الاثنين

الدين.. و التلقين



لأن غداً هو يوم الكريسماس فقد افردت مقالاً له ولكن هذا يعني إننا سنكسر بهذا قاعدة مقال كل ۳ ايام، لذا حتى لا يطول انتظاركم كتبت هذا المقال الأكسبرس ليوم واحد فقط، قبل ان نعود لوتيرتنا المعتاده.
كنت استمع في إذاعة البي.بي.سي في سيارتي الى برنامج حواري عن المسلمين في بريطانيا وعن ولائهم و انتمائهم، وجّه المُذيع السؤال الى شخص شديد التدعوذ يرأس مركزاً المقريزي للدراسات التاريخيه الاسلاميه - في بريطانيا -هاني السباعي قائلاً:


المذيع: لماذا برأيك يكون انتماء المسلم البريطاني الى الاسلام كدين و ليس الى بلده بريطانيا؟

السباعي: ان هؤلاء الذين يتشدقون بالعلمانية و الديموقراطيه و هم اعداء الاسلام الذين يحاربون شريعة الله و نبيه محمد..إننا امة امرت بالجهاد و بمحاربة الربا و امرنا بمحاربة التعري و امرنا بمحاربة من يعتدي علينا..ان مايُسمى اليوم دولاً اسلاميه هي من صنيعة الاستعمار و الغرب الصليبي الذي لايريد ان تقوم قائمة الاسلام الخ الخ.

يتشدقون عند الاسلاميين- الشدق هو جانب الفم وهو تعبير سلبي كأن يحرك الشخص فمه بصورة ملتويه مثل البعير عندما يجتر- كلمة يبالغ الاسلاميون عادة و القومجيين في استعمالها و لو وضعتها في الغوغل فستستغرب عدد المرات التي يستخدمهاالاسلاميون فيها. ستقرأ مثلاً: هؤلاء الليبراليين الذين يتشدقون بلا بلا..هذه هي الديموقراطيه التي يتشدقون بها..يتشدقون بحرية الصحافة و الاعلام ، الغرب يتشدق بالمساواه و هم بلا بلا..الخ.




المهم كان من الواضح ان هذا الأخ قد تم تلقينه تماماً منذ طفولته من قبل ان يتدعوذ، ايرجي بمن وصل الى هذه المرحلة خيراً، فكيف تخاطبه كعاقل؟

على الرغم من هناك ادلة مثيرة للإهتمام تدل على ان الاطفال يولدون بدون دين ولا عقيده و لا رب، إلا ان اغلب الأطفال يتخذون إعتقادات خارقه للطبيعه فيما بعد. السبب في ذلك ليس التعليم و الأكتشاف و لا هو "الفطره" التي " يتشدق" بها المسلمين – حلوه يتشدق هنا اليس كذلك؟ - انه التلقين، وهو خط الدفاع الديني الأول الذي يجعل من الصعوبة على الانسان التخلص من معتقداته الدينيه.

التلقين يجعل الطفل المسلم:

۱– يظن ان الله موجود.
۲– المسلمون كلهم مذنبون و مقصرون.
۳– ان بلاد المسلمين كانت امة عظيمه قسمّها الاستعمار.
٤– ان رب الرمال زعلان عليهم لأنهم لايجاهدون.
۵– ان من يخالف هذه الاراء فهو مدفوع من الكفار و الصهاينه اليهود.

وغيرها كثير..الحقيقه ان الايمان برب الرمال لايتنزل من السماء الى عقل الطفل، انه يتم بواسطة درجة من درجات غسيل الدماغ تسمى " التلقين". التلقين يختلف عن التدريس. الأخير يتطلب مهارات الفهم و الشرح والأقناع. التلقين هو فرض الفكرة قسراً على العقل واستخدام منهج مركب من التخويف و التكرار و الحفظ.

ان ماحدث لهاني السباعي و غيره من الملايين في بلاد الرمال هو هذا بالضبط. غسلت ادمغتهم صغاراً و تم حشوها بهذا الكلام الخاطيء. مرة تناقشت مع احدهم ، فصرت احطم كل جدران دفاعاته عن الاسلام واحداً بعد واحد فلما لم يتبقى امامه شيء قال لي : اسمع انا اعرف بضميري ان الله موجود ، و انني لايمكن ان اقبل اي شيء خارج ديني.

ان السبب الذي يجعل كل هؤلاء الناس من حولك يؤمنون بالله هو ببساطه هو انهم تلقنوه بهذه الطريقه و صار ليس بوسعهم تصور شيء اخر بديل عنه. عندما يعجزون عن تفسير التناقضات و الادله و الحجج القويه ضد ايمانهم يلجئون الى عذر مبسط جداً..هو ان الشيطان من يجعل الاخرين يكفرون بالدين.

انه التلقين ايها الاخوة و الاخوات الذي يجعل كل هؤلاء يظنون ان بلاد الرمال يجب ان تكون تحت حكومة إسلاميه، و ان العلمانيه هي شيء سيء جداً ، وانه لايوجد هناك ملحدين بها..الهم الا عملاء اسرائيل و امريكا.

التلقين يسرق براءة الطفوله و يستغل اطفالاً صغار ليست لهم معرفة او خبرة مسبقة بالحياة. ان التجارب الأولى في حياتنا تكون اشد و اكثر صعوبة و هي التي نتذكر تفاصيلها بوضوح، هل تتذكر عندما تحطم حبك الاول؟ ان الم ذلك كان قوياً جداً اليس كذلك؟ اتعرف لماذا؟ لأنها المرة الأولى فقط، فالجرح الاول هو الأكثر ايلاماً..اخبرني مايكل ، وهو احد المدربين في الصاله الرياضيه، انه عندما كان مراهقاً في جنوب افريقيا خدعه احد الباعه في الشارع بأن قال له انه سيحضر له بنطلون جينز جميل مثل الذي يرتديه لو انه اعطاه النقود ، ففعل و انتظره لربع ساعه..طبعاً اللص فر بالتقود ولم يعد. يقول لي هذا المدرب بأنه تعرض لحالات كثيره خدع فيها في حياته ولكنه لايستطيع ان ينسي تلك الحادثه. السبب ان ادمغتنا تتأثر اكثر بالتجارب الأولى.

التلقين هو حفر الدماغ ووشمه بالخرافة كالنقش في الحجر..من الصعب إزالته. ان فترة التلقين تحدث عندما لايستطيع عقل الطفل التفريق بين الخيالي و الحقيقي. تسمع الاب او الأم يقولان لطفلهما الصغير ان لم تفعل هذا و تجعل الله سعيداً..فسيلقيك في الحجيم.

كم من الناس من حولك يقول لك ان قصة يونس كاليبسو الذي عاش في بطن الحوت غير حقيقيه؟ رجال و نساء بطولهم وعرضهم و يحملون شهادات جامعيه، يصدقون حكاية تافهة كهذه.. لماذا بظنك؟

الا ان الناس الذين يتربّون في عائلات علمانيه خارج بلاد الرمال بالطبع لايتاثرون " بفطرة" الاسلام. انهم لايصدقون قصص عجيبه مثل حكاية العم يونس كاليبسو او كابتن نوح و الملك سليمان وبساط الريح وعلاء الدين والمصباح السحري. لماذا بظنك؟

السبب هو ان هؤلاء لم يلقنون ابداً.

كتب احدهم لي من السعوديه يقول بأن رغم الحاده فأن شيئاً بداخله يضايقه لانه توقف عن اداء صلاته..انه الخوف الذي يصيب الشخص الذي تم إنتهاك طفولته و هو صغير. قلت له لقد تم تدريبك لسنوات لتعتقد بذلك و التخلص منه سيأخذ منك بعض الوقت ..لا تستسلم لهذه المخاوف لأنها درجة من درجات الفوبيا او الرهاب.

التلقين ليس لعبة بسيطه، فالتطرف الديني هو احد نتائجه الخطيره، تخيل انه رغم مقارعة حجتهم بحجة اقوى منها و مع هذا فلا سبيل لأخراجهم منه. ولكن هل نترك هؤلاء لحالهم و نقول انه مضيعة وقت ان نحاججهم؟

هل يعنى انه ينبغي على المُلحدين التخلى عن محاولات اقناع هؤلاء؟ اعتقد لا.. لأن الدور الذي يجب ان نستمر به هو ان نثقف مجتمعنا و ان ننقله الى مستوى اعلى من النقاش، حتى لو نصل الى نتيجه فإننا نكون قد غرسنا شيئاً جديداً في ثقافتنا هو مهارات فهم طبيعة الأدلة و العقل و المنطق و كيفية اكتشاف المغالاطات و الشك فيما يقال جزافاً و مهارات التمييز بين الخرافة و الحقيقه و ما يعقل و مالايمكن تصديقه.



ان بناء اساس متين في هذه المناطق كفيل ولو ببطء ان يحطم اسوار التلقين المبنيه حول العقل،ان الكثير من الناس الذين تم تلقينهم تحرروا منه في النهاية ، ومنهم اخوان و اخوات هنا في هذه المدونه، فكفاكم تشدقاً.

اعرف ان العباره الاخيره لامكان لها من الاعراب ولامعنى لها بس عجبتني.

بن كريشان

هناك تعليق واحد:

Mohamad Mousa يقول...

كلام سليم ... شكرا على المقال