اصحاب البصيره.. والتفاصيل الكثيره

عدت من زيارة عمل خاطفه لمدينة مومباي أو بمبيّ بالخليجي ، استغرقت يومين فقط ، و كان برفقتي فيها المهندس خالد ، وهواحد الفنيين من زملاء العمل و الذي كان من المفروض ان يساعد في تقييم المشروع الذي ذهبنا لنتفقده، و كان في مدينة بونه التي تبعد خمسة و اربعين دقيقه خارج مومباي. عند وصولنا الي الموقع استقبلنا مضيفونا بأكاليل من الزهور الصفراء ..و وضعوها حول رقبة كل مّنا، ثم بادرت احدى الفتيات بوضع نقطة من الصبغ الاحمر على جبيننا

في طريق العوده الي مومباي ، بدأ المهندس خالد يتذمر مما فعل مضيفونا، قائلا انه كان يجب عليهم ان يعرفوا اننا مسلمين ! و ان مافعلوه معنا كان طقسا او عادة هندوسيه، فحاولت ان اهدأ من روعه بأن ذلك من تقاليدهم و كان مقصدهم بريئا، ولا يحتاج الامر الي تكبير، ولكن المهندس خالد استمر في هذيانه، وقال انه ربما كان يتعين عليه ان يسأل احد الشيوخ في هذا الامر.. وان كان عليه كفّاره ام لا! أنا اعرف ان المهندس خالد متدين قليلا، و لكنني لم اكن ادرك انه متدين الي درجة الهلوسه و الهوس ..المهم انا بقيت مرتديا طوق الزهور و النقطه الحمراء فوق جبيني، ونزلت الي بار انجليزي في لوبي فندق الشيراتون..بانتظار السياره التي ستعيدنا الي المطار..اما الباشمهندس فذهب الي غرفته ليتطهر، و يتوضأ و يستغفر ربه من الذنب العظيم الذي علق به

بعد عودتي الي الرمال العيناويه، فكرت في ملايين المسلمين ممن هم على شاكلة خالد ، يضيعون في تفاصيل كثيره، ليس لها هدف و لامعنى، بدون ان يروا الصورة الكبيره، حتى لو كنت مؤمنا بديني ..فالايمان مكانه القلب و الاقتناع، ولابد ان يكون مدعوما ببعض المنطق، على الاقل! و لاتؤثر فيه الاشياء و التفاصيل الغبيه الكثيره، و لكن المتدينين الجدد و كهنتهم يفرغون كل شيء من محتواه ، بالايغال في تفاصيل التحليل و التحريم و لمس المرأه و البسملة قبل الاكل و كيفية البصاق و كيفية شرب الماء، و وضع اليد اثناء الصلاه و كم مره يستطيع ان يحك رأسه و هو يصلي و ان دخل الماء و هو صائم في رمضان الي حلقه من خلال خيشومه الكريم و هو يتوضأ و الكثير الكثير من التفاصيل..اليست هذا كله طقوس من مثل.. اخواننا الهندوس

اغراق الامور بالتفاصيل هو من الطقوس المقصوده و الاساليب المتعمده لمنع التفكير، فكثرة الصلاة و الدعاء و الهمهمات و التسبيح بكلمات بعدد و تعداد كالببغاوات، و التفكير في تجنب المحاذير طوال الوقت هي مايقتل الابداع و الفهم و رؤية الحقائق الكبرى الجليه، مثل من يسبح في الماء بدون ان يرفع رأسه ليرى اتجاهه... حتى ينطح الجهة الاخرى من حوض السباحه

كنت قد وقعت مرة ضحية الانشغال في التفاصيل.. كنت اتفاجأ عندما اقرأ في المجلات عن بعض الممثلات اللاتي اصبن شهرة، لأنهن لعبن ادوارا في مسلسل باي وتش، فتلك ياسمين بيليث ، و جينا لي نولين و حتى باميلا اندرسون ، ومع انني كنت من المدمنين على مشاهدة هذا المسلسل الشهير.... فأنا لا اتذكرهن و لم انتبه لوجوههن في المسلسل، انني حتى لا اتذكر احداث اية حلقه من حلقاته و السبب بالطبع انني كنت..احم.. اتفرج على التفاصيل!! ..و فاتتني العبر و الدروس في هذا المسلسل

و هذا بالضبط مايحدث لهؤلاء المتدينين، يرون التفاصيل و يسيرون عليها بدون هدف

كان العرب يفرقون بين البصر و البصيره..فالبصيره هي استخدام العقل و توظيفه، بينما يكتفي اصحاب البصر برؤية الاشياء ببعد واحد مسطح فقط ، عندما وصل بنوطالبان و معهم عرب الصحراء الافغان الي سدة الحكم في رمال افغانستان بدعم من المخابرات الباكستانيه ، و بدأو في تأسيس دولتهم البائده ، التي اعتبروها الاماره الاسلاميه، و بايع نفر منهم من أهل الحل و العقد الاعور الدجّال ، ملا عمر ، صهر بن لادن، اميرا على المسلمين ارادوا ان يضعوا قواعد دولة الاسلام....فماذا فعلوا ياترى ؟
اوقفوا البث التلفزيوني، و منعوا الافغان من التفرج على اية قناة فضائيه، ثم اغلقوا دور السينما، وأجبروا الرجال على اطلاق لحاهم و النساء على لبس خيمه ، سار بوليسهم الديني في الاسواق يضرب و يذل الافغان، و اغلقوا محلات الفيديو،وصادرو كاسيتات الموسيقي و صالونات التجميل النسائيه، منعوا النساء من العمل و حتي من الحصول على العلاج الطبي ، ثم منعوا تدريس البنات ..ثم اخيرا هدموا احد معالم و ارث الحضارة الانسانيه و هي تماثيل بوذا التي تعود الي خمسة الاف سنه قبل الميلاد..حتى مملكة الرمال الكبرى صعقت من هذا النوع من الاسلام..فأرسلت وفودا و ناشدت الطالبانين بأن يتوقفوا، و لافائده، لم يفقهوا اقتصادا و لاعلما و لا تبنا، حتى انهم استمروا بزراعة الحشيش و تهريبه بدون ان يؤنبهم الوازع الديني، خمر حرام، تهريب حشيش و لواط حلال!! خوش.........حتى سلط الله عليهم امريكا و الناتو و هاهم يعيشون الان، كالفئران في الجحور، بظلمهم الذي اقترفوه في حق الشعب الافغاني .. و دماء الابرياء التي تلطخ يد المجرم بن لادن.. من منا يستطيع ان ينسى منظر طوابير الافغان على الحلاقين..هل هؤلاء الطالبانيون و من على شاكلتهم ذو بصيره، ام حثالة من البرابرة الجهلة الذين خرجوا من غياهب القرون الوسطي ، الي القرن الواحد و العشرين

كيف لكثير من سكان بلاد الرمال ان يفقدوا البصيره و يقبلوا ان يخدعوا بفكر مجموعة من الهمج من مثل طالبان او الجماعات التي تحمل نفس خرافاتهم و خزعبلاتهم الاعتباطيه ؟ كيف لشخص درس العلوم و الطب او الهندسه مثل الباشمهندس خالد..ان يعتقد في هذه التفاصيل الساذجه؟..انه البصر و ليس البصيره

ماذاسيحدث لنا لو ان هذه الجماعات المتسلطه من السلفية الجهاديه، او الاخوان افة المسلمين أو قاعدة مختل العقل بن لادن ، و غيرهم من باعة الموت، وصلت الي الحكم ؟ لن يكون لنا مستقبل في هذا العالم، سيعودون ببلاد الرمال الي ماهو خلف التخلف..و حين يأتي الوقت لنتحرر منهم..سنجد أنفسنا متخلفين عن زامبيا و مونجوليا بمئات السنين ..افلا تبصرون


اللهم لاتحشر بن لادن بصيرا

بن كريشان

إرسال تعليق

0 تعليقات