الاثنين

عبيد النصوص




من أكثر الشعوب فرحاً بإنتخاب الرئيس أوباما هو الشعب الكيني، فقد اعلن اليوم التالي لفوزه بالرئاسة الامريكيه اجازة رسميه رقص فيها الكينيون وشربوا حتى الصباح. كينيا كغيرها من الدول الافريقيه تعاني من هجمة التدين الشرسه حتى تحول البلد الى بازار للمسيحيه وذلك بداية من عهد الرئيس الدكتاتور دانيال أراب موي والذي كان يفصل محرري الصحف على اساس انهم ليسوا بمسيحيين حقيقيين.

كون الرئيس اوباما من اب كيني مهاجر الى الولايات المتحده أعطى الكثير من الامل للشعب الكيني بالمستقبل. وهناك إهتمام خاص من الرئيس اوباما بكينيا. انتخاب اوباما دعى الكثير من الكينيين الى القراءة والبحث في الدساتير الغربيه والضغط للحصول على دستور جديد يلغي الطائفيه والقبليه والدين كأساس يتم عليه الحكم.اوباما أعتبر الدستور المقترح الجديد بأنه افضل هديه سيقدمها الكينيون لأنفسهم ولكن الكنيسه طالبت اتباعها بالتصويت ضده، لماذا ياترى؟

تقول الكنيسه بأن الدستور يعطي الحق للمرأه بالحصول على إجهاض في حالة تعرض حياتها للخطر. لم يتقبل الشارع الكيني هذا رغم العدد الهائل من اتباع الكنيسه. وخرجت الصحف بعنوان عريضه تقول" على الكنيسه ان لاتتعلل بالانجيل لتعطل دستورنا". وتهكمت الجرائد على موقف الكنيسه التي لم تر في مواد الدستور الجديد اي شيء مهم، فلا حقن الخلاف الطائفي مهم ولا العداله بين الطوائف والقبائل في توزيع الفرص ولاشيء من هذا، فالكنيسة لاترى الا الاجهاض، وفي هذا ايضاً لاتضع اية قيمة على حياة المرأه وتفضل موتها في سبيل نص كنسي بائد. صمتت الكنيسه مقابل هذا تماماً وخاصة بعد ان دلت استطلاعات الرأي أن الاغلبيه الساحقه من الشعب مع هذا الدستور العلماني الجديد.

مالذي نتعلمه نحن العرب في بلاد الرمال من هذا؟

هناك وقت في اوروبا المسيحيه في الماضي، حيث كان من الضروري أن تبرر الحكومة مواقفها من منطلق ديني. هذا يعني ان جميع السياسات الحكوميه يجب ان يكون لها شرعيه لاهوتيه. ولأثبات هذه الشرعيه، يتم الاشارة الى نصوص من الكتاب المقدس(الأنجيل) تدعم تطبيق القرار أو إتخاذ الموقف الحكومي. وعندما لايكون ذلك ممكناً في عدم وجود نص، تلجأ الحكومة الى الاثر المسيحي السابق لتستقي مثالاً قام به " أباء الكنيسه" بتصرف مشابه او مماثل تقريباً.

اليوم اختفى ذلك تماماً من كثير من الحكومات الاوروبيه بسبب العلمنه ولكن عندما تفكر تجد ان هذا مايفعله المسلمون لليوم. فالحكومة تبرر أفعالها بالنصوص والسيرة، والمعتدلون الذين يحبون السلام يبررون مواقفهم بالنصوص الدينيه والسيره النبويه وكذلك بن لادن وصحبه المتشددون الذين يقتلون الأبرياء، يبررون افعالهم بنفس الطريقه.

في دين مثل الاسلام يتنازعه قطبان، احدهما المتطرف المتشدد، والاخر الذي يحاول أن يقول أن الاسلام دين سلام ورحمه نجد ان الحاجة باتت شديده لكل منهم أن يستخرج النص الذي يعاكس به الاخر وينتصر على منطقه.

فأن فشل فالتكفير واعلان الاخر خارج عن الدين. يهتم كثير من غير المسلمين بهذا الجدال، والسبب أن كثير من ضحايا الاسلام هم ايضاً من غير المسلمين. صحيح أن الارهابيين المسلمين لايقصرون كذلك في ذبح المسلمين من امثالهم ولكنهم كثيراً مايوجهون عنفهم تجاه اقوام ليس لها ناقة ولاجمل في هذا النقاش. فالمسلم عندما يخرج أيدولوجية كراهية ما يلوم عليها الغير، فهو الغرب النصراني الصليبي، ثم يهاجم اخوته المسيحيين العرب ويلومهم على الفشل والهزيمه ثم يكتشف ان هناك ملحدين وسافرات واطفال فيعمد الى الفتك بهم فلربما يرضى عنه ربه الوهمي. إذاً فمن المهم جداً ان نكون كلنا في هذا النقاش ونتدخل فيه وفي تفكيرهم المريض لأنه يُصيب المجتمع كله بالضرر.

في هذا الخلاف بين المتشددين الاسلاميين والمعتدلون نجد أن الغلبة دائماً في حرب النصوص تكون للحزب المتشدد والفرقة المارقه كما تسميها مملكة الرمال الكبرى. لايبدو ان الشعوب مهتمة جداً بالمعتدلين، فالتعاطف قويٌ جداً مع صاحب النص المقدس والذي يستخدمه ليغدر بالابرياء ثم يدعى ذلك إنتصاراً. فموت خمسين ضحية في سوق او شارع ببغداد هو مقاومة لخطط أمريكا الشريره في المنطقه، وخاصة ان الاعلان عن العمليه يتخلله الكثير من القرءان والنصوص المقدسه.

تلاحظ مما سبق ان المواطن العادي في بلاد الرمال يستمع الى كلام المتشددين و الى كلام المعتدلين وقد يستغرب العاقل أنه يفضل حجة الاسلام المتشدد فلماذا؟ السبب برأيي هو إنعدام اهمية القيم العليا في حياة الانسان العربي بسبب تدينه. فهو لايرى العداله كقيمة إنسانيه، ولايرى المساواة ولايرى في الرحمة واحترام الحريات اية قيمه. انه يقيم النصوص فقط، فالافضل بالنسبة له هو من يستنبط له تبريرات من الشريعه ومن النصوص ولايهم ماهو الموقف أو ماتترتب عليه، فهذا مذكور في القرءان، وذلك من الثوابت والمعلوم من الدين بالضروره وهذا ما ورد في الاثر وفعله الرسول والصحابة الاقدمون.

عندما تفتح فاهك مستغرباً من شيخ يتحدث بكل ثقة عن فائدة ابوال الأبل في التلفزيون في عصر الطب الحديث تذكر..انه أحد عبيد النصوص القديمه. انه الشيء ذاته الذي يجعل إمرأة متعلمه تتحجب في عصر التنوير لأن النص غلب عقلها وصرع منطقها..ياسلام عليك أيها النص، مهما كنت غبياً فقدسيتك تجعل المسلم يصبح مهرجاً او مجرماً.

لقد سألت نفسي مالذي جعل امة منغمسة في طقوس التدين مثل كينيا، أن ترفض النص المقدس لتصوت على دستور يرون فيه القيم الانسانيه. لقد تمكن هذا الشعب من رؤية الحقيقه ولم يعميه النص الانجيلي القديم. لقد رأي مصلحته بينما لا نرى نحن هنا شيئاً من هذا.

عندما حدثتكم عن اوروبا المسيحيه ومالذي جرى لها نجد ان امماً مسيحيه قد قبلت فكرة أن الحكومه والسياسه والإدارة من الممكن أن تجري بدون تبرير نصيّ من الدين. لقد اقتنع مسيحيوا اوروبا بأن الشرعنه اللاهوتيه غير مهمه لقرارات حكومتهم وحياتهم وتعليمهم وإقتصادهم. لقد وجدوا في حرياتهم الشخصيه بما فيها الدينيه قيماً أكبر وأسمى من نص بالي في كتاب قديم.

وهذا مايبدو أنه الذي حدث في لحظة للشعب الكيني..انه لحظة إستيقاظ من تخدير الدين ونصوصه الغبيه. وهذا ما أرى أن يفعله المعتدلون المسلمون، ان يتركوا حرب النصوص الخاسره ضد المتشددين ويضعوا ثقتهم في العلمانيه ففيها مستقبل افضل لهم ولأولادهم..وبأمكانهم أن يختاروها بدون الحاجة الى أن يبرروها بنص من القرءان ( غمزه).

بن كريشان

ليست هناك تعليقات: