الاثنين

المهمه الربانيه لحظر المشروبات الروحيه.

مقاله بمناسبة حظر المشروبات الروحيه في شهر رمضان



من الأخبار السعيده في هذا الرمضان الشديد الحراره في إمارات الرمال العربيه المتحده هذه السنه أن أبوظبي حذت حذو دبي و سمحت بفتح البارات بعد الساعه السابعه مساء، وهكذا لم يتبق إلا إمارة الشارقه الوهابيه وحدها التي تحظر المشروبات ولكن الدور جاي عليها إنشالله بدعواتنا في ليلة القدر ..يزخر تاريخ بلاد الرمال بكثير من التجارب السياسيه الفاشله، فمعظم هذه كانت تقوم على المنع والحجب والاخضاع للشعوب. ولم تحض سياسة منع وحظر من إهتمام الحكومات العربيه بقدر ما حضت به سياسة حظر تناول المشروبات الكحوليه.

كل الدول العربيه تمارس حظراً من نوع ما على تناول المشروبات الكحوليه. وتختلف في هذا بين دول تحضره تماماً مثل دولة الكويت و السعوديه وليبيا ودول تمارس هذا الحضر خلال شهر رمضان والايام المقدسه مثل الامارات و مصر و تونس وقطر و البحرين و عمان والأردن، وهناك ودول تمارسه في مناطق بذاتها من دون غيرها مثل السودان ولبنان ففي بيروت لاتجد هذه المشروبات متوفرة في الاماكن التي تخضع لحزب الله كالضاحية الغربيه. مصر تمنع المشروبات على متن طائراتها مع انه متوفر بالداخل. في جمهوري إسلامي إيران و في المناطق الكرديه المحاذيه للعراق و تركيا توجد بارات مفتوحه و ياويل أي مُلا يقرب منهم.



ماهي الاسباب التي تجعل دولاً تضع سياسات و تسن قوانين ضد المشروبات الكحوليه؟ أؤكد لكم انه ليس الاهتمام بصحة المواطن، فلو كان الامر كذلك لرأيتم تحسناً في مستوى الخدمات الصحيه العاثره و المتخلفه في كل هذه الدول. ان الاسباب الحقيقه وراء هذا المنع يا إخواني و اخواتي هو اجنده دينيه و ايدولوجيه إسلاميه ، انها هي التي خلف هذه القوانين.

هذه الدول التي حظرت المشروبات الكحوليه بدأ الامر لديها بقيام المتدينين فيها بالتحريض على المنع و من ثم، تقوم الحكومه بالنزول عند رغباتهم- وتكون المُحصله تطبيق قانون ثيولوجي ديني، ولأسباب دينيه بحته ومن خلال حكومه تظن نفسها مدنيه.




وضع صديقنا المستزندقاني تعليقاً مره وصف بها الانسان المؤمن بأنه لايستطيع التفكير لأنه يظن بأن هناك شبحاً وهمياً في السماء يراقبه. تخيل لو كان هناك شخص مهووس يكلم نفسه ، و يسمع اصوات تكلمه ، وان هذا الشخص هوالذي يقرر مصيرك ستخاف على نفسك بالطبع. تخيل ان هؤلاء المهوسيين يتحكمون عندها القدره على قتلك و إعدامك؟ المصيبه ان هناك كثير من هؤلاء المهووسين بيننا، أتستطيع ان تستمع الى شخص مثل الشيخ محمد العوضي بدون ان تشك لحظة ان بعقله تكه؟ فمابالك بعمرو خالد او القرضاوي او احد مدعوذين السعوديه مثل مفتى الفيران الشهير؟ هؤلاء الذين خلف حظر المشروبات الكحوليه لايختلفون ابداً عنهم.

من المهم ان يأخذ الانسان عبرة مما حدث في الدول الاخرى. الولايات المتحده لها تاريخ طويل بسن قوانين غير دستوريه إذعاناً لطلبات المتدينين. لا ننس مؤخراً القانون الذي حاول به جورج بوش المتدين ان يسد الطريق على تمويل ابحاث الخلايا الجذعيه. الولايات المتحده من أوائل الدول التي صدرت بها قوانين تمنع تناول المشروبات الكحوليه. ومازالت بها بعض البؤر التي ينتشر بها المتدينون في الجنوب حيث يمارسون ضغوطاً تمنع فتح البارات و بيع المشروبات. حين نفكر بذلك يجب ان نعرف بان فكر المسيحيه اليمينيه البروتستنتايه يستمد جذوره من البروتستنتايه التطهيريه " البيورتان" في العصر الكالفيني في سويسرا ‘ حين كان لها شرطه دينيه تفتش البيوت و النزل و تراقب تصرفات الناس.




كنت اقرأ في الانترنيت عن كتاب إسمه النبيذ و الفلسفه لكاتب امريكي إسمه فريتز الهوف عن حيث يلخص فيه بعضا من تاريخ منع المشروبات الكحوليه في امريكا عندما شد إنتباهي قصة سيده امريكيه متدينه ( كاري نيشن) كانت متحمسة جداً لهذا الحظر. عندما ستقرءون وصفها و تفكيرها ، ستجدون انفسكم تقارنون عقليتها بمن عندنا من المتدينين الذين خلف قوانين الحظر و المنع لإسباب خرافيه. وعذراً شديداً لأن هذه المرأه تتناقض تماماً في الشكل واللطافه مع نتاشا روستوفا التي وردت في مقالي السابق، فالإيمان الديني لايسكن إلا اقبح النفوس.

الحظر الاول بدأ في ولاية أو هايو بتاسيس منظمة مناهضه للبارات ( كانت تسمي في امريكا آنذاك الصالونات) إسمها (أنتي سالون لييغ) اعقبها بعد سنتين تأسيس اللجنه الامريكيه لمكافحة البارات و الصالونات والتي منها كثير من الشخصيات التي تنتمي لليمين المسيحي المتطرف والذين عرفوا بجانب عدائهم لإستهلاك الكحول، بكرههم للمهاجرين الجدد والكاثوليك و المواطنين الامريكيين ذوي البشره الملونه.




يقول الكاتب : كاري نيشن ، وهي إمرأة متدينة حقوده اصبحت في تلك الحقبه الرمز الاشهر في حملة منع المشروبات و إغلاق الصالونات. واشتهرت هذه المرأه بمهاجمة البارات والصالونات بساطور في يديها تهشم به الاثاث و تحطم به زجاجات الخمور يقودوها إعتقاد راسخ مجنون.. كانت حسب كلماتها تهاجم " مالايحبه يسوع".

دلت السجلات على ان والدة هذه المرأه معروفه ولوقت طويل بإصابتها بمرض التوهم السيوكلوجي وكانت تظن انها الملكه فيكتوريا. مذكرات السيده كاري نيشن تدل على معاناتها من مرضية التوهم النفسي ، فهي تقول فيها انه على يقين من انها مُرسله لتنفذ اوامر يسوع بتهديد اصحاب الصالونات بالساطور وقتلهم إن دعى الامر.

قامت هذه المرأه و اتباعها بتحطيم كثير من البارات والزجاجات و البراميل بالسواطير و عندما تم إعتقالها لفترة وجيزه في مدينة ويتشيتا بولاية كينساس ظهرت لها صورة في الصحف وهي راكعة تصلي في زنزانتها.

يصف الكاتب تلك الصوره بقوله: بدت الصوره و كأنها من عمل ستوديو محترف، من الواضح انها عملت مع المصور ساعات لتخرج بتلك الصوره التي يضيء وجهها من اعلى و كانها تستقبل نوراً إلهياً من السماء و وفيها تتصنع الرصانه والاخلاق الساميه و هي بإنتظار من يدفع كفالتها لتخرُج من السجن. . صورة تستحق الاوسكار بجداره.




المسلمون اليوم لايسيرون في الشوارع حاملين السواطير ،ولكنهم يعملون من الخلف لأدخال قانون بعد قانون من الحظر و المنع انهم مثلها " ينفذون ما لا يحب رب الرمال" بدون ان يلاحظ احد. فخلفية ذلك ومن وراء كل هذا الحجب و المنع ليست الاخلاق ولا حماية المجتمع ..انه فقط منع مالايحبذه رب الرمال.

ليس مصادفة أن رب الرمال يعارض بالضبط ما يعارضه هؤلاء، وبالتالي يعطيهم ذلك الحق بالتدخل في حريات الاخرين بسن القوانين التي تمنع و تحرم و تجرم مالايحبه هذا الرب.




بكل صراحه أنا لا الفرق بين من يعتقد إنسان انه يلبي مايريده منه رب الرمال..وبين من يعتقد انه الملكه فيكتوريا.

يقول الكاتب ان كاري نيشن وظّفت مدير اعمال لها و انطلقت تدور بين الولايات لتلقي خطباً في اهمية منع الخمور و تنفيذ ما يحبه يسوع وفي سنة ۱۹۰۵ نشرت مذكراتها والتي خرجت بعنوان: أهداف حياة كاري نيشن و الحاجة إليها.

أحتوت مذكراتها حسب ما يقوله الكاتب فريتز الهوف على آرائها بخصوص الكحول و العائله و الاخلاقيات و بعض السودوساينس ( الاعجاز العلمي في المسيحيه) والمؤامرات الكبرى والعلاقات بين الاجناس البشريه ( عنصريه) و تحدثت فيه عن خطر الماسونيه على امريكا.




قالت هذه السيده في مذكراتها بأنها تعتقد بأن هناك سلسله من العصابات الماسونيه الاوروبيه السريه مختبئة في امريكا وتمارس في الخفاء تشجيع إستهلاك الخمور ، و اشارت الى انهم السبب في موت زوجها بسب شربه الخمر! ( في تلك الايام كان اليمين المسيحي الامريكي ينشر فكرة ان الاوروبيون شعب فاسد اخلاقيا و كافر مخالف لأوامر الرب).

لم تحدد كاري نيشن اعداءها بالنبيذ و البيره و الويسكي فقط بل اعتبرت الطعام المستورد من اوروبا محرما. كانت تعتقد ان الاوروبيون يدسون بأوامر من الشيطان في هذه الاطعمه مكونات خاصه تجعل الامريكيون يدمنون على الكحول او تؤدي الى فساد أخلاقهم.
هل تستشعرون اوجه التشابه بين تفكير هذه السيده البلهاء وتفكير المسلمين اليوم. اليس هو ذاته التخوف من الغرب الذي لدينا اليوم..اليست تلك نفسها رواياتنا عن البيبسي و مايحتويه من مادة بيبسين! وهي من مشتقات الخنزير( بيبسي هو إسم بنت وليس ماده مثله مثل ميرندا) و الخطر الصهيوني الذي يتهددنا من شرب قهوة ستاربكس؟. كراهية الاوروبيون يقابلها عندنا كراهية الغرب و المسيحيين والصليبيين و توهمات خربوطيه عن الماسونيه والشيعيه و البهائيه و العلمانيه و عبادة الشيطان و غيرها.

الايشترك مسلمون اليوم مع كاري نيشن كمثال لذلك التفكير الديني اليميني المتطرف في بداية القرن العشرين؟ توهمات النظريات الكبرى تلفيقات الاعجازات الدينيه فالمؤمرات الكبرى مهمه جداً لكل نظام تسلطي و عنصري ..وهي أساس بقائه.




صحيح ان السيده كاري نيشن اصبحت في عُرف أمريكا اليوم إمرأة مريضة غريبة الاطوار تجري وراء الاوهام..ولكن عندنا هنا و في بلاد الرمال وداخل نسيج مجتمعاتنا الاسلاميه نساء و رجال مثلها بالملايين.


بن كريشان

ليست هناك تعليقات: