الاثنين

خداع النفس






تريكنغ رياضة تجمع بين المشي والتخييم في الطبيعه- أظن أنها بالعربيه الضرب في البيداء- أقترحها علىّ أحدهم - الله لايعطيه عافيه- السنه الماضيه ، كأحسن طريقة لمشاهدة جمال الطبيعه، وربما رؤية بعض الحيوانات البريه. فوقع إختياري على جبال الكرباث، وهي سلسلة ممتده من سلوفاكيا قريبا من مدينة براتسلافا ..وتمتد مخترقة هنغاريا ورومانيا وأوكرانيا. أنا طبعاً أخترت رحلة على قدّي، ولمدة ثلاثة أيام فقط ، ولكنني لا أنصحكم أن تفعلوا مثلي، وخاصة مع (غروب) مجموعه لا يعرفون من الإنكليزيه إلا يس نو و أوكي ومن العربيه فقط: أسامه بن لادن.

هلكت من البرد، مع انه من المفروض أن يكون هذا فصل الربيع، أصبت بحروق في الجلد من الشمس، و مغص من أكل المُعلبات .. والنوع الوحيد من الحيوانات البريه الذي شاهدته أثناء السير المُضنى..كان الذباب، ولا أدري مالذي يفعله كل هذا الذباب في الغابات، أنه يفوق عدداً كل الذباب الذي في سوق الجمال بالعين..أنه يهاجمك وكأنك بقلاوه أو حلاوه طحينيه بأرجل ..هذا النوع من الذباب الشرس الخطير، أكثر إزعاجاً من مؤذنين المساجد في بلاد الرمال..مجموعة منهن رافقتني على ما أعتقد ليومين كاملين تزززن وكأن ربك أوحى لها أن اتخذي من أذن بن كريشان بيوتا ..ومن الشجر وممايعرشون ، ومن كثرتها لا تعرف هل تكشّها ام تغمسها في كوب الشاي أو القهوه ..ونعم هناك مناظر طبيعيه جميله و لكن هذا إذا ، آآه..بقى فيك نفس.. لتتمتع برؤيتها، كنت أظن ان لياقتي لابأس بها..ولكن ليس مع هذا الدليل المجنون الذي يقودنا ولايتوقف عن المشي ، وكأنه يوحنا المشّاي ، خوفاً أن نتأخر ويحل الظلام قبل الوصول الى الكامب( المخيم) ، فيوقظنا فجراً في برد الزمهرير، وكأننا مثل الحمقى الذين يقومون لصلاة الفجر. لو كانت هذه الرياضه تعجبك ..فأنصحك بالإنخراط في الخدمه العسكريه.








دق الموبايل في اليوم الثالث وأنا أمشي وألهث..فإذا بها أمي فقالت: شو فيه صوتك..أنت مريض؟ فقلت لها : لا إنا في رحلة مشي، واشتكيت لها تعبي فقالت: وأنت مالذي اخذك هناك..هل حبلك السري مقطوع في هذه البلاد؟.هل أموال أبوك هناك لتذهب و تغربل نفسك؟ ما شفت أحد يدفع فلوسه للعذاب مثلك..فقلت لها - ولأول مره بدون جدال: صدقت ياماما ... توبه. ربما أنا أخدع نفسي بفكرة تجربة كل شيء في هذه الحياه، ألم يكن من الأفضل أن أبقى بالمدينه..أشرب بيره ..وأشاهد البنات الجميلات؟

عموماً..أرجو ان تتمتعوا بصور الطبيعه الجميله، أثناء قراءة هذا المقال الذي كتبته هناك.






إنه غني عن القول بأن هناك فئة قليلة من المسلمين فقط تشعر بالخجل من دينها، ومن طقوسياته و من أحاديث مثل حديث الذبابه العجيبه- أكيد كانت ذبابه جبليه من الكارباث - وما عمله عنكبوت سبايدرمان على غار ثور، أما الغالبية العظمى فقد وجدت طريقة للتعامل مع الأمور والقضايا والأحكام المُحرجه فيه.

بالطبع ، فالإسلام كغيره من الأديان لايخلو من أمور سخيفه تثير الضحك أو تبعث على الإحراج والخجل..ولكن الأغلبيه من المسلمين تقوم " بعقلنة" تلك الأمور فلايحسون بسُخفها وحماقتها، لا بل صاروا لايتوانون عن الكلام فيها أو نشرها للأخرين.

شاركت آيا منذ مُده بتعليق لم أستطع التوقف عن التفكير فيه ..وخاصة أثناء المشي اليوم:





سلمت يداك بن،




بالنسبه لي كانت مرحله الإيمان ما هي إلا مرحله خداع النفس، فالعقل و المنطق كان يخالف إيماني و مع ذلك كنت أتغاضي عنه، و أحيانا كثيره كنت أبرر ذلك بأنه لا يعلم الغيب إلا الله. أما حالتي النفسيه فحدث و لا حرج، فكان الإحساس بالتقصير يلازمني، و الأحلام و الكوابيس تزيدني إكتئابا، فأخدع نفسي باللجوء إلي قراءه القران عل و عسي، و لكن ذلك كان مثل البانادول الذي يخفف الألم و لكن لا يقضي عليه. أما مرحله الشك فزاد فيه الخوف و زادت الكوابيس، فليس من السهل أن تهدم ما بناه الأهل و المدرسه و المحيط في سنوات، و هذا كان دافع لي بالبحث، كي يطمئن قلبي. أما مرحله الإلحاد فكانت أيضا تدريجيه، فأنا حتي لا استطيع أن اجزم أن الله غير موجود مع أني أعلم أنه غير موجود و لكن لم يعد ذلك يهمني، فعدا عن التغيير الكبير في حالتي النفسيه إلي الأفضل لأني لم أعد أعتقد أن هنالك قوي شر تستقصدني و قوي خير ألجأ إليها للحمايه، فالأحلام المزعجه و الكوابيس إنتهت من حياتي تقريبا، و أوعز ذلك شخصيا إلي تناسق عقلي الباطن مع معتقداتي الجديده. أما بالنسبه للمؤمن و نظرته للإلحاد فأقول له أن اليوم لم يعد يوم النظريات النظريه و الإفتراضات العشوائيه و لا حتي يوم البديهه و المنطق، بل هو يوم التجربه العمليه و المثبته بالدليل القاطع، فهل جرب ما يأتي به الإلحاد من آلام نفسيه حتي يفتي بفتواه و يحلل علي كيفه؟ لا أعتقد، و أغلب الضن هو أنه يأخذ بالإيمان بذلك بناء علي ثقافته الدينيه.

إن عبارات آيا تلخص قصة كل واحد منا تمكن من التغلب على خداع نفسه فتحرر بتغليب العقل الواعي على اللاوعي و على العاطفه والأماني. ولكن بداية نسأل أنفسنا مالذي قصدته آيا بخداع النفس؟ ..ولماذا أصلاً نقوم بتضليل أنفسنا؟

تعريف خداع النفس ببساطه هو :



هو قيامنا بتضليل أنفسنا لقبول وتبرير مُعتقدات ..خاطئه غير صحيحه.




خداع النفس يا أخواني وأخواتي هو سيءٌ شلبيّ! (عفواً كان ذلك من رجفة برد) ..أقصد شيءٌ سلبيّ ، وسلبيً جداً يجب علينا تجنبه ، لأنه توظيف للأنانيه والرغبات والتحيزات والشعور بالخوف و عدم الطمأنينه في عقلنا اللاواعي.

على سبيل المثال أن يكون احد الوالدين يعتقد أن طفله يقول الحقيقه ، رغم توافر الأدله القويه التي تقول أن الطفل يكذب عليه. فالأم هنا أو الأب يقوم بخداع نفسه وتجاهل الدليل الواضح لرغبة عميقة في نفسه بأن يكون طفله صادقاً. هنا يكون هذا الأعتقاد قوياً بحيث يتغلب على قدرته العقلانيه والتحليليه ..ويزيحها جانباً.

المثال السابق عاطفي النزعه ، و كثيراً ما يحدث بين المحبين – أسألوني انا فياما أدبّست- فأنت عندما تكون في حالة العشق ، تخدع نفسك بألف طريقه ..فتظن بأن حبيبك أو حبيبتك ليس له أو لها مثيل وتصدق نفسك ، رغم الأدلة وتصدق كذبه وكذبها عليك . أضف الى ذلك أن تكون و انت في هذا الشعور العاطفي وغارق لشوشتك في الحب ثم يأتي من يزيدك الصاع صاعين من الأهل والأصدقاء وكل من تعرف..ليقولون لك انك على حق! هنا تطمئن وتتمادى في خداع نفسك، وهذا مايحدث مع المؤمن بالله.. كيف؟



صديقي ظافر- رغم كل النصائح- مازال لديه امل بأن شعره سيتوقف عن السقوط ، لذا يقع فريسة سهله لإعلانات أدوية الشعر والكريمات والتي أنفق عليها من الفلوس ما يساوى حسنات قراءة القرءان عشر مرات في ليلة القدر ، والمسواك بفمه، وهو صائم و وجهه متجه للقبله و هو على وضوء، ويتفل الى اليمين، بينما يقرأ المعوذات واية الكرسي سبع مرات.

ومثل ظافر ، الكثير من الناس ينخدعون بشراء منتجات مزوره بسبب حالة التمنى التي يعيشونها فهذا فيتامين وهذا شرش الزلوع و هذه حبة البركه وذاك عسل صلعم العجيب ، وتلك آيات من القرءان السحري تحمي من الشيطان ..وتطرد الجان... ليس لأن ليس لديهم القدره على التفكير السليم ، بل لأنهم يقعون ضحيا لعدم تحليل المعلومات بصورة حياديه خارج العاطفه ، إذا هناك عاملين مهمين مؤثرين هما:

١─ وجود عاطفه التمنى أو التحيز أو التخوف.
٢─ وجود دعاية ومعلومات مُضلله.

هذا مايحدث مع المؤمن حين يقوم بخداع نفسه، هو يتمنى أن يكون مايظنه صحيحاً ، ثم يتولاه المُدعوذون بمعلومات مضلله..فيخدع نفسه.

المسلم يبرر لنفسه التفجير الأنتحاري بنفس طريقة خداع النفس ، وبدون أن يحس بالذنب من موت مدنيين أبرياء فيقول لنفسه: إسرائيل تضطهد الفلسطينيين إذاً فهذا جهاد لتحرير الأوطان. جورج بوش برر تعذيب المعتقلين في غوانتنامو بأنه حماية لأمريكا من الإرهاب ..وهو الشيء ذاته.





هناك قصة حقيقيه حدثت في العين عن رجل أعرفه أخبره أهله بأن زوجته تخونه، وقدموا له أدلة بالصور ، ومع هذا رفض التصديق، وإستمر معها ضد أهله.. فقد كان لديه تحيز عاطفي قوي لفكرة إخلاص زوجته له.

هل صحيح أن هذا الرجل فعلاً فعلاً.. لم يصدق خيانة زوجته؟ مع علمه بقوة الدليل والأثبات، يقول علماء النفس أن خداع النفس يحدث نتيجة صراع بين الوعي واللاوعي في عقلنا وعندما يتغلب اللاوعي نقوم بتأكيد تحيزاتنا وأمانينا فتطغى على الأدله والتفكير السليم.




قرأت مرة رأياً يقول إن خداع الأخرين هو عيب أخلاقي..أما خداع النفس فهو خلل وعيب منطقي، أنا لا أتفق مع ذلك ، لأن خداع النفس قد يضر بالأخرين أيضاً وخاصة في حالة الإيمان الديني بدليل ما يفعله المُؤمنين الإسلاميين بمجتمعاتهم من الضرر ، فبالتالي خداع النفس هو كذلك..عيب أخلاقي.

بررررر..برد موووت هنا ـ محبتي لكم ، وأمنيات دافئه ورجاء عاقل أن لا تخدعوا أنفسكم.







بن كريشان


ليست هناك تعليقات: