الاثنين

دروسٌ وعِبر

متى يستوعب العرب الدرس؟





زعلت اليوم على الخادمه ميري لأنني أكتشفت أنه صار لها أكثر من شهر وهي تطعم زيزبونه نفس النوع من الطعام، حتى نفس نوع العلبه من ويسكاس بنكهة الدجاج..فأتت أمي مدافعة عنها كالعادة قائلة بأن زيزبونه لم تتذمر.. فما شأنك أنت؟

بأمكانك أن تطعم زيزبونه نفس الوجبه ولمدة تسع سنوات ، وستحبك وتعتبرك صلعم القطط ، ولكن لاتستطيع أن تفعل ذلك مع الإنسان ، لذا إخترعنا الطبخ وفكرة المطاعم. مع إنني أظن أن زيزبونه كان من المفروض أن تتعلم الدرس فتعلن إحتجاجها وثورتها بالإمتناع عن الأكل..أو خربشة يد ميري.


عندما كنت أدرس في لوس أنجليس، جائني صديق زائر من مدينة العين وقضى شهراً معي. مشكلته أنه لايتكلم اللغه الأنكليزيه، وكان عندي أختبارات التيرم (الفصل). إستأجرت له شقه بوسط المدينه وشرحت له أين يذهب؟ وأين يجد المطاعم؟ وعلمته الإسماء كلها (البقره) ..وعدت لأراه بعد أسبوع، فكان الأخ شديد الفرح لقدومي ، وطلب أول ماطلب أن أخذه الى مطعم عربي ..أو حاجه مختلفه يقدر يأكلها، فقد تعب من أكل الهمبورغر من مطعم ماكدونالدز يومياً..ولكن لماذا تأكل همبورغر كل يوم؟ قلت له، فأجابني: نسيت أسماء الأكلات الأخرى التي علمتني أياها،ولا أتذكر غير همبروغر بليييز. والأمريكان مستعجلين عليك ..ليس عندهم صبر حتى أتذكر ما أقوله..صلّحت له أنه ليس كل الأمريكان كذلك هؤلاء الأنجلينوز فقط ( الإسم الذي يطلقه سكان لوس أنجليس على أنفسهم).

لم يكن المسكين يعرف حتى كيف يطبخ لنفسه، ولكن هذا شيء عادي فالطبخ شيء خطير جداً.



أيام الدراسه كذلك سافرت الى كالامازو وهي مدينة في ولاية ميتشيغان وأقمت بضيافة صديق جزائري لطيف ، كان طالباً يدرس بتلك المدينه.. وهناك رأيته يطبخ بشيء يسمونه الكسكاس. عبارة عن قدرين فوق بعضهما البعض، يطبخون المرقه أو الصالونه في الطابق السفلي بينما يطيب الكسكس (الذي يسميه الجزائريون طعام) في القدر بالطابق العلوي عن طريق فتحات في اسفل ذلك القدر يتخللها بخار المرق. وكم كانت فرحتي عندما وجدت قدراً مثله في محلات تارغيت ، ليس بالضبط كسكاس ولكن قدرين فوق بعضهما البعض وأفضل من الكسكاس لأنك تستطيع ان تغلق القدرين على بعضهما بمفتاح..فقررت أن أفاجيء أصحابي بطبخة خليجيه أستخدم بها قدري الجديد، أضع الرز من فوق..واللحم والخضار أسفل وستخلص الطبخه بسرعه، وعندما وصل ضيوفي دقوا الجرس ، ذهبت لأفتح الباب تاركاً الأكل ينضج على النار..فسمعت فجأة.. انا وضيوفي إنفجاراً مهولاً بالمطبخ، تناثرت أشلاء اللحم المُبهّره في كل الأتجاهات وتطايرت في كل مكان، في الواقع أن بعضها خرج من النافذه المفتوحه..وقد يكون وصل الأن الى الفضاء الخارجي وفي أحد المدارات حول الكرة الأرضيه ومازال هناك بعد تسع سنوات من تخرجي. طلبت بعض التشيمي تشانغا من المطعم المكسيكي ، وبطلت أطبخ من الرعب لشهور بعدها..ولكنني أعدت الكرة في عيد الميلاد من تلك السنه محاولاً طبخ المكبوس الخليجي بلحم الديك الرومي..كان أحد الأصدقاء يأكل ببطء..فبرد طبقه ، فعرضت أن أسخنه له بسرعه، فوضعته بالمايكروويف ليسخن قليلاً..ولم تكن إلا دقائق حتى أنفجر المايكروويف وذاب زجاج باب الفرن..وأنقطعت الكهرباء بالشقه والشقق المجاوره وطلبوا رجال الإطفائيه ، الذين أصروا على تفتيش الشقة كلها..ثم أخبروني بما حدث وسبب الأنفجار،فقد نسيت ملعقة الضيف داخل الصحن وسخنتها معه..فقد الضيوف شهيتهم من فرط الرعب والخضّه..فتوكلت على الله، وأخذتهم الى المطعم المكسيكي ، وطلبت لهم التشمي تشانغا مع البيره ،وكفى الله المومنين شر القتال..أقصد الطبخ. لو حدث هذا في ايامنا هذه وعرفوا إن عربياً تسبب بهذا الأنفجار ، فلا أستبعد أن تحقق ال إف بي اي معي وأتهم بالإرهاب الأسلامي.

من المهم أن يتعلم الأنسان من دروس حياته كما تعلمت أنا من حوادث الطبخ، ولكن متى يتعلم العرب درسهم؟ وطالما ذكرت الأرهاب الإسلامي فالنبدأ موضوعنا منه.


هل أنتشرت فعلاً ظاهرة الإرهاب في بلاد الرمال؟ نعم و إحتدم النقاش في المواقع والصحافه حول اسبابه، ولكن هل الأرهاب شيء جديد علينا؟ أبداً فإبان الدول القوميه الأيدولوجيه كان هناك إرهاب ايضاً، فمن فجر طائرة لوكربي؟ ومن أختطف وإغتال سليم اللوزي رئيس تحرير جريدة الحوادث؟ ومن كان وراء خطف الطائرات حول العالم ومالفرق بين لبنان الحرب الأهليه والعراق بعد صدام؟.. ً لم يتغير شيء سوى إننا إستبدلنا إرهاباً قومجياً ، بإرهاب إسلامي جديد وهذا يطرح سؤالاً مهماً علينا الأجابة عليه؟

هل نجح إسلوب الأرهاب في السبعينيات في تحقيق أهدافه؟ الجواب لا، إذاً فلماذا عدنا لنفس الأسلوب ألا نستوعب الدرس ام إننا حمير؟



الشعوب تستخلص دروساً وعبراً من تجاربها فلماذا لا نفعل نحن ذلك أيضاً؟ حتى التلميذ الراسب يتعلم وينجح في الدور الثاني ..أما نحن فنصر على نفس الأجابه رغم الرسوب المتكرر. إذا كان الأسلوب الذي تستخدمه لم ينجح أفليس الأحرى بك أن تغيره، أن تجرب إسلوباً أخر وخاصة شيء مُجرب من قبل وهناك شواهد على نجاحه.

لو أردنا ان نعرف صفات أفضل المدراء أو رجال البيع، فسنقوم أولاً بأخذ عينة عشوائيه تضم أكثرهم نجاحاً، وعينة عشوائية أخرى تضم اسوء المدراء أو رجال البيع وأفشلهم..و بالمقارنه و بتحليل العينتين سنتعرف على القرارات و التصرفات الصحيحه التي يجب ان يقوم بها المدير الناجح وماهي التصرفات السيئه التي يجب أن يتجنبها كل المدير حتى لايفشل؟

أرأيتم هذا ليس صعباً، الكاتب الشهير ستيڤين كوڤي إستخدم هذه الطريقة البسيطه ليكتب أحد اشهر الكتب وأكثرها توزيعاً " ومللا بالنسبة لي" وهو العادات السبعه لأكثر الناس تأثيراً.

عندما تفكر بذلك ، تقول في نفسك هذا ليس بذكاء، هذه مجرد عمليه منطقيه عاديه. كيف اتعلم من حياتي؟ بالطبع من نجاحاتي و من أخطائي، فأكرر الأشياء التي ادت الى النجاح.. وأتجنب تلك التي سببت لي الفشل والإحراج.

عظيم فالنفعل ذلك نحن العرب، فالننظر الى أفضل الأعمال التي أدت الى النجاح وتلك التي ادت الى الفشل..أو فالننظر الى الشعوب الأخرى ونعمل ما عمل ستيڤين كوڤي. نأخذ أكثر الدول نجاحا ،اكثرها فشلاً ونخلص بأفضل السياسات الإقتصاديه والسياسيه التي يجب أن نطبقها..ونمتنع عن القيام بتلك السياسات التي طبقتها الدول الفاشله..شيء ليس صعباً بالمره.


نحن يا جماعه ليس عندنا مشكلة إرهاب..بل عندنا مُشكلة اعمق. الأرهاب ماهو إلا الأعراض لمرض عصاب. الأرهاب هو مجرد تكتيك يستخدمه المتعصب لفكرة أيدولوجيه، سواء كانت قوميه أم إسلاميه. بعبارة أخرى إننا متشبثين بسلوكيات فاشيه مهما تغير المُسمى والشكل الخارجي. الفاشيه هي التعصب لجنس أو عرق أو أمه والمبالغة بإعلاء تلك الفكره . الدوله الفاشيه تحكمها دكتاتوريه تسلطيه وتهوّل من شأن العدو الخارجي لقمع المعارضة الداخليه. نحن أستبدلنا الأمة العربيه، بالأمة الأسلاميه وتابعنا المسير بنفس الأتجاه الخطأ.

قد يكون الأرهاب خطيراً، ولكن الأخطر منه هو الفكر الذي يقوده. وهذا الفكر يتمثل في هؤلاء المتعصبين دينياً، فهم الذين يستخدمونه لتحقيق غاياتهم. ولكن مامشكلتهم؟




أن خطر الإسلاميين أكثر وأكبر من القوميين فهم ليسوا فقط فاشيّيون النزعه ، ولكنهم رجعيّون كذلك..فهم يمثلون تيار الرفض للحداثه من أجل تعاليم مفروضه من قبل إله خيالي. إنهم يرون في التغيير خطراً يهدد إستقرار المجتمع ويعملون ليس فقط على إبقائه بدون حراك ولاتغير، بل يسعون الى إعادته للوراء بما يسمى السلفيه.

إن هؤلاء الإسلاميين المتعصبين أكثر خطراً و وبالاً على بلاد الرمال من ذاك الأبله الذي أقنعوه بإرتداء حزام ناسف لينتحر من أجل سبعين حوريه. أرأيتم! الأرهاب مجرد تكتيك وليس إيمان أو أيدولوجيه..المعركه الحقيقيه ليست بيننا وبين الأرهاب ، بل بيننا وأصحاب تلك الأيدولوجيه..أنه صراع بين المدافعين عن الحداثه والتطور وهؤلاء الرافضين لها. لقد اثبت التاريخ دائماً أن هذا الصراع محسوم دائماً لمن يتطور ويتقدم ، وليس للتقليديين الذين يريدون البقاء مكانك سر.

أنه صراع بمن يؤمن بتفوق الإنسانيه وقدرتها على الرقي والتقدم..وهؤلاء الذين يرون ان الأنسان ملزم فقط بتعاليم سماويه أوحى بها شبح خائف مُختبيء.

أنه صراع بين من يؤمن بالعلم والمنطق و بين من يؤمن بالنصوص الدينيه والكتب القديمه..الأرهاب يفجر ويقتل بعض الأبرياء هنا وهناك..ولكن الفكر الذي وراءه يقضي على مصير الأمة كاملة ويحكم عليها بالفناء.

فهل نعمل لنحظى بحكومة ليبراليه علمانيه تؤمن بالإنسان وقدراته..أم حكومه ثيوقراطيه دينيه تحكم برغبة الإله السماوي الخفي وبواسطة قلة تمثله على الأرض..الغريب أن أكثر العرب وضعوا رهانهم على الحصان الثاني الخاسر، الحكومه الدينيه.

الفرق بين العلمانيه والحكم الديني هو كالفرق بين التسامح والتعصب.

جميع الأيديولوجيات المتسلطه تستخدم العنف، فإن لم يكن الأرهاب فهو شن الحروب..أنه من الخطأ أن نغفل عن ذلك ونركز على ظاهرة الأرهاب..وننس مسببها الرئيسي وهو التعصب الإسلامي..فذلك هو الخطر الحقيقي على الشعوب العربيه.


التعصب الإسلامي هو الأيدولوجيه التي تؤجج الأرهاب والعنف وتحارب الحريات الفرديه و تقاوم فرصنا بالتقدم والحداثه. لو لوح أحدهم مهددا بقتلك بسكين، فلاينفع أن تحاول منع السكاكين من البلد..بل يجب ان تتخلص من الشخص نفسه ، وليس الأداة التي يستعملها، وبنفس الطريقه ، لا يجب أن نشغل أنفسنا بالأرهاب ، بل بمن وراءه.

عندما يكون أغلب من حولك من أصحاب العقليات المُتدينه- حتى لو يربوا لحاهم ويتجلببوا بعد- فمن الطبيعي أن تصاب الحريه الفرديه بمقتل، وأن تخلق قوانين تستهدف القضاء عليها، وأن تفسد مناهج العلوم لصالح اللإسلام وبتأييد من الحكومه وأموال الشعب فيتم دعوذة أجيال جديده جاهزة للخراب والأرهاب. لا يخفى على المُحلل ومن تصرفات الحركات الإسلاميه أنه تحمل جميع صفات الحركات الفاشيه والتي مارست العنف كأحد اساليب الوصول للسلطه.

ولكن..لماذا يصر معظم العرب على إعادة تجربة خاسره؟ لقد جرب العرب النظم الفاشيه، ورأينا فشلها في الناصريه والبعثيه وفي ليبيا القذافيه الخضراويه وفي الجزائر..والأن نعود إليها في لبوس إسلامي. الحركات الفاشيه توجه الأنظار دائماً الى خطر خارجي يتهدد شعوبها، وهاهم الأسلاميون يغنون على نفس موجة المؤامره الأمريكيه الأمبرياليه الصهيونيه كما فعل السابقين لهم من القوميين. لماذا لايبحث العرب في تجارب الشعوب التي نجحت ويقلدوها، لماذا يتبعون أنظمة فاشله ، هل هناك نظام فاشي في التاريخ قد نجح؟..لماذا لايستوعبون الدرس؟.. يخلعون ثوباً فاشياً ليلبسوا غيره.



أن دروس التاريخ أثبتت دائماً أن أفضل تجارب البشريه في الحكم ، وأكثرها نجاحاً هي الليبراليات العلمانيه الديموقراطيه... لأن الليبراليه هي التسامح والحكم الديني هو الفاشية الظالمه، أنها حقيقة دامغه ، ومن لايتعلم دروساً من فشله..ما هو إلا تلميذ بليد.


بن كريشان

هناك تعليق واحد:

aras111 يقول...

لقد ذكرتني يابن كريشان العظيم التقدم الحاصل في باكستان وافغانستان وحاليا العراق بسبب التطور الفكري الديني وارجو ان لايشمل ذلك مصر