هل يقوم الايمان بالله على العاطفه؟




كتبت هناء :


أريدُ ان اسألك سؤلاً واحداً استأذنك في كونه سؤالاً شخصياً، الم تشتاق ابداً الى وجود الله في حياتك؟


ربٌ اعلى تحتاجُ اليه في حالة الضعف، و تخشاه لحظة التجبر وتأمل رضاه لحظة الخوف. اعرفُ انك مثل باقي المُلحدين تحاول ان تلغي كلمة عاطفه بكل ماتجره من معاني من قاموس حياتهم، و يعملون على تضخيم العقل و العقل فقط..ولكن هل ينجح هذا دائماً؟


هل العاطفة كجانب انساني يمكن شطبها بجرة قلم؟


انا مثلاً فتاةٌ غير عقلانيه و لا تستطيع اثبات و جود الله بالعقل و لا تستطيع منطقة مشاعرها، و ان ناقشت مُلحد فسيتفوق على بسهوله. اعرف الله بأحساسي فقط، اؤمن به لأنني اشعر بوجوده. فهل وكيف مسحت عاطفتك مقابل عقلك؟


شكراً لأنصاتك و اتفهم عدم اجابتك ان لم ترغب بذلك.


هناء



رغم ان المسلمون يصرون على ان دينهم دينٌ عقلاني، و انهم يستدلون على ربهم بالعقل، الا ان الغالبية يحسّون بالجانب العاطفي للدين وليس العقلاني. ان صديقتنا هناء ليست مُختلفة عن الاغلبيه و هذا ليس بذنبها بل لأن الاسلام مثل بقية الاديان ينـاشدُ العاطفة ويُعارض العقل…في الواقع انه حتى عند استماعهم لما يُقدم لهم على اساس انه حُجج عقليه فأنهم يقتنعون بعاطفتهم و يكبحون جماح عقلهم كي لا يتحدى تلك الحجة.


هل ياترى من الممكن ان نأخذ الاسباب العاطفيه كأثبات لوجود الله؟


كما قلت، فإن نداء العاطفه في الدين اقوى و اكثر جذباً و هو بالتأكيد كذلك لأن فكرة وجود عدالة الهية سماوية هو ما يحرك هذه العاطفه مقابل ضعف الانسان و احْساسِه بعدَم القـُدره على السيطره او تغيير الوضع و خاصة في بلاد الرمال التي يتحكم بها سلاطين ورؤساء جمهوريات ملكيه تورّث الحكم و تستأثر فيها طبقات بالسلطه وبسرقة الدوله تاركة بقية الشعب لرحمة الله و الجماعات الاسلاميه..او الهجره.


الدين مفيد لهذه الطبقات الحاكمه، لولا الدين و لولا العاطفه فهل كان كل هؤلاء المؤمنين المساكين سيتصبّرون على الظلم؟


ان هناك مكافأة عظيمة بعد الموت لهؤلاء الصابرين على الضيم. هناك محاكمة جرائم الحرب السماويه التي سيقوم بها الله علي غرار المحكمة الدولية في الهيغ حيث سيُحاسب هذا الاله الوهمي كل هؤلاء المسؤولين عن مُعاناة الانسان، ثم سيعاقبهم بما يستحقون من عذاب، هذا يجعل المؤمن المظلوم يَحسُّ بالفرَح و العداله و يشفي غليل الرغبه في الانتقام من هؤلاء الظالمينهذه هي العاطفه التي اتكلم عنها.. وهذا بعضُ ما يُبقي الانسان و فياً لدينه و ربه.



ولكن عزيزتي هناء، يجب ان تعرفي إننا المـلحدون نعلم علم اليقين بأن هذه العدالة الكونية الالهيه السماويه، غير موجوده. ان مصير هؤلاء الاشرار الظالمين لا يختلف عن المصير الذي ينتظر كل انسان، انه الموت. و بعد ان يموتوا و نموت نحن، لايحدث شيء، لا نحن نعود للحياة و لا هم. قد يبدوا لك هذا وكأنه دعوة لليأس و الاكتئاب، ولكن الواقع غير ذلك، انه واقع يُحركنا ويجعلنا نتخذ قرارات في حياتنا، ان نحارب هؤلاء الظالمين و ان لا ندعهم يتهنون بحياة، لأننا لن ننال منهم بعد الموت ولا يوجد رب للرمال ليأخذ لك بثأرك.


اذا كانت هذه هي الحياة الوحيدة التي لدينا، فكيف نعطيها للظالمين و المستغلين الذين يعلمون بأن كلمات مثل " منك لله" و "الله و لي الظالمين" هو كلام فارغ. هؤلاء يستغلون سلطتهم للنيل منك و سرقة قوت اطفالك لإنهم يعلمون ان دينك عاطفي و سيؤجل احتجاجك الى تلك العاطفه التي تصدق بأن هناك عدالة كونيه سماويه. انهم يُدركون انها كذبه، لأنهم هم من خلقها ليخدروك بها.


ان عدم الاعتقاد بهذه العواطف والاعتماد على العقل سيضمن حياة كريمة لنا جميعاً لأن الالحاد يُفـوّت الفرصة على اصحاب السلطة و المتنفذون و المتسلطون بالعفو عنهم، وهذا سيضمن حياة كريمة افضل لأبنائنا و لاجيالنا في المستقبل.


اذا كنا نريد احقاق الحق و تحقيق العدالة، فيجب ان نقوم بذلك على هذه الارض، وليس في الاخره، فالاخرة لهم، انها استغفالنا و سرقة حقوقنا. هذه هي الرسالة التي يحملها المُلحد لكم، ليس لها تأثير مخدر و لا مهديء ولكن…تدفع الى عمل ملموس و محسوس يحرك ساكن الامور ويقض مضجع الظالم المستغل ويجبره على التفكير مرتين لأنه يعلم ان كلامه لا يمشى على احد، لأن الكذب بتلك الطريقه العاطفيه الساذجه غير مقبول ولا ينفع.


لا ادري اذا كُنتِ يا هناء او انتم قد فهمتم ما احاول ان اقوله، لو كان هناك قُبول بهذه العدالة السماويه الكونيه..فسيكون من السهل جداً التعامل مع انعدام العداله في هذه الارض. ان هناك امثلة بالمئات و الالاف حيث ان العدالة الالهيه لم تتحقق، لقد ذُبح الناس في العراق جُزافاً و اختفى المجرمين القتله و لا احد يستطيع ان يفعل شيئاً،لأن هؤلاء المجرمين يعرفون ان المسلم لا يهتم الا بعاطفة العدالة السماويه.



جعل هذا بعض الناس لايهتمون بأهمية العداله الانسانيه، مثلما يحدث عندنا في بلاد الرمال، العاطفه الايمانيه هذه يا هناء تخدم الحاكم تماماً والمتسلط الفاشي القادم كالاسلاميين لأن الشعب يتحمّل الظلم و الفشل من خلال إيمانه الديني العاطفي، وذلك لأنه "مؤمن" بأن الله سيعطيه حقه في الاخره، انه لهذا اصبحنا اُمماً فقيرة بائسه لاننا نبحث عن العدالة بعد الموت، مثل قصة بوس طيز لطفي حيث المكافأة تأتي بعد ان تموت فقط، فيستفيد الكاذب والمرتشي والمستغل وجماعة الرئيس والشيخ و جلالة الملك بشكار الحرمين والسلطان وسدنتهم في الاستمتاع بسرقة ثروه الدوله و حقوق اولادك، وانت تعيش مطمئناً بأن رب الرمال سيأخذ بحقك، و انت بدون ان تعرف انه ايضاً عضو في نفس العصابه.



قد يقول احدكم و لكن يابن كريشان حتى لو آمن الناس بما تقول ففرصهم بتغيير الوضع في بلاد الرمال ضئيلة جداً، فلماذا لا تخليهم يحلمون و يتمتعون بعاطفتهم و يموتون قريري العين؟ اقول لا ان انحرافاً بسيطاً في التفكير مثل هذا سيُحدث في البداية تغييراً طفيفاً، ثم سيُبنى عليه حتى يصبح فيضاناً، ان وجود اناس مقابلهم يعرفون اكاذيبهم و ينتقدونهم، سيُحرك الامور نحو العداله، هذه هي قوة العقلانيه، اما العاطفه و هي الاعتقاد بأن رباً وهمياً سينتقم لك، واقبل انت و عش صابراً بينما هم يسرقون حقك، يرسلون اولادهم للدراسه في احسن الجامعات بفلوس ضرائبك ..ياسلام ببلاش بس على حسابك انت صاحب الايمان العاطفي بينما ابنك يموت ليحصل على وظيفه، وماعندهم مشكله في هذا انشالله مات…انهم لا يخافون منك لأنك مؤمن بأن الله الذي سيخلف عليك بعد الموت…فأنت حكمت على نفسك بالغباء، بينما هم سيصبرّونك بالايمان.. ثم يذهبون يتمتعون بالفلوس والحياة.



هذا هو الفرق بين الملحد و بين المؤمن، لو كنا كلنا ملحدون يا هناء و نؤمن بالعقل، فهل سيعملون هذا بنا؟ مالفائده من هذا الله الذي تجدينه في شعورك و عاطفتك؟ وهو لايهتم ومستمرٌ يُكرس الظلم و يجعل الابرياء يعانون وهم مطمئنون.


حسناً وبعد كل هذا فهل نحن الملحدين نستبدل العاطفه و المشاعر بالعقل؟ اهذا صحيح؟ ايعنى هذا انني كملحد ماعندي مشاعر ولا نقاط ضعف عاطفياً؟ بالطبع لا.. نحن بشر ولدينا عاطفه نحب اولادنا امهاتنا و اخواننا، العاطفة مهمة جداً ولكنها في اطار عقلاني بمعنى اننا لا نقبل الخرافه، و لكن نتقبل المشاعر. هل اصحى في يوم و اقول لنفسي انا ملحد يابن كريشان، ليس لدي عاطفه، وهذه امي تكلفني فلوس لرعايتها، وبالعقل لو تخلصت منها و رميتها في بيت العجزه فسأوفر فلوسي، لا ياهناء انا لا اقبل بذلك، فعاطفتي هنا تغلب عقلى…ولكن عندما يكلم سليمان نمله فأنها اعرف بعقلي انها كذبه، بينما يصدق المؤمن بعاطفته لأنه يريد ان يصدق..وانت ياهناء لاتصدقى مايقولونه عنا بأننا عبدة الشهوات و الجنس والعقل والكلام الفاضي..نحن بشر ولدينا مشاعر و قيم مثل كل الناس


عزيزتي هناء انت قلتي"ان المُلحد يقوم على تضخيم العقل والعقل فقط" وانت لطيفة بقولك هذا لأن غالبية المؤمنين يستخدمون تعابير مثل ان المُلحد يعبد العقل، او يعبد العِلم مثلما يقولون كذلك انهم المُلحدين يعبدون شهواتهم. احبُ ان أؤكد لك انه ليس اياً من هذه التعابير صحيح ،،ولا واحد منها يصُف الملحد بأي صفة صادقة تتعلق به..انها مجرد بروباغندا رخيصه. ان وصف الملحد بهذه الصفات ليست الا محاولة وضعه في موقف متعالٍ متكبر رافض ومنكر لوجود الههم.



يتخيل البعض ان هناك منطقة مُخصّصة لله في قلب الانسان يملؤها لهم بالعاطفة و الحب و الرحمه والاحاسيس انها ليست اكثر من طريقة اخرى للقول ان الانسان يعرف الله بالفطره او بالغريزه. و بما اننا نعرف الله " بالغريزه و الفطره و الشعور العاطفي" فبالتالي الله موجود وبالتالي ايضاً يجب ان نكون مؤمنين ….آمين يارب العالمين ….هذه حجة غير مقبولة ابداً.


وعودة لك هناء مارأيك لو سألتك مانوع العاطفة التي تكُنيها للناس الذين لم تقابليهم في حياتك؟ بصراحة بالنسبة لي.. لا شيء، انا لا احس بأي شعور تجاه تلك الفتاة الجميله التي من الارجنتين و التي لم اقابلها و لن اقابلها في حياتي والتي ربما قد تكون غير موجوده اصلاً... هذا بالضبط هو شعور المُلحد تجاه الله.


نحن الملحدون لانذهب للقول بأن هناك فراغاً عقلانياً كبيراً في دماغ المؤمن لذا فهو يعرف الالحاد بفطرته و هو وإن كان مؤمناً فهو ينكر هذا الالحاد ويجب عليه ان يملأه بالعقلانيه..اترين عزيزتي هناء ..كيف يكون الامر لو قلبناه؟ انا لا افترض ان المؤمنين بحاجة الى هذه العقلانيه، لذا يجب ان لا نفترض ان الملحد يحتاج الى هذه العاطفة او انها تعيش في قلبه بشكل من اشكال الخوف و الرغبه و الحاجة للاطمئنان.


يستشهدُ القرءان والادبيات الاسلاميه المختلفه بفكرة شوق النفس الى الله و يعتمدون في ذلك على مقولتهم بأن الايمان فطري وان الانسان ليدرك الله بفطرته، وهذا الكلام غريب ويناقض اقوال القرءان وكتابات الاسلاميين في اماكن اخرى، فالفطره ماهي الا الحس الغريزي اليس كذلك؟ طيب الا يحذرُ القرءان المسلمين من الغرائز والاستسلام لها فالشهوات غرائز انسانيه والاسلام كأي دين يعتبرها حيوانيه و قذاره يجب التحكم فيها بإستخدام الاراده الذهنيه ( العقل) ليجبر الجسم عن الامتناع عن الشهوات من الجنس او الصيام في رمضان الخ..فكيف يعتمد في الايمان بالله على غريزه؟


هناك مُشكلة اخرى في تساؤلك عزيزتي هناء. اذا كانت هناك عاطفةٌ موجودة لدى الانسان تحِنُ الى الله في حالة الضعف و تأمل رضاهُ ساعة الخوف كما تقولين اختنا العزيزه، فمالذي يحدث لهذه العاطفه عند شخص من دين اخر؟ البوذي عندما تمر به هذه العاطفة لن يحتاج الى رب الرمال، فستقوده عاطفته الى مستر بوذا، اما المسيحي فستقوده هذه العاطفه الى من؟ ليس الله الاسلامي بل يسوع سبايدرمان، وهكذا، إذاً فالاعتماد على العاطفه لمعرفة الله و الوصول اليه هو شيء فاسد ولايوصل الى شيء لأن هذه العاطفة تأتي بشكل هندوسي، و اسلامي سُني، واسلامي شيعي و اباظي و قدياني، وبوذي ،ومسيحي وبهائي و غيرهم، ليس لها شكل محدد، بما يعني انها مجرد شعور لا اساس له ينبع من التأثر الثقافي وطريقة التربيه منذ الطفوله.



شوفي عزيزتي هناء، ليس لهذه العاطفة وجودٌ حقيقي، ان ما تسمينه عاطفه ماهو الاحاجاتنا الانسانيه مثل الحاجة الى الحُب و السعاده و الامان و الرضا عن النفس و راحة البال. انا مثلك رغم اني ملحد ولكن لدي نفسُ هذه الحاجات، ولكنها لاتدفعني للشوق الى الله ، فكما ذكرت اعلاه لا انا ولا انت من الممكن ان تشتاق عاطفتنا الى انسان لا نعرفه و لم نلتقيه في حياتنا. وهذا يجب ان يدفعك للشك قليلا و استخدام عقلك، نعم هذا العقل الذي قلت اننا نضخم اهميته لتتسائلي و تقولي في نفسك: لحظه ..ان ماقاله بن صحيح عن كون هذه العاطفه شيء انساني مشترك فهل من الممكن ان يكون ابناء الذين&

هل سيبقي الاسلام مهيمناً علينا لأبد؟







لمحت تشاؤماً من بعض المُلحدين في "شبكة المُلحدين العرب" اثاء حوارهم معي من خلال تعليقاتهم واسئلتهم من ان الإسلام لن ينتهي وربما سينتشر أكثر.

وإن كنت قد أجبت على هذا اثناء اللقاء، إلا إنني أرتأيت ان اكتب عن الموضوع بالمدونة هنا لأوضح مرة اخرى إستحالة هذه الفرضيه. ودعوني اولاً اطرح عليكم هذا السؤال: الاتبور السلع؟

عندما تذهب للتسوق اليوم جرب ودقق في اسعار اجهزة الديڨي .دي. انها تباع بمبالغ زهيدةٍ جداً..لقد وجدت احدها معروضاً بمائة وخمسين درهماً فقط الأسبوع الماضي. للعلم عندما نزلت هذه الأجهزه للسوق كان الجهاز منها يُسام بخمسة الاف أو ستة الاف درهم. اتعرفون السبب؟

لقد تغير السوق واصبحت ليست هناك حاجة لهذا الجهاز فالكومبيوتر الشخصي يأتي وبه ديڨي .دي. كما ان وسائل تخزين المعلومات على ال يو.إس.بي في طريقها لتمحي الاقراص من الوجود. لا ادري لماذا يستخدم الناس الفاكس اليوم؟ الشركات المعاصره صارت تزيل ارقام الفاكس من عناوينها حتى لاتبدوا كشركات قديمه و متخلفه. هل تذكر صناعة تحميض وطبع الافلام؟ الم تنقرض؟ مصنعوا الكاميرات اليوم تحت التهديد بالفناء والخروج من السوق بسبب دخول العصر الرقمي فصارت شركة الكترونيات مثل سوني وسامسونج، تنافسان في تصنيع الكاميرات شركة كانون المتخصصه و لاندري الى متى ستبقى الاخيره صامدة.

تبور السلع بتغير السوق، فلماذا لاتبور الأفكار القديمه بظهور أفكار تنافسيه افضل واحدث تؤدي الدور بكفاءة أكثر؟

تشير الدراسات الى ان الالحاد والعلمانيه أكثر إنتشاراً في المناطق التي تكون الحياة فيها اكثر اماناً للفرد من حيث الثروه والضمان الاجتماعي الذي تقدمه الدول لمواطنيها. مثال لهذه الدول ، البلاد الاسكندنافيه واوروبا الشماليه.

تنتشر الأديان اكثر في البلاد الفقيره و التي تفتقر الى الأمان الوظيفي والتي لاتقدم الدولة فيها اية ضمانات إجتماعيه لمواطنيها- كأغلب بلاد الرمال- . ماهوسبب هذا ياترى؟

السبب هو ان افكاراُ مثل الضمان الاجتماعي والصحي والوظيفي إضافة الى توفر الخدمات العلاجيه النفسيه صارت اكثر فاعلية من الأشياء التقليديه التي يقدمها الدين. اليست هذه هي المُنافسه؟

إن مانسميه المنافسه او قوى السوق هي في الواقع جزء من طبيعة التطور والبقاء للافضل. المواطن في السويد على سبيل المثال او في هولندا عندما يخسر عمله لايقلق فلا يصيبه الضغط ولايموت مثل الانسان المسكين في بلادنا ، فالدوله تتكفل بإستمرار بتعليم اولاده وتقديم العلاج الصحي له و لهم وسيحصُل على راتبٍ يكفيه ليعيش مُكرماً حتى يجد عملاً أخر.

هذا التضامن هو نتيجة طبيعيه لقيام هذا المواطن بدفع الضرائب للدوله من اجل الحصول على هذه الخدمات..وعندما يصيبه اضطراب وقلق يلجأ الى المعالج النفسي. العلاج النفسي في هذه البلاد متوفر ولايعنى ان الشخص الذي يذهب للطبيب النفسي شخص مجنون بل يحتاج الى من يساعده للتأقلم مع التعارض والخلافات التي تنشأ بسبب الجو الأجتماعي وبيئة العمل وضغوط الحياة . وعندما يختلف الزوجان فهناك ايضاً مُصلح زواج متخصص ومدرب على التعامل مع هذه حالات المشاكل الزوجيه. ولكن مالذي يحدث لمواطن احد الدول الفقيره؟

لن استخدم مثال من اي من بلاد الرمال حتى لايزعل احد الأخوان والأخوات كما حدث عندما تحدثت عن ليبيا. فالنقل في الفلبين ذلك البلد الكاثوليكي المتدين الفقير. لاتوفر الدوله اية فرصة عمل للمواطن رغم انها تأخذ منه الضرائب ولاتهتم بتزويده بالعلاج ولا بالتعليم و عليه ان يدفع من جيبه لكل ذاك..في غياب الدوله جاءت الكنيسه و ملئت الفراغ. في المستشفى الذي تديره الكنيسه يمر القساوسه يدعوذون بصلواتهم ويلوحون بصلبانهم في زيارات للمرضى بين زيارات الطبيب. ويرسل الفلبيني ابناؤه لمدرسة تهيمن عليها الكنيسه يتدعوذون ويصلون مع بداية كل درس وعندما يمر المواطن الفلبيني بصعوبات في حياته فلاطبيب نفسي ولا مصلح زواج فالكاهن هو من يلعب كل هذه الأدوار.

يبدو ان الناس تلجأ للدين للتغلب على مشاكلهم الأجتماعيه و الخوف وعدم اليقين في حياتهم. انه المرهم الذي يداوي الصعوبات. ولكن مالذي حدث في الديموقراطيات الأجتماعيه في شمال اوروبا؟ هناك خوف اقل وإطمئنان وثقة بالنفس اكثر بسبب وجود بديل افضل واكثر عملية وفعالية.

ان توفر الرعايه الصحيه يقلل من عدد الوفيات ويطيل عمر الأنسان..هؤلاء الناس يحسون انهم اقل عرضة لشرور الطبيعه ولذلك يسيطرون على مقدرات حياتهم بعكس الناس في الفلبين وبلاد الرمال الغير محظوظين ..لذلك فحاجتهم الى الى الدين أكبر.

حتى الدور النفسي الذي يلعبه الدين في حياة الفرد اليوم ، يواجه منافسة شديده في المجتمعات الحديثه حيث ان قدرات الطب النفسي العلاجيه تفوق كل الأدعيه والصلوات التي يُوصي بها الشيوخ و القساوسه. الفرق بين الاثنين هو الفرق بين الافيون و البنسلين.

عضوية الفرق الرياضيه و النوادي الأجتماعيه تزود الانسان في هذه الدول ببدائل عن الحياة الأجتماعيه والروحيه في الكنيسه، ونفس الشيء بالنسبة للموسيقى وغيرها من وسائل الترويح والتفريج عن النفس. الكنيسه تحاول العوده اليوم الى عقول هؤلاء بالسماح للشباب بدخول الكنيسه بدون قيود على اللباس وتوفر لهم موسيقى الروك " الانجليكاني" من اجل البقاء ولكنه اخر نفس تلفظه..مثل محاولة عمرو خالد المتأخره في انقاذ مايمكن انقاذه من الاسلام .

لو فسرت اسباب خسارة الكنائس لأتباعها في هذه الدول ستجد ان التفسير الوحيد هو المنافسه. الدين هناك يعاني من منافسة افكار جديده اكثر عقلانيه و تطوراً وتأثيراً. هذه الاساليب الجديده متوافقة مع العقل والعلم ومع الحمايه التي يقدمها المجتمع من خلال خدمات الضمان الأجتماعي والخدمات النفسيه توفر بديلاً حقيقياً عن الدين. هذه البدائل ،على عكس الأديان متوفرة بدون شروط الإستعباد للدين ولله أوللكاهن والشيخ.

حتى الناس الذين مازالوا مُؤمنين لم يعودوا يعتمدون على الكنيسه و صاروا يعيشون حياتهم هناك بشكل علماني لاتهيمن فيه الكنيسة على حياتهم و قراراتهم. هذا الشخص المؤمن من الممكن ان يكون منتقداً للدين ايضاً وتصرفات المتدينين بدون اي تحفّظ من اجل حماية حياته العلمانيه الحره.

الناس هناك لايستبدلون دينهم بالاطباء النفسيين والخدمات الاجتماعيه والفرق الرياضيه بل يستبدلون الطريقه التقليديه القديمه للتفكير بالدين...بالحياة العلمانيه العمليه.

هل فكرت يوماً ماهو سر التذمر والحرب التي تشنها المواقع الاسلاميه ضد العلمانيه والالحاد، ان لم تكن هذه الافكار افكاراً تنافسيه تهدد وجود الفكر الديني. افكاراً اقوى واذكى وأكثر عقلانيه وايضاً خالية من الحاجه الى تبرير الخرافات مثل قصة نملة سليمان و كابتن نوح ويسوع سبايدرمان اللي يمشي على المياه.

هنا تتغير القصه تماماً. ان شكوى المسلمين من العلمانيه و الالحاد وما يكتبون عنها هي تعبير عن الخوف من المنافسه والحاجه الماسّه لإبعاد الزبائن المؤمنون عنها.

الالحاد عندما يظهر في هذه المدونه اوغيرها ويعلن عن وجوده...فهو يعلن عن وجود بديل ذكي افضل..ويدعو الناس الى تجربة فكرة احسن من الايمان الأعمي ..تجربة فكر بديل يعطي الانسان استقلالية ويقيناً وثقة لا تعتمد على قوى خرافيه و معجزات خارقة للطبيعه وسحر..بديلاً واقعياً مبني على انسانيتنا...فكر نتخلص بواسطته من احتكار الدين لعقولنا لقرون طويله ونتخلص بواسطته ايضاً من الخرافه وقصص الوهم الي زرعها الدين في عقولنا ونحن اطفال...من الطبيعي ان يحاربه الفكر الديني خوفاً من خسارة سوقهم التي كانت رائجه.

نحن اخواتي واخواني نعيش هذه المرحله..لقد تغيّر الزمن وانتهت صلاحية الفكره الدينيه . سواء طال الامد ام قصُر..فالالحاد والعلمانيه قد قصفا عمر الخرافه الدينيه ولم يبق منها شيء .

ولو قاوم الدين وخرافاته بكل جبروت مُلكه وسيطرته على وسائل الاعلام..و بهيمنته على أصحاب السياسه..واستغلال رؤساء جمهوريات بلاد الرمال والملوك له...وكل اموال النفط من خزائن مملكة الرمال الكبرى فلا فائده... فقد ماتت الخرافه، لقد انتهت...انها ليست صحوة دينيه..بل سكرات موت محتوم .

بن كريشان