الاثنين

علم الابراج و الحظ

علم الابراج..أهو علم فعلاً؟


لاتقتصر إعتقادات البشر اللاعقلانيه على الاديان، بل هناك جملة من الاعتقادات الشاذه التي تنتشر بين الناس، ومنها مايسمى بعلم الابراج.

أهو علم فعلاً؟

هل صحيح ان شخصيتنا تتأثر بموقع النجوم والاجرام؟

هل مايحدث في المستقبل مُرتبط بموقع و تقاطع هذه الاجرام السماويه؟

هذا موضوع طالما اردت ان احدثكم عنه، رغم ان تركيز هذه المدونه هو الاسلام و الاديان عموماً، إلا انني ارى من اجل الفكر و التنوير أن نشرح للناس بعض الاعتقادات الخاطئه و المنتشره و نبيّن لهم تناقضاتها، ان هذا من صُلب التفكير الحر و من المهم ان يكون الانسان الملحد العربي بعيداً عن هذه الخرافة كما هو بعيد عن الدين.

ماهي الابراج هذه؟

لقد افتتن الانسان بالسماء منذ ان ظهر على سطح هذا الكوكب، حضارات كثيره ترتبط السماء و النجوم و الكواكب بثقافتها. فالكواكب و النجوم تزين اعلام دول و ترسم طقوس العباده و الصلاه، كالاسلام الذي يتبع القمر في طقوس الصيام و المناسبات المقدسه و يتبع حركة الشمس في الصلاه.

نعم نظر الانسان الى السماء بالليل فذهل و ظن ان مكان الله هو هناك، ثم ظن انه ربما جاء من هناك ومن هنا بدأ إرتباطه بماظن انه قدره و مصيره، بتلك الاجرام والكواكب. يجدر ان نذكر ان الاسلام اعترف بالابراج رغم ان المدعوذين يعتمدون على حديث صلعم كذب المنجمون و لو صدقوا..فالقرءان ذكر الابراج مرتين و هناك سورة بإسم البروج يقسم فيها رب الرمال بالسماء "ذات البروج". اي المقسمة ابراجاً و علامات هي نفسها التي نعرف اليوم من برج الجدي و السرطان و الحوت ..الخ.



الاسلام و غيره من الاديان يحاول ان ينآي بنفسه عن التنجيم و ذلك لسبب مهم. فالاديان تعتبر التنبأ بالمستقبل من صميم عملها، لذا فكلمة نبي هي للانسان الذي يثبت قدرته على التنبؤ بالمستقبل، وكان هذا هو التحدى الذي طلبت قريش من صلعم ان يفعله وقد فشل. سورة الروم رهان صغير يبالغ فيه المدعوذون لأثبات صدق الرسالة و القرءان بسبب نبؤة مستقبليه. ليس هناك فرق بين النبي و العراف و المنجم فكلهم يتنافسون في صناعة الدجل من اجل المال و الجاه و السلطه.

يُقدّم عِلم الابراج نفسهُ على انه "دراسة" انماط و حركة الكواكب وعلاقتها ببعضها البعض و من ثم ربطها بتواريخ ميلادنا و إستنباط معانٍ معينه منها. في الواقع علم الابراج هذا يُصنف من ضِمن علوم" الميتافيزيقيا." فهو مثل الفنغ شوي، والوخز بالابر الصينيه، والبرمجه العصبيه، واليوغا، والعلاج بالطاقه او البيوانرجي او الهوليستيك تريتمينت و الطب النبوي و الرقيه..انه بإختصار مثله مثل كل هذه العلوم..علم كاذب مُزيف غير معترف به كحقل من حقول العلم صحيح.
يَستخدمُ العربُ في تعبيراتهم عبارة "العالم الفلكي" او " العالمه الفلكيه" ام محمد او ام جورج، وهذا خطأ و خلط بالمعاني فلو احضرت عالما فلكياً متخصصاً بالاسترونومي اي علم الفضاء، لن تجد اي وجه تشابه بينه و بين هؤلاء " الفلكيون" الذين يسمون استرلوجيست. علم الاسترونومي قضى على علم الاسترولوجي القديم و محاه..في الواقع تنتشر قراءة الابراج في بلاد الرمال و بدرجات متفاوته من بلد لأخر. الغريب انني اجدها اقوى في المناطق المسيحيه من لبنان و سوريا من غيرها.

ان الاصح هو تسمية هؤلاء بمنجمين و عرّافين و ليس بفلكيين، فهم لايفهمون في علوم الفضاء و لو كان عندنا هذا الكم من الفلكيين ، لكنا اول ناس نطلق صواريخ و نرسل رحلات الى الكواكب الاخرى.



ظهر هذا العلم - إن صح تسميته كذلك- عندما بدأ الانسان في احتساب الوقت، ولأن الوقت كان يعتمد على حركة الكواكب او الشمس فقد ظن الانسان ان هناك ساعة كونيه في السماء و بالتالي فنحن البشر لابد ان نكون جزء منها ، و لابد اننا نتأثر بها..طبعاً نسي هذا الانسان ان فكرة الوقت برمتها هي من ابتكاره وصنعه هو.

والان دعونا نجيب على تساؤل عنوان المقال، اهذه الابراج علم ام تخريف؟

إن العلم في جوهره هو عملية التجربة و الخطأ للتحقق من وجود ظاهرة او قانون طبيعي . ويبدأ العلم كخطوة اولي بمراقبة ظاهرة معينه او إدعاء معين. بعد ان يجمع العلم حصيلة هذه المراقبه من المعلومات و الاحصائيات يقوم بوضع فرضيات لتفسير الظاهره و شرح ترابطها. هذا الافتراض يسمى بنظريه. تكون هذه النظريه قابله للاختبار بالطبع. و خلال هذا قد تصمد النظريه او قد تفشل او ربما ينتج عنها عملية تنظير تفرز نظريات اخرى اقوى و اكثر تماسكاً حتى نصل الى نظرية مثبته..تسمى تلك عندئذٍ نظرية علميه.


لتكون هذه الابراج علمية يجب ان تتصف بما يتصف به العلم من شروط و هي هذه:

التناسق و التجانس مع العلوم الاخرى .

العلوم لاتناقض بعضها فالمعادلات الرياضيه تثبت الفيزياء و العكس صحيح، و الفيزياء و الكيمياء يلتقيان بتجانس و اتساق و لايعارضان بعضهما.
أهذا موجود في "علم الابراج" ؟ لا ابداً ..فالابراج تخالف مانعرفه في علم الفيزياء و الرياضيات و الكيمياء و البيولوجيا، بل هي تخالف علم الفلك الحديث حتى حين يتعلق الامر بالاجرام والكواكب وهو شغلها الشاغل.




العلم يخلو من الدعوة او الاشاره الى "القوى الخفيه و السحريه".


النظريه العلميه لاتقول ان المطر يسقط لأن الله يرسله، لاتقول ان الموت يحدث لأن ملاكاً يخطف الروح ، و لاتقول بأن المرض سببه " جني او عين ماصلتش عالنبي". العلم يشرح الاسباب الطبيعيه المؤديه لذلك.

أما الابراج فتتحدث عن وجود قوه كونيه تؤثر بنا، بدون ان تشرح لنا ماهية هذه القوه و كيفية عملها؟ انه مثل ان اقول لكم ان الجن بهم طاقه كهربائيه، ثم اقيم ابحاثاً لأثبات وجود هذه الكهرباء في الجن بدون ان اثبت ان كان الجن موجودٌ بالفعل. هذا خطأ وهو مماثل لما يفعله الاعجازيون من امثال سي زغاليليو افندي. يجب ان يقوم المُنجمون اولاً و قبل كل شيء بإبراز المعلومات و الحقائق التي تثبت وجود هذه القوه الكونيه و الكيفيه التي تؤثر فيها على يوم ميلادنا.




الابراج يجب ان تؤسس على الاثبات و الدليل لتكون علماً.

يقال ان الادعاء الكبير، يتطلب إثباتاً و دليلاً كبيراً مثله ، ليس مثل البعرة تدل على البعير و سلامو عليكو اقم الصلاة..لا فعندما تدّعي الابراج ان هذه الاجرام و الكواكب البعيده تؤثر على الانسان وهو على سطح الارض..إذا فيجب ان نعيد النظر فيما يقوله علم الفيزياء و الكيمياء و البيولوجيا كما نعرفهم اليوم. و لتفعل ذلك و نتخلص من كل هذه العلوم والتي من خلفها نظريات و دراسات كبيره لابد لهؤلاء المنجمين من ابراز أدلة اكبر و اقوى مما هو في هذه العلوم.. و لكن من اين ياحسره؟







الابراج لتكون علماً يجب ان تكون قابلة للاثبات.

الفشل الدائم في التوقعات في التنجيم عند اصحاب الابراج لايُؤخذ في الاعتبار، الا انهم ينكبون و يركزون على " صدفه" في حالة معزوله لأثبات صدقهم. في العلم هذا لايحدث فلو قام عالم واحد بإخفاء حقيقة علميه ، فسيظهر غيره ليتحداه ويظهرها على العيان و ينشرها . هؤلاء المنجمون يقومون جميعاً بإخفاء حالات الفشل و السكوت عنها، لأن كشف ذلك على الملأ سيقضي عى الصنعه و الكسب.

العلم يجب ان يستند الى ضوابط غير متغيره في التجربه العلميه ليتكرر الحدث، فهل يحدث هذا في علم الابراج؟

ليثبت العلماء فرضية معينه فالنقل انها تقول : إن النبيذ مفيد للانسان، فعند التجربه لأثبات تلك الفرضيه سيقدمون للشخص اشربة مختلفه ، كل منها يحتوى على احد العناصر المُكونه للنبيذ، وهكذا حتى يكتشفون العنصر المُسبب لهذه الفائده.. او ربما يكتشفون بأنه ليس هناك اي عنصر من هذه العناصر يعطى تلك الفائده المزعومه و بالتالي فالفرضية تصبح خاطئه.

من يقوم بذلك في علم الابراج ؟ هذه ليست مطبقه في توقعات المنجمين بل ان علم الابراج يفتقر الى خلق اية بيئه علميه بها ضوابط تؤدي الى تكرار الحدث و اثباته. ان دراسة العلماء لعلم التنجيم اثبتت بأن تطبيق ذلك الانضباط لايؤدي الى تكرار حدوث التوقع.. مما يدل على ان الابراج ليست بعلم.





العلم الحقيقي يتطور و يُصحَح و يُعدّل مع مرور الزمن.

نعم فلو نظرت من حولك لوجدت الهندسه و الطب و التكنولوجيا جميعها تتطور مع الوقت. لو بقي علم هندسة البناء جامداً منذ ان اكتشفنا البناء المُربع الشكل، لكانت كل مبانينا بشكل بدائي كالكعبه ..اما علم الابراج فهو كما هو مكانك سر منذ الف سنه و منذ ان نقل قواعده بطليموس تينرابيبلوس عن الكلدانيين..انه كما هو لم يتغير ليومنا هذا؟. اي علم هذا الذي لايتطور منذ الف سنه، لابد انه علم قديم زائل منتهي الصلاحيه.

العلم الحقيقي تجريبي اي خاضع للتجربه.

مثل الاديان، يقوم هذا علم الابراج بالبحث عن مناطق لم يشرحها العلم ليدّعى اثباتاً لصدقه. يقول لك المتدين ان العلم لايعرف اصل الكون ، فبالتالي يجب ان يكون الله قد خلقه، وعندما يكتشف العلم حقيقة او اصل الكون ، ينزوي الدين في زاوية اصغر من تلك التي كان يشغلها. العلم يزيح الدين عن مكانه شيئاً فشيئاً و مع كل إكتشاف جديد.. في الستينات مثلاً كان الاسلاميون يرددون حديثاً يتحدى العلم عن اشياء لايعرفها الا الله و يعتبرون ذلك دليل لصحة دينهم.

لا اتذكر نص الحديث بالضبط و لكنه كان يقول عن صلعم ثلاث لايعلمهم الا الله، ماذا تضع الحامل و متى يسقط المطر و متى تقوم الساعه. شكراً للعلم فاليوم وبعد اربعين سنه صرنا نعرف جنس المولود بالضبط و بدن خطأ بأجهزة تصور الجنين بالالوان وبالابعاد الثلاثيه و بالفيديو ايضاً ..وصرنا نتنبأ بوقت سقوط المطر بدقة شديده و نعرف انه ليس من يوم قيامه و لا ساعه. اختفى هذا الحديث اليوم من الوجود او هناك من يحاول ان يخفيه عنا.

يقول اهل الابراج بأن هنالك تشابها في شخصيات المولودين في برج واحد، وبما أن العلم لايستطيع ان يفسر ذلك فبالتالي علم الابراج صحيح. كلام فارغ من اوله لأن ليس هنالك مايثبت ان هذا الادعاء صحيح اصلاً، فكثير من الناس يشكلون شخصيتهم بصورة عامه حسب ماقيل لهم عن برجهم..انهم ينتبهون الى تصرفات معينه ليقنعوا انفسهم ان سببها إنتمائهم لذاك البرج و يغفلون الكثير الغالب مما هو خلاف لذلك.






علم الابراج لايستطيع ان يشرح الميكانيكه التي تجعل المَولودين في نفس البرج يتشابهون بالاطباع، انهم لايستطيعون حتى ابراز اية احصائيات او ارقام تثبت وجود هذا التشابه، فماهو الا جدال فاضي مُستغلين جهل الناس بهذا.

تشير الاحصائيات الى ان اربعين بالمائه من سكان الولايات المتحده يؤمنون بالابراج، ويزداد هذا الرقم في الهند و الصين وافريقيا الى ثمانين بالمئه بينما يقل كثيراً في شمال القارة الاوروبيه. لا ادري كم نسبة الناس في بلاد الرمال التي تصدق هذا الهراء؟ ربما عدد لابأس به كون صفحة الابراج و حظك اليوم صفحة دائمه في كل صحفنا.



دعوني احدثكم بأشياء تجعل من المستحيل منطقياً وعقلياً ان يكون علم الابراج صحيحاً.

اولاً: ان المجال المغناطيسي الذي يصدره موبايلك اقوى من المجال المغناطيسي لكوكب المريخ او الزهره او زحل على الارض..فكيف لاتتأثر شخصيتك بالموبايل وتتأثر بكوكب بعيد جداً؟

ثانياً: علم الابراج يُعلق اهميّة قصوى على ترتيب الابراج في السماء ليلاً..ولكنه ينسي بأن هذه الابراج ماهي الا ترتيب نحن صنعناه ..نعم نحن البشر و ليس لها وضعية مستقلة عنا، فكيف يؤثر هذا على حياتنا؟ انه يدل على ان الابراج هذه ماهي الا من قبيل السحر والشعوذه.

ثالثاً: لو كانت الأبراج صحيحه و اننا نتأثر بهذه الكواكب..فكيف و لمدة الف سنه لم يلاحظوا و جود اربعة كواكب اكتشفها علم الفلك الحديث هي اورانوس ونيبتون و بلوتو و سيريس؟ كيف لم نتأثر بهذه الكواكب الجديده؟ فقد كانت موجوده طوال الوقت ولكن اعين المنجمين لم تراها او تكتشفها، اضف الى ذلك ان علم الابراج يعتبر القمر و الشمس من ضمن الكواكب التي تؤثر بنا..ونحن نعرف اليوم بأن الشمس ليست بكوكب، و لا القمر كوكب.

ثالثاً: لا افهم لماذا يعتمد علم التنجيم على حدث الولاده ليحدد برجي وتأثري بمسار الكواكب ..لماذا لايؤثر فيّ هذا الكوكب خلال فترة الحمل و انا موجود ببطن امي لمدة تسعة أشهر؟ فالجنين موجود على سطح الارض و كما تؤثر هذه الكواكب على الام الحامل فيجب ان تؤثر على جنينها..إن هذا يدل على ان الابراج ليست سوي نوع من السخف.

رابعاً: لماذا لايعمل علم التنجيم مع التوائم و التوائم الشقيقه؟ لماذا تختلف شخصيات التوائم و " حظوظهم في الحياة" طالما وُلدوا تحت تأثير نفس الكوكب؟ ليس هناك تفسير الا أنه علم مزيف.

خامساً: لو كان علم التنجيم يستطيع ان يتنبأ بمصير الشخص..فلماذا لايتنبأ بالمآسي التي تؤدي الى وفيات جماعيه ، ماذا لو تحطمت طائرة بها ثلاث مائة و خمسين شخص، فهل يعني هذا انهم كلهم من نفس البرج أو من تقاطعت كواكبهم في نفس المسار مره واحده؟ أهي الكواكب التي قدرت لهم جميعاً و معاً هذا المصير، ام ان هذا دليل على ان الابراج هذه مجرد نصب على الناس؟



الحديث لاينتهي في توضيح الثغرات الفادحه في هذا العلم المزيف ويثبت لنا ان الابراج ماهي الا احد الاعتقادات الخاطئه مثل الاديان مازالت تعيش بيننا رغم انتفاء دليلها وإنتهاء صلاحها وسببها بالعقل و العلم و المنطق.


بن كريشان

هناك تعليق واحد:

Mohamed_CJ يقول...

الابراج هراء ولكنه كان مدخلا الى علم الفلك