الحب و الكراهيه..و الحضارة الغربيه




أطل علينا الثنائي القبيح أسامه و ابومصعب هذا الاسبوع في رسائل لشعوب بلاد الرمال، ليس من جديد في رسالتيهما هذه المره سوى ان الاثنان كانا يحاولان التأكيد على حقيقة وجود حملة صليبيه ضد
بلادنا.. مثلا قال الزرقاوي ان قطع المساعدات الغربيه عن حماس هو دليل على هذه الحمله الصليبيه، بينما قال بن لادن ان اتفاقية السلام في السودان مع الجنوب وما يحدث في دارفور هو كذلك دليل على حقيقة هذه الحمله الصليبيه

يبدو لي ان البائسان مستميتان في محاولة وضع انفسهما في صدارة مقاومة الغرب الصليبي في بلاد الرمال..لذا فهما يستحقان الشكر والتأييد ثم يعودا الي حجورهما

كراهية الحضاره الغربيه من الثوابت في بلادنا و التي تأخذ كمسلمات بلا نقاش..العداء تجاه الحضارة الغربيه في دم كل انسان عربي لا شعوريا بعد ان تم حقنه بجرعات الكراهيه في المدارس و المساجد و الاعلام الحكومي



خطر الحضارة الغربيه عندنا دائما هو تعميم مبسط حتى السذاجه

و لكن في موقع بلاد الرمال ، لا يمكن ان ندع ثابتا من الثوابت يمر علينا مرور الكرام..بدون ان نتفكر به ونعرف كيف تم تنصيبه صنماعلى عقولنا

لماذا يرى العرب ان صراع بقائهم يكون في مقاومة الغرب و حضارته تماما و منعها من التأثير عليه ؟ وما معنى الحضارة الغربيه اصلا؟

أن فهم سبب هذه الكراهيه مازال غامضا على الامريكان الذين كتب احدهم مقالا بعد حادثة نيويورك بعنوان لماذا يكرهوننا؟ الاوروبيون في الجهة الاخرى لايعرفون سبب هذه العداوة تجاههم..بعد انتهاء الحروب الصليبيه بقرون طويله تغيرت فيها الدول و الشعوب اكلت الرمة فيها اجساد شارلمان و ريتشارد قلب الاسد و معهما صلاح الدين

الحضارة الغربيه اليوم تعرف بأنها الانجازات الفكريه والثقافيه و التكنولوجيه و التي خرجت الى العالم من اوروبا الغربيه..اخذ المهاجرون نفس الثقافة الي الولايات المتحده واستراليا، مقابل كلمة الثقافه الغربيه، هناك كذلك الثقافه الاسيويه و الثقافه السلافيه و الثقافة الاسلاميه

تعتبر الحضارة الغربيه هي اكثر الثقافات تأثيرا على العالم على الاطلاق و هي ليست ذات جذور دينيه او مسيحيه..بل تعود بجذورها الي العقل الاغريقي العلماني المتفلسف و الذي يضارب في جميع المواضيع، مثل سائق التاكسي في اثينا الذي قلت له خذني الي بلاكا..فقال : لماذا تريد ان تذهب الي بلاكا ؟ هل كانت بلاكا هي وجهتك اصلا؟ ام انك قد تكون تحاول ان تجد مطعما يونانيا لتكسير الصحون ، ربما لاتحتاج بلاكا ان كنت تريد شراء بعض التذكارات، فقلت له ماعلاقتك بذلك؟ فأجابني ذلك سيؤثر على الطريقة التي سأسوق بها السياره


الحضاره الغربيه هي الاولى في العالم التي تخلصت من سطوة و تأثير المؤسسات الدينيه، ولكنها لم تكن بلا اخطاء و اكبرها الاستعمار حيث كان استعمار الشعوب سببا في نمو الكراهيه و التي ظهرت مع حركات التحرر الوطنيه، اضافة الي التأييد الامريكي الغير محايد لأسرائيل

مع هذا كانت هناك فرص استراتيجيه كبيره لدينا، فأسرائيل لا تشكل اي اهميه استراتيجيه في الواقع لأمريكا وخاصة بعد سقوط السوفييت، ولكن اندفاعنا الي جهة اليسار جعلها تبيع نفسها اولا كحامي للمصالح الامريكيه ضد بحر اليسار العربي، و الان تبيع نفسها كديموقراطيه ضد الدكتاتوريات و الأرهاب الديني..ان الذكاء الاسرائيلي في التعامل مع ردود فعلنا الغبيه..هو الشيء الوحيد الذي يجب ان نفهمه..يجب ان لا نلوم اسرائيل و الغرب بل الاخفاق السياسي العربي و الفشل في قراءة المتغيرات..فالعالم يسير في ناحيه، ونحن نسير في ناحية اخرى كل مره

بلاد الرمال تأثرت منذ بداية حركات التحرر و الوطنيه من الاستعمار و التي انتشرت في العالم كله، و منها بدأت منهجا في الكراهية لم ينته حتى الان لدينا ، مع انتهاء اسبابه، وحتى في وجود مناخ كان من الممكن فيه تحقيق تسويه للخلاف السياسي القائم بسبب اسرائيل يمنح فرصة لتوفير فرص العيش والانتاج..كان هناك دائما من يظهر و يستغل هذه الكراهيه الدفينه و يثيرها لتبقي هذه الرمال في زوبعة دائمه لاتهدأ و لا تسمح بالبناء والتقدم، معظم دول العالم عانت من استعمار..ولكنها مضت قدما بعد انتهائه و اخذت بأسباب النهضه و دخلت لعبة المصالح..نحن لا نفهم في السياسية غير العواطف..ومن اجل ذلك ارقنا دماء مئات الالوف من ابناء هذه الارض


أن مقاومة الحضاره الغربيه كان متواجدا على الساحة في بلاد الرمال قبل ظهور الاسلاميين بقوه، وهم يرددون نفس النغمه التي كانت الحركات الوطنيه تعزف عليها، الا و هي كراهية الحضاره الغربيه و تحميلها كل الفشل و البؤس الذي نعاني منه.. فمثلما كانت النظم العربيه الانقلابيه تصب عداوتها و نقمتها..على الاستعمار والمؤامره الامبرياليه التي تريد اخضاع الشعوب و الاستيلاء على ثرواتها..يقول الاسلاميون انها مؤامره عالميه و لكنها صليبيه يهوديه هذه المره ، تهدف الي احتلال بلاد المسلمين....فهل تغير الحال منذ ذلك الزمان؟



انني احاول بهذا الطرح الغوص في ذهنية سكان بلاد الرمال لأفهم كيف امكن ان يقعوا مرتين في نفس الكذبه ..لم
مازالت كراهية الحضارة الغربيه هي المحرك الاساسي لقيادتهم وتحريكهم؟

مالذي يأتي اولا هل هو التعصب الديني الذي يؤجج الخلاف السياسي بين الغرب والعرب..ام الخلاف السياسي الذي هو الذي يشجع التطرف الديني

ايهما اتى قبل الاخر

كانت مقاومة الغرب في عصر الوطنيه مقاومة فكر و اقتصاد فقط وكان هناك بعض القبول لمعطيات هذه الحضاره.. معظم التأثير كان اقتباسات من الحضارة الغربيه بشكل سطحي و شكلي لا يتعدى الملبس و التكنولوجيا و الحياة الاجتماعيه..مقاومة الغرب الان في الموديل الاسلامي تتخذ اشكالا كوميديه مثلا المقاومة الغرب بالتمسك الغبي بطرق لبس ما قبل التاريخ من نقاب و جلباب وثياب الرجال القصيره و اللحى الطويله الكثه..و ثقافة تحريم محاكاة الكفار أو تقليدهم في ملبس او مأكل او اية عادات وخلق علوم خرافيه مثل الاقتصاد الأسلامي و الاعجاز العلمي ، او هذا النوع من غزو الفضاء



الناس في بلاد الرمال تغذوا على سنين من هذا الحصار الفكري العدائي من المحافظه التقليديه الذي يظهر كل مرة بشكل مختلف ..و لا يريد احد ان يتوقف ليراجع نفسه..انه مثل الوسواس و القلق المتسبب من تربية خاطئه..يحتاج المريض به الي طبيب نفسي ليشخصه و يساعده على التخلص منه


ان المقاومه العنيده للغرب تجعل بلاد الرمال في موقف سيء جدا وخاصة في منع التطور الفكري الحديث الذي هو قلب نجاح الحضارة الغربيه ومنع التقاليد من ان تتطور الي نموذج متعايش مع الانسانيه و العالم المتحضر ، نموذج قادر على الاستفاده من نتاج الحضاره الغربيه..كثير من شعوب العالم قبلت تأثير الحضارة الغربيه و سحرت به و استفادت منه..اليابان مثلا هزمت في الحرب..تقلبت الهزيمه و نهضت من كبوتها و استفادت من الحضاره الغربيه بصورة ايجابيه مع انها ذات تقاليد محافظه حتى الان..كذلك دول اخرى في العالم..منها سنغافوره و هونج كونج و سكانها من الصينين لهم عادات اسرية محافظه...بعض دول الرمال استقلت من الاستعمار قبل كوريا و تايوان وقبل سنغافوره، مثل سوريا و العراق لكنها ظلت تجتر أسطوانه الكراهيه للحضارة الغربيه حتى اليوم فازدادت فقرا و تخلفا


ان الثمن الباهض الذي دفعناه لمقاومة الحضارة الغربيه بكل هذا العناد
هو اننا لا ننظر اليها كمصدر للتقدم و الالهام، بل كتهديد و هو يعطل تطورنا الثقافي و الفكري



سأل غاندي مره عن رأيه في الحضارة الغربيه فقال. أعتقد انها فكرة جيده ، اعرف ان هذا سيثير غضب بعض القراء الاعزاء..ولكنني كما قلت اريد ان اطرح الموضوع كجدليه..فربما كان غاندي..على حق

بن كريشان




إرسال تعليق

0 تعليقات