الاثنين

فك الشفره السلفيه

أهناك أجنده مشتركه تجمع المتعصبين دينياً؟




هل فكرت يوماً لماذا تتشابه تصرفات المتعصبين دينيا؟ فالمتشددون اليهود يكرهون نفس الاشياء التي يكرهها المتزمتون الاسلاميون، وتجد نفس الاشياء مكروهة كذلك من قِبَل المُحافظين المسيحيين بأمريكا. فمثلاً كلهم يكرهون حرية المرأه، وكلهم يكرهون العلمانيه، وكلهم يكرهون ايضاً الحريه الفرديه التي تناقض التقاليد الدينيه، ويكرهون التغيير ( البدع) ، و لكن رغم عداوتهم الظاهره لبعض ..إلا أن هناك عوامل مشتركة تجمع بين هؤلاء المتعصبين للدين.

ان الشيء الوحيد الذي يجعل من الممكن أن يشترك متدينين من أديان مختلف بأجندة واحده..هو أن تكون هذ الاجنده سابقة لهم، أو ان هناك سببا خارج الدين هو المُسبب لظاهرة التعصب الديني.

عندما نرى المتعصبين دينيا - مثل السلفيين الاسلاميين واليهود الارثودوكس و طائفة الاميش المسيحيه الامريكيه نلاحظ ان هناك ذكورٌ ( رجال) يقومون بتحديد ما يجب و لايجوز ان يقوم به اي عضو في هذه المجموعه أو الطائفه. هذه تكون بشكل تصرفات وهيئة و لباس تميز أفراد هذه المجموعه المتعصبه.

يقوم هؤلاء الذكور بنشر فكرة "حماية" الأنثى وذلك من خلال إخضاعها لسلوكيات معينه بذريعة عدم إغضاب الإله في السماء. وهذا سلوك معروف في عالم الحيوان.

في الحيوانات التي تكون فيها الذكور أقوى من الاناث بدنياً بالمعنى البيولوجي تقوم الذكور بفرض قواعد القطيع و حركته و تتولى حماية منطقته بينما يكون دور الاناث هو الولاده و تربية الصغار. هناك فصل واضح لمن يكون داخل القطيع- ومن هو من خارجه حتى لو كانت هذه الحيوانات من نفس الفصيله. نجد هذا في السعادين (قرود البابون) حيث لا يقبل القطيع إدخال فرد من نفس الفصيله الى المجموعه المغلقه. فمن هو بداخل المجموعه تتم حمايته، و من هو بخارجها ينفي أو يقتل.

ان مايتعصب له هؤلاء المتدينون من الاديان الكتابيه الثلاث لا يختلف ، عما تقوم به القرده التي تعيش في مجموعات مغلقه أو الوعول البريه، إنها تحافظ على البرمجه البيولوجيه لديها من أجل البقاء.

هذا يعني ان أسباب التعصب قد تكون أقدم من الاديان نفسها بملايين السنين و هي حالة مرتبطه بالتطور الانثروبولوجي للإنسان. وهذا يجعل من التعصب الديني مجرد ردود أفعال تعود للطبيعه في مرحلة ماقبل تطور الذكاء الانساني.

انه قبل عدة قرون كانت الحياة في بلاد الرمال تتكون من مجموعات مغلقه من قبائل و عشائر قد لايتعدى بعضها ۱۵۰ فرداً. كانت الحياة في الجزيرة العربيه شبيهة بتلك التي عاشها الانسان القديم من حماية لمجموعته من الغرباء و اخضاع النساء ليقمن بدورهن في التربية و إنشاء الاطفال بينما يتفرغ الرجال للدفاع عن المجموعه ضد الغرباء و للمجموعة "قائد" شيخ من الذكور مهمته تحديد وتطبيق القوانين و القواعد السلوكيه. كان الخارج عن عرف القبيلة ينفي منها فلا تقبله القبائل او العشائر الاخرى ( الصعاليك).


حتى بدايات القرن التاسع عشر كانت هذه المجموعات البشريه الصغيره تجول في السافانا و أدغال أفريقيا و أسيا وكل تتفرد بشيفرة معينه من الاعتقادات و التقاليد التي تحمي " خصوصية" المجموعه عن العالم الخارجي.

الاسلام حاول في بداياته أن يكسر تلك القاعده ليخرج بمجتمع مدني مثل ذلك الذي كان بفارس أو روما و غيرها إلا انه لم يتمكن من التغلب على الطبيعه البدويه التي تقوم على حماية المجموعات الصغيره.

قيام الامبراطوريه الامويه كان بداية تشكل الحس العربي والذي كان يحاول أن يُبقي تميزه ، مقابل العنصر الغير عربي بما كان يسمي آنذاك الشعوبيه. ولأن العرب عندها لم يكن لديهم غير " فن الشعر والكلام" وهذا القرءان أنطلقوا يقننون و يدونون أصول اللغة العربيه امام الامم المسلمه الجديده التي كانت تطعن في ماضي العرب ، و تعيرهم بأنهم من أصول همجيه.

هذه النظره لم تختف تماما و مازالت موجوده لليوم في نظرة الايرانيين او الترك للعرب، بالطبع هناك مبالغة كبيرة في هذا.

هذا دفع الامويين الى الاعتماد في تدوين اللغة العربيه اخذا عن لهجة الاعراب، فكان علماء اللغة يرجعون الى الصحراء لإستنباط الكلمات على أساس ان "الاعراب" أو البدو لم يتأثر صفوهم بالحياة الجديده شرطا أساسيا في جمع و تدوين العربيه.

أدى هذا الى إستيراد عرف القبيله و شفرتها و إستجلابها الى عالم المدنيه العربيه الجديده. اللغه هي اساس الثقافه البشريه. فكانت اللغة العربيه الجديده تحمل كل الموروث الجاهلي مما أدى الى تكريس بعض الملافظ القبليه التي ادت الى تقييد التفكير العربي و تحديد إنطلاقته، كل مره يحاول فيها الثورة على الجمود.


من أمثلة هذا مقولة " لايصلح اخر هذه الامه الا بما صلح به اولها". وهي احد الاوتاد التي تكرس التخلف في الاسلام من خلال التفكير السلفي الرجعي. منها ايضاً تعريف معنى العقل والذي تعرفه المراجع العربيه القديمه انه من فعل عقل الناقه اي انه ربط أرجلها بالحبل فلا تتحرك، ومثله العقل يربط بالموروث السلفي فلا يتقدم و لا يتحرك. كما عرفه الامام الغزالي بأنه العقل الذي يتعرف على صدق النبي (صلعم) ثم يعزل نفسه عن التفكير بشيء اخر.

إن الذي حدث إننا اصبحنا امة كبيره ولكن بعقلية العشيره من خلال ما استوردناه من آليات التفكير الجاهلي البدوي ولا أستبعد ان دخول الثقافه اللفظيه من العنعنه و القلقله و اشياء مثل القياس على الماضي و ثقافة التجويز و التحريم وتقديم النقل من السلف الاول على المبتكر حديثا، وسلطة النص المهيمنه ..هو نتيجة ذلك الفكر الذي استورده و خلده الاسلام فينا فأصبحنا أمة متخلفة معظم الوقت ( ماعدا فترة قرنين من انتشار فكر المعتزله و فترة أخرى قصيره في الاندلس ايام ابن حزم و ابن رشد).

قام الاشاعره بعد ذلك بتكريس هذا الفكر و الذي و صل الى الامام الغزالي ثم الى فكر ابن تيميه الى مانراه اليوم من ردة سلفيه.

أن الخطأ الاكبر هنا في الاسلوب، فالسلفيه تظن أنها حركة إصلاحيه من خلال النص الذي ذكرته" لايصلح اخر الامه الا بما صلح به الاوّلون" فهي تريد التقدم و لكن بدون أن تتخلى عن اي من موروث الاعرابي. وهذه إستحاله أتعرفون لماذا؟

لأن التقدم يكون بالذهاب للأمام و ليس بالتقهقر الى الخلف. و الرقي يكون بالصعود الى أعلى و ليس بالنزول الى القعر.

لذا ليس بمستغرب أن نرى الاسلام اليوم يحتوى على كثير من قواعد تلك المجموعات الى يومنا هذا. وكثير من مظاهر العصريه و الحداثه اصبحت اليوم شكليات و توافقات مثل الحجاب الحديث و الاعجازات العلميه المختلقه.

إن كراهية المتعصبين المسلمين اليوم لليبراليه والديموقراطيه والمدنيه سببه عدم إحترام الاخيره لقواعد القبيله و مايسمونه " خصوصيات" المجموعه. الليبراليه لاتحترم المناطقيه التي تريد العصبيه ان تحميها من الاجانب او السلوك المغاير. مثلا عندما يطالب الليبرالي بإطلاق الحريات الفرديه بدون ان يلقي بالا للمجموعه، يلقي المحافظون أنفسهم بعكس الاتجاه بغرض حماية هذه المجموعه. وهذا يحدث في كل الاديان سواء في الاسلام ام اليهوديه ام المسيحيه .


قد يفسر هذا العداء المشترك بين الليبراليه و التعصب الاسلامي، فكلما ظهرت أصوات الليبراليين و العلمانيين في بلاد الرمال كلما تعالت بالمقابل الاصوات التي تطالب بعدم التمتع بأي حريات فرديه قد تكون على حساب الجماعه ولكن أنا لدي راي أخر..فالتعصب الاسلامي لم ينشأ لأنه ضد الليبراليه أو الديوقراطيه أو حرية المرأه، بل بسبب اخر.

أنه أكثر دقة ان نقول ان حركة التعصب الديني الاسلامي بجميع أنواعها (سلفيه أخوانجيه أو حتى شيعيه) ماهي إلا مجرد ردة فعل للحداثه. إنها ردة فعل قويه لمقاومة التغيير و البقاء في تلك المجموعه الصغيره.

تخيلوا إخواتي و إخواني.. هل من الممكن أن يكون هناك وجود للتعصب الاسلامي لو لم تبدأ الحداثه بتغيير مجتمعاتنا؟

من الصعب تخيل ذلك و خاصة عندما نفكر بأن كل ما يحاربونه سواء ليبراليه أو علمانيه او حريه ما هي إلا منتجات و نتائج للحداثه التي ستؤدي الى تطوير مجتمعاتنا و أخراجها من طور المجموعه البدائيه العشائريه المعاديه للغرباء. ان مايحاربونه فعلا ليس هذه القيم..بل الحداثه والتطور و العصرنه نفسها.

هذا يعني ان التعصب الديني ماهو إلا..الوجه المعاكس في المرآة للمدنيه و الحداثه والعصرنه...إنهما دكتور جايكل و مستر هايد و لكنهما متشابهان كصورة منعكسة في المرآه. واحد يدعول للأصلاح بالتقدم الى الامام، والاخر الى ذات الشيء بالرجوع الى الماضي و الاسلاف.

إذا لو قبلنا بأن التعصب الديني الاسلامي هو الصوره المعاكسه في المرآه للحداثة و المدنيه. فتصبح عندها المواقف متضاده فبينما تدعو المدنيه الى التسامح و الرحمه و الديموقراطيه و المُساواه.. يدعو التعصب الديني الى صورة سوداء، من التفرقه و العنصريه ضد المرأه و عدم التسامح مع الغير مؤمن به الخارج عن عرف القبيله و يصبح التعصب و التشدد الاسلامي ردة فعل معاديه للقيم العصريه كالديموقراطيه و العلمانيه وإحترام حرية الفرد.

يعيش المعتدلون المسلمون اليوم جحيماً من التظاهر و التمثيل و الكذب..لتقديم الاسلام على أنه الدين العلمي، والتظاهر بأنه أول من حرر المرآه و بأنه أعطاها حقوقا..وانه دين الديموقراطيه وهو دين العداله والمساواه ولكن مشكلتهم الاكبر هي في المتعصبين من السلفيين و الاخوانجيين و الجماعات الجهاديه.

عندما يؤمن المتعصبون في الاسلام بأن الحقيقه المطلقه هي من عند رب الرمال فلا أمل للإسلام باي إصلاح ولا امل للتوفيق بين الشيء و ضده. هم إنما يختبئون خلف الحقيقه المطلقه المتمثله في اوامر و نواهي شبح السماء خشية ضياع خصوصية القبيله و فقدان تلك الشفره البيولوجيه.

هؤلاء السلفيون لاشعوريا يدفعون بالعوده بالامه الى ثقافة العشيره والمجموعه الضيقه التي تنبذ الغرباء. أحيانا بمراجعة الثقافه العربيه ككل ، تجد ان أثار السلفيه الظاهره من خلال التفكير المتشابه حتى في الحركات العربيه القوميه أو الاخوانجيه ففيها نزوح نحو المجموعه الصغيره و الخصوصيه فكلها تخلق حلما خيالا عما كان عليه العرب و المسلمون..متناسية ان ذلك كان لمدة قصيره فقط حين تم تعطيل التفكير النقلي السلفي - متجاهلة قرونا من التخلف و الفقر و الظلم بعد ذلك. (الماركسيون العرب كانوا يفعلون ذلك حين يقومون بتفسير احداث التاريخ العربي والاسلامي من منطلقات الطبقيه ويقعون في ذات المشكله بالعوده للسلفيه).




في النهايه ، أردت أن ابين لكم بأن ليس هناك فرق بين المجموعات الدينيه المتطرفه و المتعصبه في مختلف الاديان فكلها تتفق على نفس الاجنده، وهي التصدى للحداثه و إيقاف عجلة التقدم إعتقادا منهم أن الاصلاح يكون بتقليد الماضي وليس بالنظر الى المستقبل..المشكله أن تأثير هذه المجموعات في البلاد الاخرى على مسار التقدم و العصرنه و الحداثه ضئيل مقارنة بما تفعله السلفيه بنا كأحد هذه الحركات في تأخير بلاد الرمال ..و إبقائها في حالة من الجمود.


بن كريشان

ليست هناك تعليقات: