ..ولاشي اهم شيء هو لاتجعل مسباتهم و كلامهم الوسخ تؤثر بشعرة منك، فهم اصغر و احقر من ان يقفوا امام فكرة نيره، على الاقل بالنسبة لي فهذه المحاولات لن تجدي ابداً معي و لن تؤدي الا الى زيادة تصميمي على الاستمرار بالكتابه، هؤلاء لا يفهمون انني صخرة عنيدة لاتنكسر، لا تحاول معي فهذه الالعاب لا تجعلني إلا أكثر عناداً وتنفث بي رغبة إنتقامية في الاستمرار بالكتابه.. ان اهم وصف جاء فيهم هو تعليق آيا وهو : "التخلف الظاهر للعيان"

يريدون ان يطفئوا نور بن كريشان بافواههم ويأبى هو الا ان يتم نوره ولو كره المتخلفون( قرءان عظيم) ..مقالاتي ستستمر كقطار هادر مندفع يزيل من امامه كل هؤلاء ...فماهم الا قطط شوارع متشرده تتطاير امامه هكذا.


ولو تركنا التصرفات الصبيانيه—المسبه و السفاهه—جانباً و حاولنا اليوم سبر معان الانتقادات الحقيقيه التي نتلقاها في مدونتنا هذه فسنجد انها نوعين الا انهما يكادان يكونان سيان..احسن تشبيه لهما انهما نفس الشيء بنكهتين، واحده إسلاميه و هي وريث النكهه السابقه لها القومجيه. وهنا سأخذ تعليقات سراط و ابن ايمان مثالاً و ارجو ان يتسع صدرهما لما سأقوله، وهو السائد العام الشائع من الرأي في بلادنا.

و هنا سأحاول ان اشرح تأثير التفكير الايدولوجي في خلق هذه المستوى المتخلف من التفكير عندنا، لوضع الاصبع على الجرح. من المقاله الاسبق لتلك " وخلق الله المرأه" كتب سراط:

السوأل هنايا أيها الغراب الحكيم. هل بن كريشان و من يسير في جوقته مثل سيادتك تنتمون الى هذه الامة ام الى الانسانية؟

رغم ان كلمة الانسانية تفسر وتستعمل حسب مصلحة الآقوياء مثلها مثل حقوق الإنسان والديمقراطية اقرب تعريف للإنسانية حاليا هو العولمة اي ان الحقوق والانتماء فيها ليس للضعفاء امثالنا لايهمني ان كنتم من يا ايها الذين أمنوا أو يا ايها الذين كفروا الذي يهم هنا في اي صف انتم هل انتم مع هذه لامة بكل اتجاهاتها وحتى بطابورها الخامس الذي لمحنا اليه سابقا وبغثها وسمينها....اممع الآخر الذي لا يرى في... وفيكم... سوى (عرب) منذ الحروب الصلبية. مهما تبنينا افكارهم وتشبهنا بهم فنحن بنسبة لهم غوغاء العالم...موتنا وابادتنا... لا تتعدى خبر في احدى نشراتهم ان سمح اللوبي إياه بتمريرها.

التفكير الايدولوجي العربي القومي كان لايخلو من عنصرية فاشية تنعكس من خلال المسبات و الاسقاطات و الاسفافات فسراط في تعليق اخر على نفس البوست قال بأن من يتبع بن كريشان و الخليجيين هم بدو و اولاد معلقي الرايات ( كناية عن الداعرات في الجاهليه).

وهذا الموقف الفاشي المتعال ضد اهل الخليج كان يصدر من امثال صدام حسين و البعثيين وبعض الاخوه القومجيين العرب الذين لم يفيقوا من حلم الفاشيه بعد. كان هجوم عبدالناصر على المملكه السعوديه هو الذي خلط الاوراق لبعض العرب فدول الخليج بها نماذج متطوره جداً في الحداثه لاتقارن بالسعوديه، ولكن الجماعه القوميين العرب مازالوا نايمين على ودانهم.




في تعليق اسبق وصفني سراط بأنني مرتبط بظهور الفضائيات و حرب الخليج، وانني صاحب قناة ام بي سي الفضائيه، اسمع هذا:

إن ما يفعله (أبناء كريشان) هنا لاهدف له سوى الارباك وإدخال البلبلة و تشتيت إنتباه الامة لأشياء ثانوية والغفلة على الأخطار الحقيقية ....وإني اطالب بكل جدية معرفة الى أي جهة ينتمونان ظهور هذه المدونة كان متزامنا مع ظهور العديد من المدونات المماثلة من :المثليين العرب الى سحقات العربيات الى هفاء سكس مرورا بسكس جينا... زد الى ان هذا الظهور كان موازيا الى ظهور مصائب المشهد الفضائي ، العربية، إم.بي.سي وأخواتها، روتانا وبناتها روبرت مردوخ وفراخها وفي المقدمة نيكولوديان ( قناة الصور المتحركه) الموجهة لأطفالنا واشهارها المسموم الذي يسخر فيه الطالب من معلمته.



الى اي مدى من الممكن ان يتم تسطيح تفكير الانسان؟ وكيف يقبل عاقل ان يتم خداعه بهذه الدرجه ليبدو في النهاية من السذاجة بمكان، هذا يا اخوان هو موضوع اليوم و هو ليس الجهل بالأمور بل ظاهرة الجهل العميق.

اما بالنسبه للمعلقين الاسلاميين فهم يلتقون معهم بنفس البؤس وليس بمستغرب ان إستحساناً متبادلاً بين سراط القومي و ابن ايمان الاسلامي و الذي كتب:

أنظروا الى هذا الغبي المتخلف كيف يصف المسلمين (بالذات).بالطبع لم يتطرق للمسيحيين ولا اليهود ولا حتى عبدة البقر والفئران والفرج..(في الواقع أكاد أجزم أن كل مدعيي الالحاد هنا إما يهودا صهاينة أو صليبين حاقدين...(وهذا قد يكون تفسيرا لتساؤلات الأخ (سراط)الحائره عن انتمائات هؤلاء الادعياء وعلى رأسهم كبيرهم بن كريشان....ألأخوه العقلاء :هؤلاء ليسوا الا أحد من ذكرت هناك الكثير والكثير من نقائصكم بل قل جرائمكم أيها الساديون الصليبيون الصهاينه....هذه المعاني هي التي تدفع أنسانا غيورا مثل السيد(سراط) ليتسائل عن هوياتكم بتعجب واستغراب.



مالذي يجعل القومجي العربي يصف المتدين المؤمن "بأنه انسان غيور" على ماذا؟ على دينه؟ امته؟ ولماذا افترض ان الملحد لايحب امته و بلده..هذا إضافة الى كثير من العبارات التي تدل على جهل تام بمعنى الالحاد و خاصة عندما وصف الملحدين بمجموعة من المتناقضات عندما قال انهم ساديون صليبيون و صهاينه.

لامفر للمُلحد في بلاد الرمال من ان يواجه هذا الكم الهائل من الخرافات و المفاهيم الخاطئه عن الالحاد و المُلحدين. وهنا عندما يحاول اي ملحد العربي بطبيعة الحال توضيح هذه الاخطاء و شرح هذا اللبس يجد ان هذا لايصل اليهم، ومهما كان المنطق و العقل فلا يخترق جماجمهم السميكه..لماذا؟



ان تجربتي علمتني ان هناك نوعين من الناس، نوع يتقبل المعلومه بفاعليه تجعله يعيد تفكيره و يدرك الحقيقه، والسبب هو ان هذا الشخص قد تم إخفاء الحقيقه عنه و كان في الغالب ضحية عدم وجود معلومات صحيحه عن العالم من حوله سوى شعارات القوميه الرنانه..والأدّعاءات الدينيه الخرافيه. اما النوع الاخر من الناس وهو موضوع حديثنا اليوم سيظل يدور و يدور في حلقة مفرغه من النقاش العقيم المليء بالسب و التخوين و الاتهام بدون اي تقدّم..فمالفرق بين النوعين ياترى؟

اعتقد برأيي المتواضع ان الفرق بين هذين النوعين من الناس يكمُن في وجود ما اسميه " الجهل العميق"- - وهو الحالة التي يكون فيها الانسان العربي المؤدلج غارقاً في جهالة كبيره حول القضايا الاساسيه و مايدور فعلاً في العالم من حوله. عندما يكون الشخص ليست له درايه و معرفته تكاد تكون سطحيه حول طبيعة الدين و المعتقد و السياسه و العلم و اتجاهات التطور المعاصره، فأنه من المستحيل عليه ان يفهم. انه بالكاد يدرك الخطوه المعرفيه الاولى فما بالك بالثانيه وكيف بأمكانه إستيعاب الخطوه العاشره و الحاديه عشر. الذي لم يدرس مباديء الحساب لا يستطيع ان يذهب و يدرس الهندسه اليس كذلك؟

هؤلاء يجب ان يتعلموا المباديء البسيطه الاساسيه اولاً، قبل ان يتمكنوا من الانتقال الى مرحلة فهم ماهو الإلحاد..للاسف الشديد مع ان الألحاد بذاته..هو شيء سهل الفهم.

صديقانا ، الذي يسمى نفسه ابن الايمان و الأخر المدعو سراط لديهما معلومات متواضعة جداً عن العالم الذي يعيشان فيه ، انهما لم يتمكنا في تعليقاتهما ان يقولا شيئاً واحداً عن الإلحاد بالأمكان ان نعتبره معقولاً أو صحيحاً ، ولكنهما و بدون قصد كشفا عن مشكلة كبيره يعاني منها تفكيرهما و اثارا تساؤلات جديه حول امثالهم من الأشخاص المؤدلجين إسلامياً أو قومياً أو حزبياً في بلاد الرمال.

بالذات كلمة طيبه للصديق الذي يسمى نفسه ابن الايمان- - أنت إن لم تفهم ماهو الايمان، فلن تفهم ابداً اي محاولة لشرح ماهو الالحاد لك. ان كان الالحاد بالنسبة لك هو مؤامرة دينيه من قبل اديان اخرى ضد دينك، فأنت لديك مشكلة كبيرة جداً في اساس الفهم و ليس من فائدة مرجوة لك لفهم ما يكتب هنا سواء من مقال او تعليقات، فيجب عليك اولاً أن تحاول ان تقرأ في مصادر مختلفه لتنتقل الى مرحلة تستطيع بها ان تنتقد..فالأنسان لا يكون مؤهلاً لنقد شيء يجهله.




اما الصديق الذي يسمي نفسه السراط و يقول انه علماني او كان كذلك..فكيف استعرت مصطلحاَ دينياً تتسمى به ايها العلماني؟ انت مثال كلاسيكي للتفكير الفاشي عموماً يتجلي من خلال هوسك بفكرة المؤامره . يتبطن تعليقك دائماً على التلميح بالأنتماء الذي امثله و تساؤلاتك الغريبه عن مالذي قدمته لأمتي من خلال كتاباتي. انت تفترض هنا ان اي إنتقاد للدين الاسلامي لابد ان يكون مصدره من عميل صهيوني او من مسيحي امريكي يريد اعادة الحروب الصليبيه..فبالتالي الملحد هو مسيحي صليبي و يهودي صهيوني في نفس الوقت..انت مشوش التفكير ياصديقي مُختلطة اراقك ، وانصحك بالتمهل مع نفسك و أخذ الأمور حبه حبه..عدّى سنه اولى و تعلم العلمانيه، ثم افهم شيئا عن تاريخ الأمم الحديثه و تطورها، ادرس تاريخ الحركات الفاشيه، تعلم عن دور الأديان في السيطره السياسيه و النفوذ المالي..ثم تعال بعدها و ناقش في الإلحاد.

لسوء الحظ ان هذا النوع من الجهل العميق شائع جداً في بلاد الرمال و هذه المفاهيم الخاطئه ليس عن الألحاد فقط بل عن كثير من الاساسيات تجعل الشعوب العربيه تعقد مقارنات خاطئه وتبني من تلقين إجتماعي و سياسي و تعليمي و ديني سابق إعتقادات مشوهه لا تمت للواقع و العالم من حولنا بصله.

ماذا سيكون رد هؤلاء علينا - - كملحدين لو إننا كتبنا ان الاسلام هو الايمان بالهندوسيه و ان هؤلاء المسلمين ماهو الا أذيال اسيادهم المسيحيين عبدة النار؟ سيجعل هذا من إنتقاداتنا و تفكرينا و تعليلنا مجرد خرابيط غير مترابطه و غير قادره على التعامل مع الموضوع..فمابالك بإنتقاده. هذا هو بالضبط مايقوم به ابن الايمان و سراط في تعليقاتهم.

ان سبب إنتقاد الملحد للدين، سواء كان الاسلام – ارجو ان يلبس كل من سراط و ابن ايمان نظارتيهما هنا- او المسيحيه او اليهوديه او الصهيونيه او الصليبيه هو ان الأديان عموما كلها ذات طبيعة دعوجيه تبشيريه مبنية على الكذب و إستغلال البشر. هؤلاء الذين يرتزقون من هذا الاسلوب الدعوجي التبشيري هم من لايحب إنتقاد الإلحاد و هم من خلقوا لكم هذا التفكير المتناقض المفكك. هؤلاء لايهمهم ان تدركوا الحقيقه..ان من مصلحتهم ان تبقيا مثل غيركم اسرى للايدولوجيه المنتهية الصلاحيه التي تعاني منها امتنا.




ان تحرير هذه الأمه يكون بتحرُرنا من قيود هذا التفكير السطحي المتخلف كما وصفته آيا. ان من يظل يفعل نفس الشيء دائماً، يحصل على نفس النتيجه كل مره. وان بقيت هذه الأمه على نفس هذا التفكير فسنكون كما نحن الأن بعد عشرات السنين.

كيف ينبغي لنا ايها القراء ان نحكم على الأيدولوجيه الاسلاميه او القوميه بعد أن نقرأ تعليقات مثل سراط و ابن الايمان؟ اي نوع من الحكم نستطيع ان نصل اليه و نحن نشهد هذا النقص المريع في فهم الحقائق الاساسيه و المنطق البسيط؟

السؤال الأهم بنظري هنا و الذي قد نتعلم منه شيئاً هو كيف يمكن لنا تفسير الالحاد لهذه الفئه التي ينقصها الفهم و الادراك لأمور مبدئيه؟


في إعتقادي ان لم يعترف هؤلاء الاشخاص بوجود فراغ كبير في معرفتهم لأدراك الاساسيات و الحقائق البسيطه، وان لم يستخدموا هذه المعلومات المكتسبه لإصلاح الفرضيات الخاطئه داخل ايديولوجياتهم...فلن يعرفوا ابداً انهم على خطأ. وهذا هو الجرح الذي تعاني منه امتنا.


بن كريشان

ليست هناك تعليقات: