في قبضة الشيطان



إتفقت مع شهيل منذ عامين على ان نقوم معا بأجازة شتوية قصيره مره كل سنه..و لكن منذ زيارتنا فيينا لم يتسن لنا الامر مرة اخرى حتى قررنا الاسبوع الماضي زيارة بيروت









و في الطائره..و من سوء الصدف ان ظهر معنا على نفس الرحله و على كرسي قريب.. خال شهيل..الذي سلم علينا ، كذبنا عليه وقلنا اننا في رحلة عمل..بيزنيس يعني .. همس لي شهيل : لاحول الله لن نشرب اليوم شيئا على هذه الرحله ؟ فطمئنته مهدئا من روعه : لا تخف ..ان الله معنا

طلبت من المضيفه باكفيز ، مشروب اعرفه من كاليفورنيا، نصفه شامبانيا و نصفه الاخر عصير برتقال..لم تعرفه المضيفه و قالت انها ستسأل البيرسير ان كان لديهم هذا الصنف..فتبعتها بعيدا عن اعين الخال..وشرحت لها الخطه

في الطائره دار الحوار التالي بيني و بين شهيل

أين تريد ان نذهب في بيروت؟

شهيل: صراحة.. اريد ان ارتاح..دعنا نقضي الوقت في الاكل و النوم؟

بن : طبعا..و قد جئت من بعض الاصدقاء بقائمه لأحسن المطاعم اللبنانيه القريبه منا..وما رأيك ان نذهب الليله الي كازينو دي ليبان؟

شهيل ينظر لي وقد ارتسمت على وجهه نصف ابتسامة تهكم

بن: جد شهيل.. كازينو لبنان معلم مهم في لبنان.. و انا عمري مازرته

شهيل: انته وجه لعب..نسيت شو عملت بي في برايتون؟

بن : أنا!.. ماذا فعلت؟

شهيل: نصف الوقت جالس تتكلم مع البنت اللي عالبار..و بعدين لما الحظ انفتح على..سحبتني و خليتنا نطلع من الكازينو..واحد مثلك ما يعرف يلعب حتى البلاك جاك..لماذا يذهب للكازينو؟

بن: هذا جزائي انني انقذتك.. لقد انصرعت تلك الليله عندما قلت لي انك خسرت الف باوند استرليني.. لقد خفت ان تكمل على فلوسك و تطلع مزلط و يشلحونك حتى البنطلون؟

شهيل: أنا اطلع بدون بنطلون و الله انك غشيم ..عندها قد بدأت استرجع خسارتي آنذاك و كنت ربحان تلك اللحظه ثلاثين باوند..قبل ان تطلع لي فيها بسلامتك

بن: حقك علىّ ياصاحبي.. هذه المره ان شاء الله سيكون حظك احسن في كازينو لبنان و وجهي سيكون عليك فألا حسن

شهيل: توبه ..اروح معاك كل مكان الا كازينوات..وبعدين ما هذا الذي نشربه؟ أصابتني حموضه منه ، همست بأذنه: اسمه باكفيزمن كاليفورنيا ، اخرس و اشرب... اشرت للمضيفه؟ فغمزت قائلة : اتنين بردقان؟..تكرم عينك










الحمدلله الخال نازل في برمانه..الساعة الثامنه مساء، كنت في لوبي فندق الكومودور قبل شهيل..وكان المكان خاليا على غير العاده..كأننا نحن الزبائن الوحيدين. كان فادي السائق الذي استأجرناه عن طريق احد الاصدقاء اللبنانين في ابوظبي موجودا بانتظارنا..اخيرا جاء شهيل و هو يرتدي بدله و فوقها.. بالطو شامواه بني قصير له ياقة من الفرو الابيض..ما هذا؟ احنا في سيبيريا قلت له، درجة الحراره في الخارج لا تتعدى ثمانيه عشره درجة فقط

في السياره اخرجت قائمة عناوين المطاعم التي نصح بها الاصدقاء..و اقترحت على شهيل ان نبدأ بالتسخين في الايديفو..و هو بار نبيذ مشهور جدا.. قالوا لي ان جورجينا رزق ملكة جمال الكون بالزمانات.. كانت تسهرهناك .. و قالوا أيضا اننا ربما قد ننتظر طويلا لو اردنا طاوله.. لذا من الافضل ان نذهب الي كاونتر البار فذلك اسرع













فكره جيده ، اجاب شهيل نحتاج الي نبيذ احمر لندفأ قبل ان نذهب للسوليدير في وسط بيروت ..واياك ان تطلب هذا الباكفيز اللعين مرة اخرى ..انفجرت ضاحكا و قلت له..انت لا تحتاج نبيذ و لا باكفيز، ستدفأ من فروة الدب القطبي التي تلبسها

كان الواين بار خال تماما..الا من العاملين به..اعتذر البارمان لنا بأنه لا يستطيع ان يقدم النبيذ بالكؤوس لنتذوقها اليوم.. لأنه لا يستطيع فتح انواع مختلفه لعدم وجود زبائن.. فلابد لنا ان نشتري زجاجة كامله

قلت و نحن جالسان: ما هذا نحن في الويك اند..اين الناس اين الصبايا الحلوات؟ هل ظهر شيطان في المدينه و هرب الناس منه ؟


ضحك شهيل مني..و هز رأسه ساخرا من جهالتي: شوف يابن انت متعود على البلاد الاجنبيه، وذلك تخصصك..اما هنا فأنت غشيم لا تفهم شيئا..هنا يجب ان تسمع و تتبع اخاك شهيل..يا اخي الناس في بيروت تخرج للسهر متأخره...و.مازالت الساعه التاسعه مساء و هذا يعني ان الوقت مبكر عالسهريه

****

الساعه اصبحت العاشره و النصف مساء..نحن الاثنان نمشي في ساحة النجمه..و التي خلت من البشر تماما..المطاعم و المقاهي مفتوحه ..طاولات و كراسي .. بدون زبائن












و الان ايها الدب القطبي..قلت موجها كلامي لشهيل، ما زلت لا ارى اناسا و ليس هناك صبايا حلوات مثل اللاتي نراهن في ستار اكاديمي..
يمكن الجو بارد و الناس في الداخل..اجابني شهيل

اقتربت لأنظر الي داخل مطعم جراند كافيه..فتعلق بي الجارسون..شرف مسيو.. و حاول ان يقنعنا ان ندخل

قلت: المطاعم فاضيه في الويك- اند ياشهيل..شيء غير طبيعي وكأن شيطان اخاف الناس و الصبايا الحلوات ..اجاب شهيل: بيروت ليست هكذا..لابد انهم قد سمعوا بقدومك و هربوا ..ربما ما زال الوقت مبكرا؟ فالنغير المكان

قلت : لحظه ياشهيل.. في القائمه عندي اسم مطعم راقي في هذه المنطقه حاصل على جوائز دوليه..اخرجت الورقه من جيبي و قرأت : اسمه ميزون دي لا سومون... دعنا نجربه

و بعد البحث..لم نستطع ان نجده فسألنا احد اصحاب المحلات القليله المفتوحه..اخبرنا ان المطعم قد سكر نهائيا..لم يتحمل شهرين بدون بيزنيس

شرح لنا السائق فادي ان الناس لاتخرج الي السوليدير بسبب الاعتصام الذي يقوم به جماعة حزب الله..ثم اخذنا الي اماكن خيامهم المنصوبه و كانها مضارب ارض الرمال في وسط السوليدير ..شباب يلعب كرة قدم في الساحه..مطابخ منصوبه في الخيام..شرح لنا فادي ان الحزب يدفع عشرين دولار لمن يعتصم نهارا..و خمسين دولار لمن يبقى طوال الليل..و بما ان اليوم عطلة الاسبوع فعدد المعتصمين يزداد حيث تاتي العوائل الفقيره المعترّه لتقضي سهرتها هنا.. تتعشى ببلاش على حساب خامئني






أخذنا فادي للعشاء الي مطعم قريب اسمه عبدالوهاب و كان به قليل من الساهرين ..كانت هناك امرأه في الخمسين من عمرها رغم كل عمليات التجميل على الطاوله المقابله تدخن الأرجيله و تسرق النظرات اليّ وتبتسم كلما حانت لها الفرصه.. وشهيل يضحك معلقا..اتفضل، ألم تقل انك تريد ان ترى الصبايا الحلوات؟
قلت له بجد : شهيل ربما تظهر الصبايا الحلوات في الصيف فقط؟ ما كان يجب ان ناتي في الشتاء الي بيروت..أجابني وقد بدأ نبيذ شاتو كسارا يلعب برأسه..شوف يابن..-هق- في لبنان سواء حبيتك بالصيف او-هق-.. حبيتك بالشتي..يعني الحلوات لازم يكونن موجودات و-هق- سنقابلهن-هق- قريبا
كنت قد غافلت شهيل وطلبت صحنا من ارجل الضفادع المقليه من ضمن المازه..و صرت اقدمها الى شهيل: شو رأيك بصحن الدجاج؟..فيتناولها و يجيب ياسلام عالأكل اللبناني..ليس لدي صبر لأرى كيف سيكون وجهه غدا عندماأخبره انه كان يأكل ضفادع
عدنا الي الكومودور بعد منتصف الليل..عرضت على شهيل ان نكمل السهره في البار..فقال انه متعب..و سيذهب الي غرفته، ففعلت نفس الشيء












****

إتصلت في الصباح بغرفة شهيل لينزل للأفطار..فأجابني معتذرا بصوت تعب انه يحس بتوعك في المعده بسبب الاكل في مطعم عبدالوهاب او ربما.. من الباكفيز..طلب مني ان لا انتظره وأن اعود اليه ظهرا..أحسست بالذنب..أرجو ان لا تكون ارجل الضفادع سببت له هذه الوعكه..عز علىّ ان اترك شهيل وحده على تلك الحال..عرضت ان ابقى معه و لكنه اصر بشده ان اتركه لحاله..فقبلت تحت الحاحه

عدت الي السوليدير بوسط بيروت مرة اخرى ، مررت على المسجد الذي دفن بقربه الرئيس رفيق الحريري . كانت قوات الامن قد احاطته بسياج شائك و منعت الصلاة فيه خوفا من ان يمسه احد المعتصمين الذين كتبوا على الجدران كلمات قذره تسب السنيوره و حكومته..سوليدير في قلب بيروت و كأنها ساحة اشباح خلت الا من هؤلاء الذين تمركزوا في هذه الخيام..هذا احدهم يغسل اسنانه بفشاة في الصباح و يبصق..بيروت بلا سّياح..بلا صبايا ..والكل مكتئب و مهموم

****

لبنان.. في قبضة الشيطان

أعتقد انني اشفقت على صاحب مقهى الجراند كافيه البارحه فجلست على احد طاولاته الخاليه و طلبت فنجان قهوة و جلست أتأمل هذا الحال البائس. كيف تقلب الفوضى المنظمه و صياح الشعارات الفارغه الموازين...ثم تذكرت انه امر عادي في بلاد الرمال

ان المؤامره الشيطانيه التي ستقود لبنان الي الحضيض تهدف الى افقار و تجهيل شعبه تعتمد بالدرجة الاولى على قواعد اللعبه الايديولوجيه القديمه. فكلما إزداد جهل الناس و فقهرهم كلما اصبح من السهل التحكم بهم. الازدهار و النجاح يقودان الي فقدان السيطره على الناس.. تحطيم الاقتصاد يساعد على الفقر..و الفقر يقود الي الجهل..والجهل..يجعل الناس اداة في يد الطغاه و الشياطين

عندها يتم رسم دوائر محدده في مساحات تفكير الشعب لا يسمح لهم بتجاوزها..حتى ولو عاشوا في بلد كلبنان بها حيث حرية التعبير متوفره.. ينجح الدكتاتور في اي مكان لو اعطاه الناس فرصة....نصر الله اليوم هو خليفة عرفات بالأمس، وجد فرصته

مثلما تمكن عرفات من تقويض ديموقراطية لبنان و حريته في السبعينيات..بأسم المقاومه..ثم هوى به الي هاوية الحرب الاهليه ..يهدف شيطان لبنان الجديد الى الشيء ذاته










رغم توافر المعلومات على الانترنيت و رغم وجود حريات صحافه و تعبير في لبنان..ما زال السواد الاكبر من الناس فيه سهل الانقياد..لماذا؟

السر بسيط جدا..تكنيك اسمه تأطير العقل..اي تلبيس العقل اطارا يحدد له المساحه التي يستطيع ان يعمل بها..و عندما يخرج العقل عن الحدود المرسومه..تنطلق صفارة الحكم ..آآآوووت

ورث الاسلام..رذائل الأيديولوجيه الفاشيه

التعصب الديني يعمل بنفس المنوال..فعندما يتجرأ العقل على التساؤل عن ماهية الله و الدين و المتناقضات التي يحتويها..تنطلق نفس الصافره..فقد خرج العقل عن خط التماس..وصاح الحكم..آآآووووت
يقوم المسلم المبرمج بعدها بالاستغفار و التعوذ من الشيطان

اليوم. في لبنان من يمسك صفارة الحكم....هو الشيطان و حزبه..وهو الذي ذكره سبحانه في سورة النساء: اولئك حزب الشيطان الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون












****
كان ضميري يؤنبني بما فعلته مع شهيل المسكين..خرجت مساء معه الي بار اسمه سيدني ليس ببعيد عنا.. و لكنه بعد قليل.. اعتذر قائلا انه مازال متوعكا و يريد العوده الي غرفته لينام..

شهيل هذه ليلتك الثانيه هكذا ..دعني اطلب لك دكتورا؟


شهيل: لا تقلق سأكون بخير، احتاج بعض الراحه فقط..لا تقلق على و لا تفسد إجازتك القصيره بسبي ، اذهب مع السائق..و رفه عن نفسك..سأكون افضل غدا

طلبت من فادي ان يأخذني الى الهارد روك كافيه.وجدتها .فاضيه..لوبي الفينيسيا الشهير..تصفر به الريح..كافيه مودكا..لا احد ، اخيرا تعشيت لوحدي في مطعم كرم ..وكان شبه خاوي..انتهت القائمه التي لدي..أين اذهب الان؟

كانت الساعه الواحده صباحا تقريبا.. طلبت من فادي ان يأخذنى الى كازينو لبنان الشهير و سألته مستفسرا: هل يبقى الكازينو مفتوحا لساعة متأخره؟ أجابني: لسه بكير، بس بدك تلبس بدله و كرافات..ذهبت الي الفندق و غيرت ثيابي ...و ذهبت للكازينو











لم يكن الكازينو خاليا كغيره من الاماكن..و لكن على عكس برايتون لم يكن هناك صبايا على البار..هناك فقط بارمان بشنب ، الكازينو الشهير كله على بعضه كئيب و قد خيب توقعاتي بشكله الداخلي..بعد كأس النبيذ الثاني كانت الساعه قد اصبحت الثانيه و النصف صباحا قلت لنفسي : ياللا.. خل الواحد يلعب له ببيزتين او بالاحرى بفرنكين، كما يقول اللبنانيون ..اخذت فيَش بمئة دولار، ذهبت الي طاولة الروليت..حشرت نفسي بين المقامرون المتجمعون حولها..لا بد ان الحظ قد واتى احدهم هناك، اصوات التشجيع و التصفيق تصدر من هذه الطاوله.. فالمقامرون يتباركون بصاحب الحظ عادة..لماذا لا اجرب اذا حظي هنا.. اقتربت لأضع رهاني على الطاوله..ولاحظت ان الجميع ينظر الي صاحب الحظ السعيد بأعجاب..و يشجعونه..كان يقابلني بظهره العريض .. و كان يرتدي بالطو شامواه بني علي ياقته فرو ابيض ؟؟؟: َمن شهيل؟..يالك من كاذب محتال

بن كريشان

إرسال تعليق

0 تعليقات