الاثنين

الجميله..والجحش.

قبل ان يقفز أحدكم الى أي إستنتاج ، بإن مُشكلة جميع الإعتقادات الدينيه هي هلوسات وتهيؤات تنتج تعصبا وإرهاباً، أقول لكم ليس بالضبط ، فهناك المتعصبين والمتشددين من السلفيين و المتشنجين من الأخوانجيه الوطنيين، و لكن هناك ايضاً من يعيش على أطراف الدين، على الحافه. لا يمارسون طقوسه ولا تعالميه بنفس الحرفيه، مثل هذا الرجل الذي سأحدثكم عنه اليوم- إلا انهم لايقلون خطراً عن أولئك المتعصبين.

وصحيح كذلك أن المتعصبين من المسلمين، سواء من اصحاب اللحى المشعبثة ، والمُلثمات نقباً ، فالمتجلببات حُجباً ، فالمتحجبات جُلبباً ،فالمُوريات قدحاً ، فأثرن به ضحكاً ..كانوا دائماً مصدراً لإلهامي بسبب إرتفاع نسبة الهلوسه والتهيؤات بينهم، إلا أن هذا يجب ان لايجعلنا نغفل عن الغالبيه الذين يجلسون على حافة الدين، فهم الوقود الذي يُبقى بلاد الرمال في مستنقع الخرافه. ستجد فئة المؤمنين تنقسم الى من ولد مسلماً، او تحول الى الإسلام ، أو من تم غسيل دماغه ودعوذته فاصبح مُتعصباً متشنجحاُ متنرفزاً على الدنمارك، وتابعاً لأحدى جماعات الهلوسه كالسلف والإخوانجيين وجماعة التبليغ وغيرهم. إن الناس الذين أتكلم عنهم هم الفئة الأولى ممن ولدوا مسلمين، ولكنهم يعرفون عن يو تيوب و فيس بووك أكثر مما يحتويه دينهم الذي يتحمسون له..لاندري لماذا ؟ ربما كبديل عن الوطنيه أوالعروبه أواليساريه ..وكل شيء إفتقدوه في نظم التسلط الدكتاتوري السياسي عليهم.






كنت في طريقي لإلتقط طرداَ بريدياً من مكتب بريد الخالديه كانت كتباً قد طلبتها بواسطة أمازون ، توقفت عند الإشارة الحمراء وفتحت الطرد وأخرجت كتاب عنوانه مي مي مشين لسوزان بلاكمور وهممت بتصفحه..وفجأة صدحت فرقة الجيش العسكريه تعزف على أغنية دق المهباش ياسويلم ودع النيران شعاله..قفزت مرعوبا!! وطار الكتاب من يدي... آه الحمدلله لم يكن إنقلاباً عسكرياً في ابوظبي، أنها مجرد رنة المُوبايل الخاصة التي وضعتها –لابد إنني كنت سكران عندما عملتها- لصديق إسمه المُقدم سالم بن جوعان ،وهو عسكري بدوي في الجيش. فأبلغني المقدم بأن الدكتور سامر حلاوه ، الذي كلمني عنه ، موجود بأبوظبي وسيقابلك أينما تحب. فإقترحت عليه الخالديه مول القريب مني ..فالأقربون اولى بالمعروف.

في نفس المركز هناك سوبرماركت كبير إسمه لولو سنتر دخلته وأشتريت كيساً من الشعير لجيف، وهو حمار متشرد يعيش في البر بالقرب محطة الارسال في ناهل التي تبعد بثلاثين كيلومترا عن مدينة العين فقط..انا اشتري له الشعير عادة من جمعية المزارعين بالهَير..وبما إني سأعود للعين عن طريق سويحان غداً، فقلت اخذ الشعير معي من العاصمه..فقد يقدّر جيف ذلك، وإن لا افعل ، يأتي ويظل يحملق بي طوال اليوم بوجهه الطويل ..وعيناه الناعستان ذات الأهداب الطويله وسأشعر بالذنب . و قد سميته جيف، نسبة الى بروفيسور لي إسمه جيف ماكنوللي كان يدرسني الميكانيكا الإحصائيه في كاليفورنيا ، فقد كان ذي وجه طويل مثله.




لم أتوقع ان يصل د.سامر حلاوه قبلي وينتظرني في الكافيه، وكان مع إمرأة جميله عرّفني عليها ب "زوجته" بدون إسم. هو مُدرّس بالجامعه الأمريكيه في الشارقه ، وحسب ما قاله لي المقدم سالم ، فهو يحتاج الى مساعدة في بحث يرغب في أن يقوم به عن مدينة العين. د.سامر كان في منتصف العمر، في المرحلة التي يندر فيها نمو الشعر على الرأس، ويخرج بغزارة من فتحات الأنف والإذن. وكان معه موبايل صغير جدا ، يخيل لمن يراه..وهو يتكلم فيه بأنه سيسقط في قناة اذنه ..ويختفي في قاعها..جذعه يميل الى البدانه ، بينما ذراعاه وساقاه هُزلٌ ، وله إبتسامة نصّاب لاتنافسها إلا إبتسامة محمد سعيد الصحاف..ولكن " زوجته" التي لم تنبس بكلمة خلال اللقاء، كانت جميلة جداً رغم مُبالغتها بالمكياج قليلاً..عمرها لايزيد عن الخامسه والثلاثين ، وشعرها الأسود الفاحم أغرقته بنوع من الجل فبدا رطبا مُبللاً ، وكأنها اخذت دوشاً إستعداداً للسيكس. ولبست بلوزة سوداء لها فتحة عنق واسعه ، تجبرها على إظهار أحدِ، أو كلا كتفيها المرمريين. وبنطلوناً رمادياً ضيقاً جداً جداًُ عليها لا أعرف كيف تمكنت من إرتداءه..لا استبعد إنها إستخدمت نفس الجل الذي بشعرها لتزييته، ولولاه لما تمكنت من الإنزلاق بداخله.. ظلت الجميله تدخن طوال الوقت، كمية الدخان التي نفثتها خلال اللقاء كانت كافيه لإحداث ثقب اوزون صغير فوق مدينة أبوظبي. وكانت تكتفي بهز الرأس موافقة معنا، واحيانا تفلت منها إبتسامة صغيره..لا إنها نصف إبتسامه فقط - تنفرج عن نصف شفتيها على اليسار فقط ..بينما يظل النصف الأخر على اليمين.. في حالة من الجد. لايخفى على الناظر انها و د.سامر لايركبان مع بعض ابداً..كالجميله والوحش.






من الواضح أنك مثقف..قال لي اولاً بعد السلام مُباشرة وبدون أن يعرفني أو حتى يتكلم معي! أأنت من برج الحوت؟ لا ، أجبته : لست من برج الحوت ، ولا أؤمن بالأبراج ابداً. كان حديثنا يدور باللغه العربليزيه كونه عاش مدة طويلة في أمريكا ، ولايجيد الإصطلاحات العربيه تماماً. قال : أتصدق ان أخي الذي يعيش بأمريكا يستطيع ان يعرف بدقه برج اي شخص بمجرد ان ينظر إليه لثلاث دقائق؟ بإمكانه ان يضع اصبعه عليك هيك..ثم وضع اصبعه على ركبتي..ويعرف شو المرض الذي تشتكي منه. قلت له: ربما، ولكنني لا اصدق إلا بالعلم، سألته : مالذي تدرّسه بالجامعه الإمريكيه بالشارقه؟ فأجاب: الأداب المقارنه للشعوب..وتابع مسترسلاً: ماهذا الكتاب الذي معك؟ قلت له:جلبت هذا الكتاب معي من السياره لأتسلى به فقد توقعتك أن تستغرق بعض الوقت للوصول الى هنا. فقال: كنت في السفارة الفرنسيه وقالوا لي هناك ان المكان قريب ، ثلاث إشارات مروريه فقط وأنا هنا. ثم تناول الكتاب مني وصار يُقلبه.

انت لاتؤمن بالأبراج ..و لكنك تقرأ لمن يقول لك ان أجدادك من القرود، هل تؤمن بنظرية النشوء والأرتقاء؟ أجبته : ومن انا حتى لا اؤمن بها؟.. انها نظرية علمية مثبته لاغبار عليها. فقال: وكيف تعرف ذلك؟ فقلت بإستنكار: لا بل اعرف ، أستاذي العزيز انا خريج من أحد افضل جامعات كاليفورنيا وبتخصص علمي ، وأعرف جيداً ما اقوله. هنا بدأ يتراجع في موقفه فقال: ..نعم ولكن هناك خلافات كما تعرف عن أخلاقياتها ..مثلاً انت تعرف بأن هناك إمكانيات علميه لأمور عديده مثل نقل الأعضاء البشريه، وغيرها ولكنها لاتتفق مع الأخلاق الإنسانيه. وهنا اعطيته القاضيه: الأخلاق الإنسانيه كما تعرفها الأديان ..أو كما تصفها الأبراج؟ فالعلم لايعبأ بالأثنين. فتبسّم وقال: اعتقد إنك لست الحوت ، أبُرج الحَمل أنت؟


المهم أتضح انه لم يكن يرغب في عمل بحث عن العين بل كان يريد ان يجد من يعرّفه على احد بجامعة الأمارات بالعين ليستطيع تدريس منهجه فيها في أيام الثلاثاء والخميس التي لايكون مشغولاً فيها . أنا لا اريد ان أزيد جامعتنا الغارقه بالمتدينين والمهلوسين بللاً لينضم إليهم دكتور جامعي يؤمن بأبراج الحظ. فالنترك د.سامر قليلاً..لأحدثكم عن الخطأ في كلامه ، و سأعود إليه لاحقاً لإخبركم ..كيف انتهى حديثي معه بأخر المقال.







يدعيّ المسلمون بأن نظرية النشوء والإرتقاء لتشارلز داروين غير متوافقة مع الأخلاق، والحضاره وبالطبع الشريعة الإسلاميه الخطيره. وبما أنه ليس لديهم أي حجج وأدلة علمية على خطأها، فهم يقدمون عوضاً عن ذلك ، حُججاً دينيه وإجتماعيةً و أخلاقيه!!فهل هذا كافي لإبطال نظرية التطور؟

حتى لو كان مايدعونه من هذه الحجج صحيحاً، فلن يشكل ذلك نقداً علمياً ولن يصبح سبباً وجيهاً يدعونا للتظاهر بأن نظرية التطور ليست صحيحة.

من أكثر هذه الإنتقادات شيوعاً وإنتشاراً هو إنتقاد أخلاقي في ظاهره، فحسب مُعارضي هذه النظريه من المُسلمين فهي تدرّس الناس بأن أصولهم تعود لفصيلة القرده. اي أنها ستعلم اولادنا بأنهم في الأصل حيوانات وليسوا بشراً خلقهم رب الرمال على اكمل صورة عنده فوق في السماء..وليس على هذه الأرض. هذا الأنتقاد يُبطن تلميحاً بأن الأنسان عندما يعمل الله معه معروف ويخلقه من طين وعجين ونطفه وصلصال مهين..وكل قاذورات الأرض ، فبالتالي يجب أن لايكون جحوداً ناكراً لفضل الله عليه لأنه لم يجعله حيواناً كالقرد .. فبالتالي عليه ان يسمع كلام ربنا ، ويفعل بالضبط ما يطلب منه في الكتب ويطيع ممثليه على الأرض من مليشيا الولد مُقتدى صدر در ساخت ..و طالبان أو جماعات السلف والقاعده و فرقة حسب الله.
يحاول اصحاب هذا الأعتراض أن يقدموا حُجة "أخلاقيه" مفادها أن الإنسان هو نتاج الإراده الألهيه ، فعندما يظن أخينا أن أصله حيوان، فسيتصرف كالحيوانات، بدل ان يكون كالملائكه. مما سيجعله يتوقف عن الرحمة بالأخرين ويفقد الأمل بالمستقبل في هذه الحياة ويصبح أنانياً عديم الأخلاق..وقد يفجر نفسه بالأبرياء في الأسواق!! ..عفواً تجاهلوا النقطه الأخيره ، فهي من الجهاد الإسلامي المقدس..ولاتعبر عن حال من يصدق نظرية داروين.






هذا الكلام لا يتفق مع ما تقوله النظريه أصلاً بل مع الرؤيه الإسلاميه الضيقه والجامده . إن فهم الإسلام للحياة والأمل والأخلاق نفسه يتم تحديده بنفس الرؤيه الضيقه هذه. وعندما يسلم الأنسان عقله كاملاً لهم ، ماذا تتوقع منه أن يصبح، أنا لا أتحدث عن المتشددين والمتعصبين والمتشنجين ضد الدنمارك بل، رجال حليقي اللحي، ونساء يلبسن الجينز وقد يضعن الحجاب وقد لا..ولكن رؤيتهم لنظرية التطور لاتتعدى المفهوم الديني الملقن لهم ويحملون نفس الرؤيه الضيقه.

لم اقابل في الأمارات أحداً يفكر هكذا عن نظرية داروين؟ قال دكتور سامر، ثم مال بجسمه على الطاوله وتابع: يازلمه أنت مش عارف انوه داروين ياهودي؟ أتعرف ان طلبتي كلهم مسلمين وعرب من إماراتيين وخليجيين ويتكلموا عن دينهم بفخر ..هذا شيء افتقدته لما كنت عايش بأمريكا..لاتفهمني غلط ، والله شعرات ايدي بتوقف وانا احكي لك عنهم ، هذولا مش طلبه متعصبين من الذين يربون اللحيه ، بالعكس يلبسون حلو وشيك ومودرن ..ولكن هذا لايعني انهم مش مؤمنين- اثناء حديثه هذا سمعنا صوت الآذان بالمركز التجاري وصار الناس يتوجهون للمصلي الذي كان بنفس الطابق..ولم يذهب د.سامر رغم حماسته ليصليّ- انا لوقلت لهم داروين كلامه صحيح ، تابع قائلاً.. يزعلوا ويعصّبوا، مايقبلوها أبداً.






فاجأني بسؤال بالإنكليزيه: هل انت مُلحد؟
أجبته: وهل انا قلت لك إنني مُلحد؟
قال: لا ولكنك تستخدم كلمة عقلانيه..والكتاب الذي معك عن سيرة كاتب عقلاني استرالي..في أمريكا كل الذين يسمّون أنفسهم عقلانيين يكونون ملحدين.
قلت: هذا ليس شرطاً ..أنه تعميم مطلق.
قال: عفواً كل واحد حر برأيه..وأنت ايضاً ، ولكن حبيت أوضح لك انه كمان كثير من هؤلاء العقلانيين يهود.
قلت: صدقني انا أفضّل ان اكون عقلانياً على ان أكون مُدعوذاً.
قال: مالذي تعنيه بمدوعذ؟
قلت: مدعوذ وليس مدوعذ..هذا مصطلح باللغه العربيه يعني عكس العقلاني.
فأخذ ورقة أخرجها من جيبه العلوي وكتب عليها مدعوذ بالعربيه وهو يقول: سأنظرها في القاموس ، والله الواحد صار له زمان متغرب ، ونسي كلمات اللغه العربيه.




هذا واحد من ملايين العرب الغير متعصبين والمودرن الحلوين ولكن رغم الشهادات وتعليم الجامعه والدكتره فهم متأثرين بنفس الرؤيه الاسلاميه الضيقه، أنهم رغم اشكالهم الخارجيه لايستفيدون من العلم ولا يقدرون قيمة الحضاره ولا جمال الحريه التي ينعمون بها اليوم، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يتهدد العقل في بلاد الرمال، فهؤلاء يصبحون وبلا وعي..القاعده الشعبيه للأصوليه الإسلاميه و للمتشددين للوصول الى طموحاتهم الظلاميه الرجعيه.

لو كانت مُشكلة بلاد الرمال مثل الدول الأخرى، أقليه من المتعصبين والمهلوسين مقابل أغلبية عاقله، لما صار حالنا من البؤس ماهو عليه..ولكن مشكلنا الأكبر هو أن القاعده الجماهيريه كلها موبوءة بذات الداء..وتحمل نفس الرؤى الزبردجيه الخياليه.


دفعت الحساب، و وقفت مودعاً، وقام د.سامر واقفاً ، فتأملت قميصه الغالي من
بول شارك والسلسلة الذهبيه التي تظهر من خلف ياقته، وقلت في نفسي، هل سيحصل هذا الرجل على هذه الحريه بلبسه وهندامه وجلوسه مع الجميله في المقهى لو أستلم الإسلاميون مقاليد حكمنا؟ كنت اشاهد برنامجاً وثائقياً في الجزيره عن اللاجئين العراقيين في سوريا والأردن..وكلهم بلا إستثناء سواء كانوا شيعة ام مسيحيين ام سنه..هربوا من افعال المليشيات الإسلاميه بهم..رأيت أطفالاً شوهوا و تشردوا واصيبوا بعاهات مدى الحياة بسبب فرق الموت الاسلاميه التي تجوب البلاد وترسل رسائل التهديد، للحلاق..للمرأه الغير محجبه، للمسيحي، للشيعي، للسني..لمن يبيع الورود، لمن يبيع اشرطة موسيقى ولمن يبيع موبايلات ..لقد كانت حالة من الهوس الجهادي السعيد ..نفذه هؤلاء المتعصبون الاسلاميون ضد غالبية الشعب المسلم . يعنى أن من قام بتشريد مليون ونصف عراقي هم الاسلاميون وليس الامريكان. وحتى لو سقط نظام صدام على يد الاسلاميين،أو سقط على ايديهم أي نظام عربي أخر فسيحدث الشيء ذاته..وهذا مافعله نظام جمهورية الملالوه في إيران بالضبط، فهل هناك من يعتبر؟ أبداً..الجماهير العربيه التي تعيش على حافة الدين، لاتفهم حقيقته ، ولكنها مسحورة به.






في قصة الجميله والوحش، يزول السحر ويعود الوحش اميراً بمجرد ما يخفق قلبه بالحب..المُشكله هنا في بلاد الرمال انها قصة اخرى مُختلفة تماماً..إنها قصة الجميله والجحش.

بن كريشان

هناك تعليق واحد:

aras111 يقول...

لا فض فوك يا بن كريشان العظيم