الاثنين

سيكولوجية اليقين ..مقابل الحاجه للشك.




معظم الناس تجد صعوبة في التعامل مع التشكك. بعضهم ينظر الى الشك بصورة سلبيه ربما لأنهم يفضلون اليقين والتأكد على عدمه. لماذا؟ لا ادري بالضبط ، ولكنه ما يجعل للإيمان الديني ولخوارق المعتقدات وحتى لأبراج الحظ سوقاً رائجة. إنها سيكلوجية مرضيه تسعى الى طمئنة الإنسان وخداعه لإراحته من القلق. الأديان تجعل من الشك ذنباً ..بينما تعتبر الإيمان بدون دليل واليقين به فضيلة أخلاقيه.

إن الناس تتعلم فضل الشك لاحقاً، وتندم على ثقتها وتصديقها ..ولكن يحدث ذلك بعد أن تطعن من الخلف بخانجر الكذب والخيانه والأستغلال. دعوني أحكي لكم عن صديق دراسة لي إسمه جمال.






جمال من المفروض أن يكون من أقرب اصدقائي و يجب أن تربطني به مودة قويه، إلا أنه ليس معي دائماً، ولايتفق مع آرائي بالمره ، وخاصة عندما أنصحه بعدم الإستعجال بالثقة بالناس. نعم أنه يعطي ثقته لأي صديق بعد معرفته بإسبوع واحد ، و يمدح فيه ويجعله افضل صديق ثم لاتدور السَنه ،إلا وهو يلعنه فهذا يستلف سيارته كل مره وعندما إحتاج هو سيارة الصديق العزيز رفض الأخر..وذاك إستلف منه خمسة عشر ألف درهم وصار يتهرب منه..وأخر سرق منه حبيبته وتزوجها.

ولكن جمال لايتعظ بالنصيحه فهو يظن انه يعرف كل شيء ويطرد من تفكيره كل سلوك يثير الشك والريبه إن بدر من هؤلاء الأصدقاء ..سلوكيات واشياء كنت أراها ويراها غيري فيهم ، و لكن عندما نواجهه بها يزعل منا ويقول إنكم لاتعرفون شيئاً ، فكيف تتشكون في شخص طيب كهذا.. اضيف ايضاً أن جمال متدين ويؤدي كل فروض الطاعه لرب الرمال بدون تواني وبدون ادنى شك. اليوم جمال فقير مديون ويعاني الأمرين من المضايقات في عمله..وانا الصديق الوحيد الذي ساعده ومع هذا يقول انه يأسى علىّ لأنني ذاهب الى جهنم، بينما لا يسأل ربه هو مافائدة كل هذه الصلوات والطقوس والحركات والركعات والرقصات إذاً؟ ..لم لايقول له: متى ستساعدني أنت..يا رب؟




إن كل العلوم والمعارف التي توصلنا إليها وكل التكنولوجيات والأكتشافات ماكانت لتحدث لولا ان بعض الناس إستخدمت ملكة الشك، وتخلصت من اليقين والأيمان بمسلمات وثوابت راسخه.

يبدو أن اذهاننا سيئة الصنع ، إنها مصابة بخلل من المصنع يبدو واضحاً حين نتعامل مع الشك واليقين. إن تاريخ العلوم والمعرفه يمتلأ بأمثلة على ذلك لقد كانت البشريه دائماً تقفز الى النتائج والإستنتاجات بسرعه، ثم نتمسك بهذه النتائج والأستنتاجات بقوه ونقاوم تغييرها ونضطهد ونسخر ممن يحاول ذلك.. حتى يأتي أحد يثبت بطلانها بعد وقت طويل. قصة غاليليو وإكتشاف أمريكا و تاريخ الطب شواهد على ذلك. لقد إستغرق الأنسان مئات القرون ، ليدرك ان الحجامه طب فاسد فقط في القرن التاسع عشر. إن الناس حتى اليوم تقاوم نظرية أو "شرح " داروين لتطور الأجناس مع انه اصبح علماً ثابتاً بُنيت عليه علوم البيولوجيا والأحياء والزراعه والمايكربولوجي والطب الحديث.

الغريب انه من الناحيه النفسيه من السهل للإنسان ان يشك في حقيقة الشيء من أن يصدقه ، ولكن في الدين يبدو ان الوصول الى يقين ما ..مهما كان ضعيفاً منعدم الدليل هو السلوك العام عند الناس. فعند المؤمن بالدين العكس هو الصحيح تماماًً. ولكن لنترك الدين قليلاً ونفكر في السياسه مثلاً، خذ مثالاً أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بإمكانك أن تقنع الناس بأي شيء خاصة إن كان اقرب الى النظريه التي تدور في أدمغتهم أو تلك التي يتخيلونها. معظم الناس في بلاد الرمال سيقعون بالطبع فريسة نظرية المؤامره المُهيمنه عليهم وبالطبع سيمشي معهم السيناريو الذي يقول بأنها مؤامره من الموساد الإسرائيلي او أن المخابرات الأمريكيه قامت بخطف الطائرات والأرتطام بها بمبنى التجاره العالميه..وذلك لتوجد سببا لغزو العراق. حتى لو أعتبرنا ان هذا قد يكون احد الاحتمالات، ولكن هل هو الأقوى..أما كان اسهل لإمريكا أن تجد مبرراً أخر أسهل لغزو العراق؟ أهناك إحتمال أكثر مصداقية من هذا؟ ولكن العقل العربي المُفعم بالمؤامرات سيرفض ان يشك بما ظنه يقيناً لسنوات.

ليس العرب لوحدهم في هذا ، فحتى الأمريكان كذلك. الامريكيون ايام الرئيس بوش كانوا موقنين بأن صدام حسين هو من ساعد القاعده على تنفيذ عملية ١١ سبتمبر. ولكن مع الفشل في أن يجدوا دليلاُ واحداً في العراق يثبت ذلك ..منذ سنوات ظهرت نظرية أخرى اكثر مصداقيه.




فكر بهذه، إبناء بن لادن موجودين في إيران، قيادات القاعده لجئت الى إيران ، أحمد الجلبي كان لاجئاً في إيران. أحمد الجلبي هو من أقنع الإداره الأمريكيه بأن العراق هو من ساعد بن لادن والقاعده في تنفيذ العمليه، هل قامت المخابرات الإيرانيه بتزوير الوثائق التي حملها الجلبي ( والذي عاد لإيران مرة اخرى ليعيش فيها ) وأقنع بها الأمريكان. إيران حققت أهدافها وهو ضرب الد اعدائها طالبان و صدام حسين وإزالتهم لتصبح قوة إقليميه. حسناً ، قد لاتكون هذه النظريه صحيحه تماماً أيضاً وقد تكون كذلك خاطئه ولكنها تحمل مصداقية اكثر من الأولى ولكن..الساسه الأمريكان وبغض النظر عن الأدلة المضادة ، ظلوا يصدقون النظريه الأولى لرغبتهم في اليقين ، بدلاً من فتح مجال الشك والصداع مرة اخرى.

الوصف أعلاه يمكن بسهولة أن ينطبق على الكثير من الحالات المختلفة ومنها المؤمن الذي، عندما يقترب من الشك بوجود رب الرمال يطالب من الملحد أن يقدم له شرحاً "بديلا" عن إيمانه ويقينه لمعنى الحياة ، ومن اين جاء الإنسان ؟ وكيف وُجد الكون؟ومن أين جاءت الماده؟ ..وكل شيء بينها. ولكن غياب هذا الشرح "البديل" لايقدم إثباتاً لإيمانه ويقينه.

عندما يطالب المؤمن بالشرح "البديل" ويسأل مثلاً من اين جاء هذا الكون؟ أجيبه لا احد يعرف حتى صلعم والمسيح لايعرفان، ذلك لان العلم مازال يقدم الأجابات في هذا المجال وسيقدمها كما فعل من قبل لأشياء ظنها المؤمنون مقصورة على علم رب الرمال وحده.. المُضحك انه في الغالب سيقول آها شفت..إذا الله خلقه. فهو يسد الشك بيقينه، يملأ الفراغ الذي يفتحه الشك .. حتى لو كان الأساس الذي يقوم عليه هذا اليقين واهياً مهزوزاً.

عندما يقول المؤمن ذلك فهو ببساطه يعبّرعن سيكلوجية اليقين التي يُعاني منها، فلو لم يكن عندك هذا الشرح "البديل" فسيعود الى يقينه، مهما كانت الأدلة عليه تافهة وغبيه، ومهما القيت أمامهم من الشكوك ومهما وضعت من تحديات..إنهم لايقبلون إلا أن يتمسكون بإيمانهم لأنه الراحه النفسيه باليقين، وإن كان أقرب للوهم منه للحقيقه وإن كان ضعيفاً وساذجاً.. مساكين هؤلاء ، فهم بحاجة الى هذا المعتقد، بحاجة الى هذا الإيمان– مهما كان سيئاً.

بن كريشان

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

يا بن دي حاجة نفسية ، المؤمن بيشعر بالأمان اما يعتقد اني في كائن خيالي بيساعده في الدنيا و يسهل له مصالحه و يمشي له أموره.

لو توقف عن الايمان بسوبرمان ده، معناه انه هيصارع الدنيا دي لوحده و اذا عرفت انه فقير و محتاج وما عندوش علاقات و معارف و اصحاب ذو سلطة ، هيلاقي المؤمن انه اتعرى قدام نفسه و انكشف ضعفه و ما حدش بيحب حاجة زي كده تحصله.

علشان كد بيفضل في وهم رب الرمال لأنه مخدر فعال بينسيه هموم الدنيا اللي المفترض على اعتقاده رب الرمال هو اللي دبسه فيها، شفت خيبة اكتر من كده؟