الاثنين

تجارة مخدرات





يحكى لنا أجدادنا هنا في الإمارات بأن الأفيون كان متوافراً حتى الخمسينيات وكان يستخدم للتطبب. وكان المُدمن عليه يسمى ترياقجي. وهذا ليس مستغرباً فالأفيون وإستخدامه كان شائعاً في القرن التاسع عشر. كان الأفيون سلعة مهمه تتقاتل عليها الدول مثله مثل البترول ، وبسبب تجارة الأفيون نشبت حرب بين بريطانيا العظمى "آنذاك" والصين الإمبراطوريه والتي أجبرت فيها الصين على تحرير تجارة الأفيون. أقرأ عنها هنا.

يقال أنه عندما قال كارل ماركس جملته المشهوره : الدين هو أفيون الشعوب ، كان متعاطفاً مع الدين أكثر مما نظن. فهو كعهد الناس في زمانه لم يكن معارضاً إستخدام الأفيون لتخفيف آلام الأمراض، بل عارض الإعتماد على الأفيون وحده، لمداواة الداء و كان قصده انه على الإنسان أن يبحث عن علاج المرض بدل تخدير نفسه.




وحسب رأي كارل ماركس فهو يعتبر أن الدين يعمينا من رؤية الحقيقه و مواجهة الواقع. مثل الأفيون فنحن نتجنب النظر الى مشاكل عائلتنا ومجتمعاتنا ودولتنا بالإنغماس في شيء لذيذ ينسينا كل السلبيات المحيطه بنا. وسواء كان هذا التفسير لماقاله ماركس صحيحاً أم لا، فإن عبارته الخالده ماتزال تلقي بالضوء على الدور التخديري الذي يقوم به الدين في المجتمعات.

أحسست مؤخراً بالشفقة على الناس وانا اشاهد برنامجاً عن المسيحيه الأرثودوكسيه في قناة روسيا اليوم الناطقه بالعربيه. عرضت القناة مشاهداً لناس كأنهم أغنام يقفون برهبة أمام القسيس الذي يحمل صورة لقديس شكله اهبل ، وهم يُقبلونها بالدور.. واحد بعد الأخر كما يبوّس الحجيج في مكة الحجر، ثم ظهر البابا الروسي الأرثودكسي الجديد وقال أن الأزمه الماليه العالميه سببها امريكا التي لم تلتزم بما ذكرته التواره القديمه. يبدوا ان الرساله لم تصل الى عقولهم رغم سنوات من الشيوعيه..وهي مجرد دين بكل تفاصيله، فقط لايعتمد على الوحي المنزل.. هل صاروا يهربون من مواجهة مشاكلهم بالهروب وتعاطي الدين؟



هاتين قصتين من فتاتين بالسعوديه من اللاتي يتواصلن معي بين الحين والأخر. الأولى من الرياض حيث كتبت مُنى:

كنت في زيارة لبعض صديقاتي وتفاجأت بان مدونتك معروفة لديهن. لم اشأ أن اقول لهن إنني تكاتبت معك من قبل حتى لايسألنني عن إيماني بالله. الغريب في الأمر ان أحدى هؤلاء الصديقات قالت أنها تفتح مدونتك من مكان عملها لإنه محجوب في السعوديه، وعندما تقرأ مايكتبه بن كريشان يبدو لها صحيحاً ومنطقياً، ولكنها بعدما تعود الى البيت تصلىّ وتستغفر وتعد نفسها بأنها لن تفتح مدونة أرض الرمال مرة ثانيه، إلا انها وبعد عدة ايام لاتقاوم فضولها ، وتعود الى قراءة المدونه.

هذه القصه تبيّن تشابه تأثير الإيمان الديني مع الإدمان على المخدرات. فكما المدمن الذي يعد نفسه بترك التعاطي، ترجع هذه الفتاه الى الدين وتستغفر و تتضرع أن يتوب عليها رب الرمال من لحظات اليقظه القليله.


القصة الثانيه من جده ومن فتاة تراسلنى بلقب مستعار تشتكي بأنها ورغم إنها اصبحت مُلحدة ومقتنعة تماماً بكذب الإسلام و الأديان كلها، إلا ان شعورها بالذنب مازال يراودها. تعزو صديقتنا ذلك الى التلقين الذي تلقته في الصغر والترهيب والتخويف الذي سمعته من خلال دروس التربيه الإسلاميه من مدرساتها وما يدور من دعوذات في حياة الناس اليوميه تحت نظام ديني ثيولوجي مثل مملكة الرمال الكبرى.



يبدو لي هذا مثل أعراض الكآبه التي تصيب المتعاطي بعد علاجه. إذا قلنا بأن الأدويه المُسكّنه مثل الپانادول والأسپرين تفيد للتخفيف من الألام الجسديه فهل يصح أن نقول وكذلك الأفيون يمكن أن يستخدم كمُسكًن ضد الألام العاطفيه والنفسيه؟ أعتقد بأنكم ستقولون بأن هذا لاجدوى ولافائدة منه ومن الأفضل علاج هذه المشاكل النفسيه والعاطفيه بدل تخديرها، ولكن هذا مايقوم به المدمنون على المخدرات، انهم يهربون من مشاكلهم الأجتماعيه والنفسيه بالتعاطي. ولو فكرت ملياً فستجد أن الدين اقرب الى المخدرات وتعاطيها منه الى مسكنات الآلام. الدين يقوم بتغطية وإخفاء مشاكلنا النفسيه و الأجتماعيه الحقيقيه التي نعاني منها في النفس وفي المجتمع و في الدوله.

أثناء احداث غزه إستلمت رسالة نصيه من برنامج حكومي إسمه "وطني" يقوم بنشر الدعوذات ومواعيد المحاضرات الدينيه تقول الأتي: اللهم إياك نعبد ونستعين فاظهر عجائب قدرتك في نصرة عبادك المحاصرين في غزه وفلسطين إنك القاهر وعلى كل شيء قدير.

هل سيفيد هذا الدعاء أحداً؟ هل سيساعد على إسقاط طائرات إسرائيليه ومنعها من القصف مثلاً ؟ أم أنه سيخدر المسلمين لمدة اطول فلايحسوا بحاجة لعمل شيء غير ذلك.

يبيع المدعوذون الإسلام على أنه سبيلك للحصول على الطمأنينه والسكينه فيبتعدوا عن مايعتبره هؤلاء محرمات وينغمسوا في الطقوسيات. في منتدى نصرة رسول الله كتبت إحداهن من تونس هذا:

ان للمؤمن كنز يحسده عليه باقي الناس



فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان كل امرء له خير اذا اصابته سراء شكر فكان خير له و اذا اصابته ضراء صبر فكان خير له فكيف يحزن على الدنيا من كانت الجنة غايته و علق قلبه بربه عز و جل في الدنيا من يحب شخص يرضى به و عليه و يحب كل ما يكون من عند حبيبه فكيف يكون الامر و نحن نتكلم عن الله سبحانه ان الرضى لنعمة من الله عز وجل تريح القلوب و تملاها طمئنينة و تجعل العيش سهل فلماذا الحزن والكدر و قد علمت ان ما اصابك ما كان ليخطاك و ما اخطاك ما كان ليصيبك وان امرك كله بيد الله عز و جل و هو ارحم بك من امك و يعلم وانت لا تعلم و بيده الخير كله و يقول رسول عليه الصلات و السلام ان الله اذا احب عبدا ابتلاه

هذا هو التخدير بعينه، فانت تتجاهل وتصبر فكل مايحدث لك ليس بذنبك انت بل هو إختبار وإبتلاء وبلا بلا بلا...الخ. فأنت حسب مايزعمون عندما تعاني من مشاعر نفسيه او عاطفيه أليمه فما عليك إلا بآيات الطمأنينه و قراءة أحاديث السكينه وان تُبقى الإيمان "الأفيون" بقلبك ثابتاً وتظل مسطولاً للأبد.

أما أخواننا المسيحيين فعندهم شيء مشابه يسمى " عطية الرب المجانيه". فمن منتدى
القديس العظيم الأنبا إثناسيوس الرسولي (إرتعدت فرائصي من الإسم المرعب) هذا:

لو فكرنا في إلتزامنا لله و وجود روحه القدوس في داخلنا، فهل نحن تلاميذ واتباع حقيقيون، أم مجرد أدعياء كاذبين؟ هل نختار اليأس او الموت ام نختار التوبه والغفران و الحياة الأبديه هاهي الفرصه أمامنا، فهل نقبل عطيته "المجانيه".





ليس هناك شيء بالمجان يا إخواني والمثل الإماراتي يقول " ماصلى المصلي إلا يريد الغفران" يعني كل يبحث عن مصلحته. لن ياخذون منك فلوساً ، ولكنهم سيأخذون حريتك ويستلبون نفسك فتصبح عبداً لهم ولتسلطاتهم وسيحددون لك كيف تتصرف وكيف تلبس وكيف تبصق وتتنفس ..ثم سيقولون لك حتى ، كيف تصوّت ، ولمن في الأنتخابات؟


أتدرون بماذا يذكرني هذا؟ إنه يذكرني بتجار المخدرات الذين يوزعون المخدرات على الشباب مجاناً للحصول عليهم زبائن مدمنون في المستقبل..نعم انه بلاش الأن وسيساعدك على الراحه ونسيان مشاكلك الإجتماعيه والعاطفيه.. ولكنك ستدفع ثمنه غاليا في ما بعد. عندما يكون المخدر قوياً فهو يؤدي الى حدوث الإدمان. الإدمان يخلق حاجة إعتماديه (كيميائيه) للجسد لايستطيع أن يشبعها إلا بواسطة نفس المُخدر. وهنا تصبح المخدرات هي المصيبه والحل في نفس الوقت. هي المرض وهي العلاج.


الأديان كذلك تقنعك بأنك تحتاج الدين للتغلب على مشاكلك الإجتماعيه والنفسيه والعاطفيه وستحصل على الطمأنينه والسكينه. ثم تنغمس فيه فتنس مشكلتك ولكن لاتعالجها ..ومع الوقت تنس إنه كانت عندك اصلاً مشكله، ثم تستمر تدفع من مالك وحريتك و سعادتك وسنوات عمرك لتجار المخدرات الذين يعيشون من تعبك..تجار المخدرات هؤلاء ماهم إلا المشايخ والمدعوذين و القساوسه والرهبان وملالي الشيعه مصاصي الدماء.


بن كريشان

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

أبدعت يا بن ، الفقرتين في آخر التدوينة روعة ، اصبت كبد الحقيقة فالدين لا يزال و سيظل أفيون الشعوب