الاثنين

!! اللغة الحاقيدوشه



قبل ان أعرفكم على معنى الكلمه التي استخدمتها في العنوان ، دعوني اروي لكم حوارا جرى بيني و بين زميلي في العمل، الباشمهندس خالد، أثناء بريك الغداء، في الكانتين تناولت صفحة المنوعات لأحدي الصحف المحليه و كان بها صورة للممثله ناتالي بورت و قد حلقت شعرها عالزيرو، فيما يبدو انه استعدادا لدور في فيلم جديد، الباشمهندس رجل ملتزم دينيا مع انه ليس من النوع الحنبلي خالص او الوهابي

سألته هل تحتاج المرأة المسلمه ان ترتدي الحجاب اذا حلقت شعرها تماما و اصبح رأسها زي البطيخه الصيفي؟ ايه علاقة دي بدي؟ هكذا أجابني! فقلت له و ان لبست برينطه، فقال : و ان لبست برنيطه و كررها ثلاثا...حتى ظننت انه..عفوا، عوده للموضوع !! وعندما قلت له ان الاسلام يعتبر شعر المرأة فتنه لذا أوجبت الشريعه تغطيته بالحجاب فقال لي المرأه كلها عوره الا كفيها و وجهها، لذا فالحجاب فرض و لو حلقت المرأة شعرها

اليوم لا أريد ان اتكلم في موضوع حقوق المرأة في الاسلام و الحجاب و لكن اردت ان تنتبهوا معي الي صيغة الحوار و استخدام بعض الكلمات في لغتنا العربيه من ضمن المقدس، الكلمات الملونه بالأخضر هي كلمات من الموروث الديني و الذي يأتي الينا من اللغه المقدسه القديمه التي تؤثر فينا و تفرض علينا نفسها بغموضها و قدسيتها المصاحبة لهذا الغموض الممتد في غابر الزمن في بلاد الرمال

اللغه مهمه جدا لتحّضر الامم و قدرتهم على التواصل و تقبل الحداثه، لا بل اللغه هي جسر الانتقال الي الحداثه، و هو الشيء الذي لم يحدث لنا حتى الان، بينما يستعد الغرب و اليابان و غيرهم للانتقال الي عالم مابعدالحداثه

اللغه العربيه من اللغات التي تحولت بسبب الاسلام الي مايسمى " لينغوا فرانكا "، يعنى لغة تفاهم بين شعوب مختلفه، و لكنها في الاصل كانت مكونة من لهجات و أنماط نطق مختلفه، يرجع تطوير اللغة العربيه في الاساس الي شخصين أحدهما عربي و الاخر فارسي، الاول هو عبدالله ابن ابي اسحاق الذي بنى قواعد اللغه العربيه معتمدا على لهجات البدو باعتبار ان لغتهم نظيفه و لم تختلط كأهل الحضر وخرجت بعده مدرستان للغه هما مدرسة الكوفه و مدرسة البصره. و الثاني كان سيبويه و كان من فارس وهو مؤلف" الكتاب في النحو " مع ان القرأن باعتبار المسلمين هو كلام الله و لكنه لم يكن مصدرا مهما او ملهما لكتابات النحو المبدعه على يد ابن اسحق و سيبويه

أنه من الطبيعي ان تتطور اللغات مع مرور الوقت فتتغير معاني الكلمات و تكتسب أبعادا جديدا و قد تستعير اللغه من لغات اخري و تستنبط مفردات جديده بمرور الزمن، و لكننا في بلاد الرمال نعاني من حالة شبيهه بالديالجسيه و هي أستخدام لغتين في نفس الوقت واحده ميته وواحده حيه بدون ان نشعر بالفرق بينهما

اللغه القديمه التي كتب بها القرأن تختلف بشكل كبير عن اللغة العربية الحديثه التي نستخدمها الان و التي أثرت نفسها مع مرور الزمان بالأقتباس من لغات شتى، بل أن بالأمكان اعتبار اللغه المستخدمه في القرآن، برأيي الشخصي، لغه ميته.او منقرضه مثلها مثل اللغة اللاتينيه و النبطيه و المعينيه و لغات الجنوب العربي و الفينيقيه و العموريه و المؤابيه والاراميه و الاوغارتيه و العبريه القديمه .هذه اللغه العربيه القرآنيه في واقع الامر تحتوى على ضعف كبير يجعلها عاجزه عن التعبير بصوره طبيعيه في هذا العصر. مثلا حاول ان تستخدم لغة القرآن لتقول: " هذا تصميم هندسي معقد"، ولا واحده من هذه الكلمات الثلاث موجوده او ممكن استنباطها من كلمات اللغه القرآنيه القديمه. من الكلمات التي أدخلتها اللغة العربيه الحديثه و تفوقت على مايسمي لغة قريش أو لغة التنزيل هي كلمة" نوع" و هي كلمه لم ترد في اللغه العربيه القديمه الميته التي تستخدم كلمة لون أو جنس لتعنى نوعا، كلمة أستمرار أو استمراريه ، كلمة موقف ، القرار بمعني اتخاذ رأي، كلها من الكلمات المتطوره في اللغه العربيه الجديده لم تظهر في اللغه العربيه القرأنيه الميته

سجلت اللغة العربيه الحديثه قفزة نوعيه بظهور الترجمات في القرنين السابقين و ظهور المعاجم و تبسيط اللغه و تعريب كثير من الاشياء الحديثه، كلمة باقة ورد مثلا جائت من الفرنسيه بوكييه مثل كلمة مرفأ التي هي تعريب لكلمة وارف الانجليزيه. و يسجل هنا الدور الحداثي الذي قام به المسيحيون العرب و بالذات من لبنان و من في المهجر في اللغه العربيه الحديثه

ولكن القرأن باعتباره كلام الله النصي المباشر المقدس استدعي الكثير الي حفظه من قبل المسلمين بدون فهم لمعناه و الغريب ان ناطقي العربيه الحديثه يشتركون مع غيرهم من المسلمين غير العرب في عدم القدره على فهم طلاسم اللغه العربيه القرآنيه. و اليهود يشتركون مع المسلمين في أعتبار ان العبريه هي لغة يهوه و هي اللغه التي يتم التخاطب بها في السماء، كلمة حاقيدوشه بالعبري تعني مقدسه تأتي من كلمة قاديش العبريه التي تعني مقدس

اللغه العربيه الحديثه بدأت بالتخلف بسبب المد الدكتاتوري و ايديولوجيته التي منعت التلاقح الحضاري مع العالم ثم استمر هذا التخلف تحت ضربات المد الديني الاصولي الذي صار يعود الي اللغه الطلسميه القرآنيه الغير مفهومه و يستعير منها كلماتها المبهمه و التي تحورت معانيها ليقدمها بشكل مقدس مخيف و هناك الكثير من المصطلحات الدينيه التي بدأت تغزوا لغتنا العربيه و تقيدها فكلمة حجاب و عوره و فريضه وعلم الغيب و منكر و نجاسه و رجس والامه و الشرك و هي كلمات من الموروث الديني لبلاد الرمال و التي مازالت تكبل لغتنا الجميله و تمنع تطورها و تمنع اصحابها من القفز الي الحضاره من عالمهم الماضوي القديم

مثلا ، تري استخدام كلمة يعاقر الخمر، مامعنى يعاقر؟ هل يجوز ان اقول عقرت الماء؟ هل يجوز ان أقول المعقورات بدل المشروبات، لاحظ عندما يكتب الشرطه و القضاه في محاضرهم " زوجها يعاقر الخمر" ضبط المتهم و هو يعاقر الخمر" هذه الكلمه تنقل السياق من المدني الحديث الي الموروث الديني القديم و تعاقب الانسان على شيء قد لايكون جريمة اصلا في العصر الحديث، بتحريضها القادم من الماضي من خلال اللغة القديمه الميته. لاتستخدم كلمة يعاقر اليوم الا في هذا الموضع فقط، لماذا؟

العوده للماضي او النزعه الماضويه في بلاد الرمال بدأت بالظهور على اللغة العربيه الحديثه في منعها من تعريب الكلمات و البحث عن ماهو قديم، امارة الشارقه و حدها في هذا العالم قررت تعريب كلمة فاكس، فسمته البراق بشدة على الراء حتي لاتظنوا انه البراق الطائر. عند استماعك لأذاعة الشارقه التي لاتختلف عن اذاعة أبوظبي للقرآن الكريم تجد الشيوخ يقولون استلمت رسالة على البراّق. مع ان كلمة فاكس بحروفها الثلاث سهلة التعريب، فهي على وزن فقس، فممكن ان نقول فكّس و فكسني و فاكسته بكل سهوله. عندما ادخلت شركة الاتصالات في الامارات خدمة الفاكس لم تجد له اسما و خوفا من الانتقاد باستخدام كلمات اجنبيه قررت ان تترجم الكلمه الي " جهاز الاستنساخ البعدي " الان جرب أن تحولها الي فعل

من يسيطر على اللغه يتحكم في العقول، لو تركنا اللغة بيد شيوخ الدين و المتشددين، فسيعودن بها و ببلاد الرمال الي الماضي، فهاهم يستخدمون كما يستخدم الدجالون كلمات مبهمه لايفهم الناس معناها على انها كلمات السحر مثل جلا جلا و ابرا كدبرا. كنت أتذكر فترة تولع فيها أبي بالتداوي بالاعشاب و صار يشتري كتبا قديما تصف هذه الادويه، و سمعته مره يقول انه : كلما قرأت وصفة وجدت فيها نوعا من الاعشاب لم أسمع به و لايعرفه احد، فيقول الكتاب خذ كذا و كذا ثم امزجه بالدردبيس!! و هكذا يلجأ الشيوخ الي اللغة الميتة القديمه، ليس فقط في مفرداتها بل في طريقة استخدامها و التي تثير الضحك مثلا يأتي بكلمه ثم يتبعها ب ومادراك ..فيقول الدردبيس و ما ادراك ما الدردبيس..أو التكرار في الحديث و الرقم ثلاثه مثل ، سألت رسول الله فقال كذا ثم كررها ثلاثا حتى ..الخ

اللغه المكتوبه في القرآن ضعيفه جدا و مليئه بأخطاء تعبيريه و نحويه و بلاغيه كثيره مثلا يقول " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا " و البلاغة تستدعي أن يقول بعوضة فما اصغر، لأنه يريد ان يقول ان الله يستخدم الامثلة الدقيقه و الصغيره لا العكس! و الا فلم لا يقول فيلا فما فوق..مثل اخر على عدم ترابط السياق : " إليه يصعد الكلام الطيب , والعمل الصالح يرفعه "( فاطر) و الاصح بلاغيا ان يقول اليه يصعد الكلام الطيب و العمل الصالح " و بس.. اما يرفعه.. فزياده لاداعي لها، أو اسمع هذه " ولا تستفت فيهم منهم أحدا" ما معنى " فيهم منهم "بالله عليكم!! اما نحويا فحدث و لاحرج و هذه واحده على الماشي " و لن تمسنا النار اياما معدوده " و الصواب اياما معدودات...صباح الخير بالليل! و الله لو كان هناك
Book Review
في تلك الايام و كانت هناك كتب منافسه ، لسقط كتاب القرآن في المرتبه الاخيره لعدم التزامه بنصوص النحو و لا البلاغه و لا التعبير اضافه الي الاخطاء الأملائيه و النحويه و انعدام التبويب و التصنيف و الموضوعيه و الالتفافات المفاجئه من موضوع الي اخر بدون اية قاعده ولا أحم و لا دستور ، مع انه معجزة البلاغه عند من لا بلاغة له!!
يجب ان لا يحشر القرآن في اللغه فهو كتاب دين و ليس كتاب بلاغه او علم او شعر او أدب ، لغته لغة عفا عليها الزمن و اكل و شرب عليها

التخلص من قدسية هذه اللغه و تحريرها من قبضة الكهنه و السجّاع في بلاد الرمال خطوة كبيره للخروج من مستنقع الماضي و القفز الي الحداثه

بن كريشان




ليست هناك تعليقات: