الاثنين

وعسى أن تكرهوا شيئاً

هل كان الناس فعلا أكثر تديناً في الماضي؟



عندما شاهدت على التلفزيون مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد براك أوباما، أصبت بخيبة أمل عندما أستُهل الحفل بأداء الصلاه، شيء عادي في بلاد الرمال أن يُستهل أي حفل كما يقولون "بآيات من الذكر الحكيم" وخاصة السوره التي تحكي كلام سُليمان مع نملته الصغيره، ولكن هناك..في الغرب! إنه أمر يستحيل أن نراه في الديموقراطيات الأوروبيه ، فهوغير دستوري وتعدي على حقوق الفئه الغير مؤمنه بالخرافه والدين. ثم طيّنها أوباما أكثر عندما قام بآداء القسم ووضع يده اليمنى على الكتاب المقدس الذي هو رمز ديني لفئة دينيه واحده من المجتمع.

والحق يقال فأن الشعب الأمريكي لايعرف حتى الأن توجهاته أيريد دولة علمانيه أم مسيحيه وطنيه قوميه في بلاد تتعدد أديان ومذاهب وإعتقادات مهاجريها الجدد..؟ فأمريكا كما يبدو ورغم كل التطور العلمي مازالت متخلفة ، وسيستغرق الأمر منها زماناً طويلاً لتصل الى النتيجه الحتميه ،العلمانيه هي الحل رغم إرهاصات المتدينون الحالمون.

وهذا يجعلنا ، نحن العرب، لانستغرب الفوضى الدينيه التي خلقوها في العراق وسيخلفونها من بعد إنسحابهم. بعد سنين الحرب البارده مع الأتحاد السوڤيتيي والحركات الأشتراكيه العالميه، مازال المواطن الأمريكي يظن ببساطه أن تحرير الشعوب يقتصر على حرية الأعتقاد الديني وممارسة طقوس الشعائر الدينيه،ولاتشمل التحرر من الدين والألهه والخرافه. وهذا من الممكن تفهمه تاريخاً لو عرفنا أن المستعمرات البريطانيه في أمريكا كانت ملاذ الطوائف الدينيه المتطرفه التي كانت تهاجر أليها هرباً من الضغوط في أوروبا.


في أمريكا تيار مسيحي يميني قوي ، ولايجرأ أي سياسي على الجهر بعدم إيمانه كما ان فيها تحيزاً ضد الملحدين. المتدينون الأمريكان يدّعون بأن الحياة الأخلاقيه ستتحسن وأن نسبة الجريمه ستنخفض ، فيما لو كان للدين دوراً يلعبه في المجتمع. ولكن كان هناك في خطبة أوباما شيء جديد أبتهجت له مواقع ومُدونات الملحدين في أمريكا سأحدثكم لكم عنه وعن تاريخ أمريكا الديني المتزمت لما فيه من حكم وموعظة ودروس نتعلم منها في بلاد الرمال ..هي أفضل بالتأكيد من درس سليمان و الهدهد المفقود؟

قال باراك أوباما في خطبته شيئاً لم يذكره قبله أي رئيس أمريكي:

" لأننا نعلم أن تراثنا خليط وهو قوة لنا وليس ضعفاً..فنحن أمة من المسيحيين والمسلمين واليهود والهندوس-وغير المؤمنين."

ماذا؟ أقال في أخر الجمله "غير المؤمنين". الحكومه الأمريكيه لأول مره تعترف بحقوق غير المؤمنين. أتعرفون كيف حدث ذلك؟ إنها سنوات من العمل و الضغط والكتابه في المُدونات قام بها الملحدون هناك.هذه خطوة كبيره في بلد به الكثير ممن يرفض الإعترف بوجود الإلحاد وهي خطوة عظيمة لبراك، والذي تعمد تجنب إستخدام كلمة ملحدين. ولنا هنا عبرة لإستخدم الإنترنيت وغيرها لتكثيف الجهود والضغط ضد تفكير الجماعات الإسلاميه المتخلفه وتثقيف شعوبنا بمآثر وحسنات الألحاد.. وإنقاذهم أهلنا وأطفالنا وبلادنا من الشر الذي يتبرص بهم ..والعبرة بما فعلت حماس بمن هم في أمانتها ، وكيف تمترس مقاتيلها بينهم ..ليدّعي إبن الكلب خالد مشعل ، بأن خسائر قواته كانت "قليله" فبُشرى له بالنصر..والعزاء للفقراء المساكين من الفلسطينيين الأبرياء.



ولأن الحال من بعضه فكلمة مُلحد في أمريكا ترتبط في اذهان البُسطاء المؤمنين بالشر والشيطان والخيانه واللا أخلاقيه ، ذلك بسبب تلقين ديني كاذب إستمر أعواماً طوال في غفلة من قوانين حقوق الإنسان. كيف يُسميني أحد، بغير المؤمن بينما أكون أنا مؤمناً بأشياء كثيره منها إيماني بالعداله وبالإنسانيه وبالحب والتعاطف والسلام ، نعم فماعدا الأديان الخرافيه ،فأنا أؤمن بمباديء كثيره، فكيف إذاً أكون" غير مؤمن"؟

وأعود بكم الى هؤلاء الذين يدعون للعودة للدين في بلاد الرمال و نقارن بعض أوجه الشبه الذي يشتركون فيه مع اليمين الأمريكي. كلاهما يقول بأن الدين يجب أن يلعب دوراً في الحكومه وفي المجتمع وكلاهما يقول بأن ذلك سيحل المشاكل الأخلاقيه في المجتمع وكلاهما يزعمون بأن الحياة في الماضي كانت أكثر تديناً ومليئة بالفضيله على عكس اليوم. فهل مايقولونه صحيح؟


هل نسي هؤلاء عصابات الغرب الأمريكي؟ سرقة البنوك والقطارات و اللصوص من أمثال جيسي جيمس وجون هنري وأرض الديسبارادو؟ كل مدينه في الغرب المتوحش يتوسطها صالون فيه عاهرات؟ أين الفضيله التي كانت عندهم في الماضي؟

وماذا عنا نحن، إن كان الماضي مليئاً بالفضيله، فماذا عن الأرتزاق بالأحتراب والغزوات والغنائم والسبايا؟ أهذه فضيله؟ أي الفترات كانت أكثر فضيلة وأخلاقاً من غيرها؟ المسمّاه بالخلافه الراشده التي أقتتل فيها صحابة صلعم وأراقوا دماء بعضهم؟ أم الفتره الأمويه أو العباسيه الماجنه بشعر الغلمان والخمريات؟ أنحن نضحك على أنفسنا؟

الفتره الدينيه في أمريكا هي فقط التي سيطر فيها الپيوريتان "المتطهرين دينيا" على ماساتشوستس وفيرجينيا وطبقوا فيهما قوانيناً أشبه ماتكون بما يحدث في السعوديه من تصرفات البوليس الديني المسمى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، حيث كان الناس يُجبرون على الذهاب للكنيسه ويغرّمون ماليا إن لم يفعلوا ، وتشنق الساحرات وينفى الناس المخالفين من الأرض. أما نحن فلم تقم لنا أية دولة دينيه، إلا ماكانت في خدمة السلاطين والخلفاء الظالمين. بينما كان السلطنه العثمانيه ترفع شعار الخلافه والأسلام، كان السلطان نفسه مخموراً يُحصى محظياته والمخصييّن ، ويتآمر لذبح أخوانه الذين ينازعونه الحكم؟ أهذه هي السلفيه التى سنعود إليها؟

مملكة الرمال الكبرى تقطع رؤوس القتله وأيادي السارقين، فكيف لم يفيد كل هذا التديّن في شيء؟ في مناطق القبائل في باكستان والتي تخضع لحكم طالباني(وزير ستان ونورث تيرتوري) هي مناطق فقدت الحكومه الباكستانيه السيطرة فيها تماما. الباكستانيون يعتبرونها مناطق محتلة. قام سكانها بإنتخاب حزب عوامي العلماني نكاية بالمتدينين فماذا فعلت طالبان هناك إنتقاماً منهم. منعوا تعليم البنات. قبل أيام قرأت هذا الخبر المؤلم في صحيفه ألكترونيه باكستانيه ، طالباني يستوقف طفله باكستانيه محجبه عمرها تسعة سنوات ويسألها إن كانت في طريقها للمدرسه ؟ وتجيبه ببراءه نعم. فينزع حجابها ويرش وجهها بالتيزاب (الأسيد الحارق أو ماء النار). الطفله المسكينه فقدت بصرها (أتفووه على هذا إسلام) . بالنسبه لطالبان هذا ليس إلا إنتقام وترهيب مرغوب ومستحسن ومن السنّه المُحببه ولمن إستطاع له سبيلا ..ومن قام به يُجزى عليه ويثاب بالحور العين والكباب ، في جنة اللذات والنعيم الكذاب؟. هذه هي فضائل الحكم الديني.

دراسة أمريكيه تناولت قضايا المحاكم بين ١٧٦٠-١٧٧٦م أظهرت بأن ٤٠٪ من الجرائم المحكوم بها كانت الخيانه الزوجيه أو الزنا ، وتشير الأدله الى أن ثلث الأطفال المولدين آنذاك كانوا خارج الرباط الزوجي المقدس؟. أهذا هو المجتمع الديني الفاضل الذي يدعون اليه ؟

بما أن قضاة المحاكم الأمريكيه في تلك الفترة المطهره كانوا يعتبرون أنفسهم أدوات الله في تنفيذ عقوباته، كان من الطبيعي أن يأخذون راحتهم في تطبيق عقوبات وحشيه كالجلد وقطع الأذن أو وشم الناس على جباههم بحرف الباء (يعني برانديد، أي موسوم بجريمه قد تكون مجرد سرقة طعام يأكلونه) وهذا يشبه ما يسمى في العقوبه الإسلاميه "
بالتعزير" أو ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين الغبيين..أي التعذيب بإهانة الأنسان وتحطيم نفسيته وإخجاله بدعوة الناس للتفرج عليه.. وليس لدي شك بأن التاريخ سينصف هؤلاء مقابل جور الظلم الإسلامي والديني في المستقبل.

العقوبات في المُجتمع المتدين الأمريكي كانت تحمل نفس سمات العقاب في الشريعه الإسلاميه ، وخاصة من الناحيه الإستعراضيه المسرحيه. عند تنفيذ عقوبة كالإعدام أو الجلد والسحل (نعم كان يُمارس في الغرب الأمريكي) وغيرها ويُدعى الناس للتفرج عليها ليكون المُعاقب عبرة لمن إعتبر. لم يكن الأمر متعلقاً بالعداله عند تطبيق هذه العقوبات بل بتلقين الناس دروساً لاينسوها. في أحد قوانين ماستشوتس القديمه وجدوا مؤخراً قانوناً مستقى من العهد القديم (التوراه) يجيز قتل الطفل العاق الذي لايسمع كلام أبيه.





خلال تلك الفتره المُتدينه أظهرت كشوف المُحاكمات بأن أكثر من أعدموا كانوا من الفقراء والعبيد.

لقد تطورت البشريه وتقدمت اليوم، وبفضل تجارب وآلام وفشل أدي بكثر من الشعوب الى التوجه للعلمانيه للتخلص من شرور الإيمان الديني، أما في أمريكا فأن ما أنقذهم منها ماهو إلا التقدم العلمي والتكنولوجي السريع الذي سبق الفكر المتدين لديهم بسرعة الصوت وتركهم يلهثون في دهشة غير مصدقين أنفسهم.. فطفقوا يبحثون عّما يّبقى الدين حياّ أمام سرعة العلم ، في أمريكا يزيفون علوما عن نظرية الخلق الذكي.. بينما ذهب مُدعوذينا في بلاد الرمال، يُلفقون في الإعجاز العلمي ماتيسر لهم.

إن كان الماضي المُتدين ليس بزاهياً ولارائعاً كما يصورنه لنا، فلماذا نريد العودة إليه؟ أليس من الحكمة قبل أن يُنادى المتدينون بالعوده الى الماضي أو التقليد الببغاوي للسلف، أن يحاولوا على الأقل دراسة ذلك التاريخ بحياديه، فيروا بأعينهم إن كان ذلك فعلاً نموذجاً صالحا لهذا العصر؟ أمريكا كدوله حديثه تعطينا قراءة صادقةً عما كان يحدث في المجتمعات المتدينه، إنه إستقراءً ماكان يحدث تحت تلك الأنظمة البدائية ، وبما أن البعرة تدل على البعير فبأمكاننا أن نتفحص ماحدث لهم وندرسه علمياً وبطريقة محايده بدون عاطفة التدين ورومانسيه الإسلام وتمجيد شخصيات الصحابه والأنبياء والسبايدر مان..إنه يعني صح النوم ياجماعه أما آن أن نستيقظ من الكذب على أنفسنا.

هل نريد نظاماً يحوّل الذنوب الدينيه ، الى جرائم يُعاقب عليها القانون؟ هل نريد نُظماً قضائيهً تهدف الى إجبار الناس على الطقوس والإعتقادات والرقصات الدينيه؟ هل نريد حكومة غايتها الكبرى ، هو أن تكون مجرد أداة لرب الرمال و مُنفّذة لمشيئته؟




أليست قوانينا المدنية الحاليه أكثر رحمة وعدالة بالمقارنه مع تلك التي كانت بالماضي؟ أيريد الواحد منا اليوم وفي هذا العصر أن يُطاف به على حمار في الشوارع يبصق عليه الناس ويسُبونه" تعزيراً" لأنه أرتكب ذنباً دينيا؟ لاتستغربوا هذا يحدث ليومنا هذا في جمهوري إسلامي أيران وخاصة عندما لايجدوا نصوصاّ واضحه في الشريعه لمعاقبة المخالف.

لايسع العاقل إلا أن يجيب بلا النافيه بالجزمه..أقصد بها وبكل أدوات الشرط الجازمه، وعلى كل تلك الأسئله، وأنا أولهم.

لو كان الماضي أفضل لأتبعناه، ولكن الواقع يقول لنا أن العصر الحالي هو الأفضل بإكتشافاته وعلومه وتفوقه في كل المجالات ، الصحيه والتكنولوجيه والصناعيه والغذائيه..كل شيء وكما يقولون بالمحروسه، إيش جاب لجاب؟ ليس من شك أبداً في ذلك..فهل يعقل أن يتفوق الماضي على اليوم في مجال واحد فقط..هو الأخلاقيات؟ هل تحتاجون لأحد مثلى أن يكتب لكم مقالاً طويلاً مثل هذا ليوضح حقيقة ساطعة كالشمس المشرقه؟ للأسف لقد أعمى التدين القلوب وأذهبت الصحوة بالعقول..لو كان الماضي أفضل لحقق تفوقاً في كل المجالات الأخرى، إن الحاضر سيكون دائماً أحسن من الماضي ، وسيكون المستقبل دائماً أفضل من الحاضر.. لأننا نتطور مع الزمن.. لأننا نتعلم من أخطاء الماضي، فهلاّ تعلمنا من أخطائه، شرور الحكم الديني وفشله من دروس التاريخ؟



بما أن العاقل يعتبر بتجارب الماضي السيئه ولايعود إليها، أقول لهؤلاء المتدينين والسلفيين الكارهين لهذا العصر الجميل المتنور: وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم.


بن كريشان

هناك تعليق واحد:

aras111 يقول...

الكلام يكون جميلا عند التكلم بعقل ,
احسنت الكلام يابن كريشان العظيم.