الاثنين

التدريب على طاعة الخالق



كنت أتكلم فقط مع الجرسون، عندما تغيرت ملامح وجهه فجأة.. وتجمدت تعابيره، وسقط فكه الى اسفل، ثم تبلقتّ عيناه وصعدتا الى أعلى..وشحب وجهه و أختفي لونه.. وأرتسمت نظرة الموت على اساريره ..ظننت لوهلة إنه ربما.. قد ُطعن في رقبته بسكين من الخلف من قبل أحد الإسلاميين ..مثلما غُدر بثيو ڦانڠوخ

أخذ الأمر دقائق قليله لأستوعب ماحدث.. وكأنني ألقيت قنبلة ناڀالم بالمطعم الإيطالي بدون أن أنتبه وبلا قصد ، دعوني أحكي لكم القصه من البدايه

دعوت صديقا إسمه فؤاد وزوجته كريستين الى العشاء في مطعم پريڠو الإيطالي المشهور بأبوظبي، فعرض علينا الجرسون قائمة النبيذ..فؤاد وكريستين من اللطافة بأنهما يدعواني دائما لحفلاتهما الخاصه بالبيت ، مع إنني عزابي وحيد ضمن جموع المتزوجين من اصدقائهم، وكانت هذه طريقة لأرد لطفهما معي

أنا وقائمة النبيذ، وكما تعرفون فأنا لا افرق بين طعم النبيذ وطعم الخل بالسلطه، وكم تمنيت لو أنهما أختارا نبيذهما ..ولكنهما دفعا بالقائمة الي وطلبا مني الأختيار على ذوقي قائلين إنهما لم يسبق لهما تجربة هذا المطعم

الأسعار كانت جامده شوي..بعض الأصناف تصل الى الف درهم! فأخترت نوعا إسمه شاتوألما ڤيرا سنة الفين- بثلاثمائة وخمسين درهما، تقريبا يعني مئة دولار، وكلنا نعرف مبالغة المطاعم بأسعار النبيذ

وبعد ان جاء الجرسون ، فتح النبيذ وقدم لي قليلا منه لأتذوقه..قمت ببعض الحركات، من تدوير الكأس والتظاهر بأنني أختبر جودته☻..وكان الجرسون يبدو عليه الأمتعاض وكأنه يريد ان يقول لي خلصنا يا أخي..ولكن وبعيني المدربه على قراءة العددات في المحطات..قرأت على الزجاجه سنة ألفين وخمسه..وأنا أتذكر جيدا بأن القائمه كتبت شاتو ألما ڤيرا سنة الفين.. وما أن سألته و ببراءة: هناك خطأ ما..لقد طلبت زجاجة سنة الفين.. ومن أن تفوهت بذلك حتى تغير شكل الجرسون، وتطربقت الدنيا بالمطعم



أولا إنكار شديد لخطأ في القائمه، ثم جاءت الأنسه إزابيلا مديرة پريڠو بنفسها وذكرت أن الخطأ كان في طباعة القائمه فقط، فقلت لها أسف كيف يدفع الزبائن هذا المبلغ الكبير لنبيذ رخيص؟ سيدي قالت إيزابيلا كما قلت لك إنه خطأ في الطباعه غير مقصود، وسيكون الطعام مجانا لكم الليله من باب الإعتذار

إسمحي لي أنستي، قلت لها، لن يدفع أحد لضيوفي هنا.. ولا أريد طعاما مجانيا منكم، ولا أريد نبيذا من عندكم لأنني لا أثق بقائمتكم ، فمن يعلم كم هناك من الأخطاء المطبعيه الأخرى

ما رأيكم بأن نأخذ بيره؟ قلت لضيوفي، بالأنكليزيه وهي تسمع..فليس مضمونا أن نحصل على نبيذ جيد هنا، ثلاثه ڀاينت بيره هاينكن لو سمحت

في تلك اللحظه وددت لو اخذت صورة لوجه الأنسه الأيطاليه المتوتر فقالت سيدي ستفسد طعم الأكل بالبيره فمطبخنا متخصص بالطعام الأيطالي من صقليه ومن الأفضل تناول النبيذ الصحيح معه لا تقلق من السعر فسيكون مجانيا

ثلاثه ڀاينت بيره هاينكن بارده جدا.. لو سمحت. قلت لها، فقالت نحن لا نقدم كؤوس الڀاينت إنه غير مسموح هنا كما تعلم ، أستطيع إحضار زجاجات بيره بكؤوس عاديه

أنا متأكد إنكم تستطيعون حل المشكله، أجبتها فالبار لايبعد اكثر من عشرة أمتار من هنا..ولديهم كؤوس الڀاينت، لو سمحت؟

لقد كانت البيره بالڀاينت مع أطباق توّنو سوتوليو الصقلي وطبق ساردي ريپيني وكذلك ڀيڇيه سپادا أروستا أللا سيسليانا ، أكثر من رائعه ومناسبة بالتأكيد..أفضل من نبيذهم الحامض

أعتقد بأن النبيذ ليس فيه صح أو خطأ وإنما آراء..لذا فإن كنت لا تستسيغ طعمه، فلا يجب أن تقبله لأن رأي الجرسون أو الأنسه إزابيلا ليس بالضرورة صحيحا..

كنت أقوم بتنظيف موبايلي من رسائل نصية قديمه حين إستوقفتني واحدة أيام عيد الأضحى " تقبّل الله طاعاتكم" . هل هناك فضيلة أخلاقية في الطاعة؟ ولنضع ذلك بعبارة أخرى هل طاعة الإله..فضيلة من الفضائل أو من القيم الأخلاقيه الإنسانيه؟





يقول القرءان في سورة النساء" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً

وفي حديث " قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه : بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا"

وقال صلعم " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"

وقالت البقره- أقصد السوره طبعا- وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير

وروى مسلم: اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم

نفهم مما سبق إن الصواب والخطأ محكوم فقط بما يريده الله. فالأخلاق والقيم والمباديء هي مايريده رب الرمال منا أن نفعله.. والخطأ هو ما لايريده أن نفعله. وهنا نتساءل أهذا كل شيء؟ هل نستطيع أن نعتبر هذا مثلا نظرية أخلاقيه ممكن الأعتماد عليها

أن نظرية الأخلاق المعتمده على الطاعة الألهيه ومرتبطة إرتباطا وثيقا بالأيمان الديني -وليس بما هو صواب أو خطأ من الناحية الأخلاقيه - بمايعني إنه ليس هناك من نظرية أخلاقيه أو مباديء وقيم في الأسلام، مالم يوجد هذا الأيمان الديني. فليس هناك أخلاق أصلا

ولكن هناك آيات وأحاديث تدعو الى حب الله وليس طاعته فقط

ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ

وفي القرأن

قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ



دعونا نتفكر معا، إنهم يقولون بأنه ليس هناك معايير للصواب والتصرفات الأخلاقيه، هناك فقط رغبة الله بشيء ووجوب طاعته فيما يريد، ولكن هذا ينسف مبدأ دينيا مهما و هو محبة الله..فالمحبة هي إمتنان وتقدير لشيء قد قام به..وليس لطاعة عمياء أشبه بطاعة الدكتاتور

الطاعة العمياء التي تفرضها النظم الدكتاتوريه المتسلطه لاتعتبر قيما وفضائل بل العكس، وبالتالي لا تكون موضع حب من الناس، وقد يحب الناس بعض القادة لما قدموه من افعال وخير. فالحب يتبع فعلا محمودا..قد يكون هو الفضيله والأخلاق والخير

ان إجبار الناس على الطاعة عند أتباعهم لأوامر إلهيه، مهما كانت غير عقلانيه ومهما كانت النتائج الناجمه عنها- ليس من الأخلاقيات السليمه- إنها طريقة رائعه لأستغلال الناس وحكمهم وجعلهم يطيعون ويتبعون اي قائد يدعي إنه يدافع عن العقيده والدين

متى ماتساوت الفضيله والأخلاق مع الطاعه، اصبحت عدم الطاعة ذنبا وأصبح أي تساؤل في طبيعة الإعتقاد الديني والمؤسسة الدينيه والسلطه الدينيه مرفوضا






ولا أحد يستغرب وجود مطلب الطاعة التامة للإله و من يمثله، فالأديان وبدون إستثناء بطبعها تسعى الى عدم التغيير والمحافظه على الوضع للأبد

إذا لم يكن هناك وجود لمباديء أو قيم خارج إرادة الله، فتصبح إرادته وحدها هي القيم والأخلاق- وحالما تصبح كذلك تخرج من كونها قيما وفضائل أخلاقيه وتصبح عشوائيه

وعندما تصبح رغبة الله وإرادته مجرد عشوائيه، فلا يستطيع أحد ان يجزم أي فعل أو مبدأ أكثر أخلاقية من الأخر


هؤلاء المتطرفون الأسلاميون الذين يدّعون بأنهم يجاهدون نيابة عن بقية الأمة الأسلاميه إنما يمثلون رغبة لهذا الأله الطاغيه المزعوم بطاعته التامه لأنه يريد تطهير المجتمع وتنقيته . تطهير المجتمع وتنقيته تعنى بالنسبة لهم تطبيق نوع عقيم من الطقوسيه و فرض أيدولوجية شديدة السذاجه تمنع التفكير والمعارضه ...ولكن الواقع هو أن هذا النقاء الذي ينشدونه هو إستحالة لأنه متعارض تماما مع الطبيعة الأنسانيه وفوق إحتمال أي بشر، مثل صلاة الفجر التي لايقدر عليها الا قلة من الناس وعندها.. وبدل الأعتراف بفشل وإستحالة هذه الأيدولوجيه..يلومون الناس الأبرياء ، ويتهمونهم بالتقصير في طاعة الله، طاعته العمياء التي لاتقبل تساؤلا ولانقاشا ..مهما كان غباء الفعل والتصرف المطلوب منهم القيام به ، ويصبحون أهدافا للعنف والذبح والتضحيه والتصفيه.. للوصول الى هذا النقاء المزعوم






بدون الطاعة التامه يصبح من الصعب تمرير أمور كثيره على العقل، كثير من السلوكيات المضحكه العديمة الجدوي التي يمارسها السلفيون مثلا أو يصر عليها أتباع الأخوان وغيرهم من فرق التدين والتشدد تعكس هذا والأمثله لاتعد ولا تحصى في سلوكيات الإسلاميين بالنسبة للمهازل التي يتفوهون بها أو يمارسونها


إن كانت المباديء والقيم هي مايريده الله فقط ، فكيف نصنف أولويات مبادءنا وقيمنا..فهل تصبح الصلاة مثلا أهم من إنقاذ حياة إنسان..و حريق مدرسة طالبات مكه مثال على ذلك عندما منع أفراد الشرطه والهيئه الدينيه المسماه الأمر بالمعروف ، رجال الدفاع المدني من الدخول وإنقاذ الطالبات.. لأنهم من غير المحارم ..هذه هي العشوائيه الغبيه التي يخلقها الأعتماد على طاعة الله في مبادئنا وقيمنا


***

قالت كريستين زوجة فؤاد ..بن كريشان لم نكن نعرف إنك تفهم بأمور النبيذ..كيف عرفت أنهم أحضروا الزجاجه الخطأ؟


أجبتها – وبكل ثقة وفخر-: أححم..لقد كان يريد ان يغشنا ببيعنا نبيذا رخصيا..ولكن على مين؟ إنه لا يعرف أنني عشت في كاليفورنيا..وقد كنت أشترى نبيذي المفضل مباشرة من مزارع الكروم في وادي نيپا ، حيث يعتقون أفضل أنواع النبيذ في العالم..ودعوني أخبركم بأن النبيذ الطيب، يعتمد على ركائز مهمه كثيره..تملأ كتبا لو شرحتها ولكن حتى لا أثير فيكم الملل..فسأبُسط بعضها لكما، فأولا عبقه المميز ..و ثانيا كثافته.. ثم بالدرجة الثالثه توازن طعمه..واخيرا ميله الى...بلا بلا بلا

بن كريشان




هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

الم تسمع ان الضرورات تبيح المحظورات لتقول " العشوائيه الغبيه التي يخلقها الأعتماد على طاعة الله في مبادئنا وقيمنا" ,,اذا حدث تصرف خطأ من شخص ما لا يعني ان الدين يأمر به,,وهات ادلتك من الدين وليس من تصرفات المدعين للتدين ,,وبالمناسبة الدين يامر بالطاعة ولا شيئ من اوامره يتنافى مع العقل والمصلحة