كتبت هناء :
أريدُ ان اسألك سؤلاً واحداً استأذنك في كونه سؤالاً شخصياً، الم تشتاق ابداً الى وجود الله في حياتك؟
ربٌ اعلى تحتاجُ اليه في حالة الضعف، و تخشاه لحظة التجبر وتأمل رضاه لحظة الخوف. اعرفُ انك مثل باقي المُلحدين تحاول ان تلغي كلمة عاطفه بكل ماتجره من معاني من قاموس حياتهم، و يعملون على تضخيم العقل و العقل فقط..ولكن هل ينجح هذا دائماً؟
هل العاطفة كجانب انساني يمكن شطبها بجرة قلم؟
انا مثلاً فتاةٌ غير عقلانيه و لا تستطيع اثبات و جود الله بالعقل و لا تستطيع منطقة مشاعرها، و ان ناقشت مُلحد فسيتفوق على بسهوله. اعرف الله بأحساسي فقط، اؤمن به لأنني اشعر بوجوده. فهل وكيف مسحت عاطفتك مقابل عقلك؟
شكراً لأنصاتك و اتفهم عدم اجابتك ان لم ترغب بذلك.
هناء
رغم ان المسلمون يصرون على ان دينهم دينٌ عقلاني، و انهم يستدلون على ربهم بالعقل، الا ان الغالبية يحسّون بالجانب العاطفي للدين وليس العقلاني. ان صديقتنا هناء ليست مُختلفة عن الاغلبيه و هذا ليس بذنبها بل لأن الاسلام مثل بقية الاديان ينـاشدُ العاطفة ويُعارض العقل…في الواقع انه حتى عند استماعهم لما يُقدم لهم على اساس انه حُجج عقليه فأنهم يقتنعون بعاطفتهم و يكبحون جماح عقلهم كي لا يتحدى تلك الحجة.
هل ياترى من الممكن ان نأخذ الاسباب العاطفيه كأثبات لوجود الله؟
كما قلت، فإن نداء العاطفه في الدين اقوى و اكثر جذباً و هو بالتأكيد كذلك لأن فكرة وجود عدالة الهية سماوية هو ما يحرك هذه العاطفه مقابل ضعف الانسان و احْساسِه بعدَم القـُدره على السيطره او تغيير الوضع و خاصة في بلاد الرمال التي يتحكم بها سلاطين ورؤساء جمهوريات ملكيه تورّث الحكم و تستأثر فيها طبقات بالسلطه وبسرقة الدوله تاركة بقية الشعب لرحمة الله و الجماعات الاسلاميه..او الهجره.
الدين مفيد لهذه الطبقات الحاكمه، لولا الدين و لولا العاطفه فهل كان كل هؤلاء المؤمنين المساكين سيتصبّرون على الظلم؟
ان هناك مكافأة عظيمة بعد الموت لهؤلاء الصابرين على الضيم. هناك محاكمة جرائم الحرب السماويه التي سيقوم بها الله علي غرار المحكمة الدولية في الهيغ حيث سيُحاسب هذا الاله الوهمي كل هؤلاء المسؤولين عن مُعاناة الانسان، ثم سيعاقبهم بما يستحقون من عذاب، هذا يجعل المؤمن المظلوم يَحسُّ بالفرَح و العداله و يشفي غليل الرغبه في الانتقام من هؤلاء الظالمين…هذه هي العاطفه التي اتكلم عنها.. وهذا بعضُ ما يُبقي الانسان و فياً لدينه و ربه.
ولكن عزيزتي هناء، يجب ان تعرفي إننا المـلحدون نعلم علم اليقين بأن هذه العدالة الكونية الالهيه السماويه، غير موجوده. ان مصير هؤلاء الاشرار الظالمين لا يختلف عن المصير الذي ينتظر كل انسان، انه الموت. و بعد ان يموتوا و نموت نحن، لايحدث شيء، لا نحن نعود للحياة و لا هم. قد يبدوا لك هذا وكأنه دعوة لليأس و الاكتئاب، ولكن الواقع غير ذلك، انه واقع يُحركنا ويجعلنا نتخذ قرارات في حياتنا، ان نحارب هؤلاء الظالمين و ان لا ندعهم يتهنون بحياة، لأننا لن ننال منهم بعد الموت ولا يوجد رب للرمال ليأخذ لك بثأرك.
اذا كانت هذه هي الحياة الوحيدة التي لدينا، فكيف نعطيها للظالمين و المستغلين الذين يعلمون بأن كلمات مثل " منك لله" و "الله و لي الظالمين" هو كلام فارغ. هؤلاء يستغلون سلطتهم للنيل منك و سرقة قوت اطفالك لإنهم يعلمون ان دينك عاطفي و سيؤجل احتجاجك الى تلك العاطفه التي تصدق بأن هناك عدالة كونيه سماويه. انهم يُدركون انها كذبه، لأنهم هم من خلقها ليخدروك بها.
ان عدم الاعتقاد بهذه العواطف والاعتماد على العقل سيضمن حياة كريمة لنا جميعاً لأن الالحاد يُفـوّت الفرصة على اصحاب السلطة و المتنفذون و المتسلطون بالعفو عنهم، وهذا سيضمن حياة كريمة افضل لأبنائنا و لاجيالنا في المستقبل.
اذا كنا نريد احقاق الحق و تحقيق العدالة، فيجب ان نقوم بذلك على هذه الارض، وليس في الاخره، فالاخرة لهم، انها استغفالنا و سرقة حقوقنا. هذه هي الرسالة التي يحملها المُلحد لكم، ليس لها تأثير مخدر و لا مهديء ولكن…تدفع الى عمل ملموس و محسوس يحرك ساكن الامور ويقض مضجع الظالم المستغل ويجبره على التفكير مرتين لأنه يعلم ان كلامه لا يمشى على احد، لأن الكذب بتلك الطريقه العاطفيه الساذجه غير مقبول ولا ينفع.
لا ادري اذا كُنتِ يا هناء او انتم قد فهمتم ما احاول ان اقوله، لو كان هناك قُبول بهذه العدالة السماويه الكونيه..فسيكون من السهل جداً التعامل مع انعدام العداله في هذه الارض. ان هناك امثلة بالمئات و الالاف حيث ان العدالة الالهيه لم تتحقق، لقد ذُبح الناس في العراق جُزافاً و اختفى المجرمين القتله و لا احد يستطيع ان يفعل شيئاً،لأن هؤلاء المجرمين يعرفون ان المسلم لا يهتم الا بعاطفة العدالة السماويه.
جعل هذا بعض الناس لايهتمون بأهمية العداله الانسانيه، مثلما يحدث عندنا في بلاد الرمال، العاطفه الايمانيه هذه يا هناء تخدم الحاكم تماماً والمتسلط الفاشي القادم كالاسلاميين لأن الشعب يتحمّل الظلم و الفشل من خلال إيمانه الديني العاطفي، وذلك لأنه "مؤمن" بأن الله سيعطيه حقه في الاخره، انه لهذا اصبحنا اُمماً فقيرة بائسه لاننا نبحث عن العدالة بعد الموت، مثل قصة بوس طيز لطفي حيث المكافأة تأتي بعد ان تموت فقط، فيستفيد الكاذب والمرتشي والمستغل وجماعة الرئيس والشيخ و جلالة الملك بشكار الحرمين والسلطان وسدنتهم في الاستمتاع بسرقة ثروه الدوله و حقوق اولادك، وانت تعيش مطمئناً بأن رب الرمال سيأخذ بحقك، و انت بدون ان تعرف انه ايضاً عضو في نفس العصابه.
قد يقول احدكم و لكن يابن كريشان حتى لو آمن الناس بما تقول ففرصهم بتغيير الوضع في بلاد الرمال ضئيلة جداً، فلماذا لا تخليهم يحلمون و يتمتعون بعاطفتهم و يموتون قريري العين؟ اقول لا ان انحرافاً بسيطاً في التفكير مثل هذا سيُحدث في البداية تغييراً طفيفاً، ثم سيُبنى عليه حتى يصبح فيضاناً، ان وجود اناس مقابلهم يعرفون اكاذيبهم و ينتقدونهم، سيُحرك الامور نحو العداله، هذه هي قوة العقلانيه، اما العاطفه و هي الاعتقاد بأن رباً وهمياً سينتقم لك، واقبل انت و عش صابراً بينما هم يسرقون حقك، يرسلون اولادهم للدراسه في احسن الجامعات بفلوس ضرائبك ..ياسلام ببلاش بس على حسابك انت صاحب الايمان العاطفي بينما ابنك يموت ليحصل على وظيفه، وماعندهم مشكله في هذا انشالله مات…انهم لا يخافون منك لأنك مؤمن بأن الله الذي سيخلف عليك بعد الموت…فأنت حكمت على نفسك بالغباء، بينما هم سيصبرّونك بالايمان.. ثم يذهبون يتمتعون بالفلوس والحياة.
هذا هو الفرق بين الملحد و بين المؤمن، لو كنا كلنا ملحدون يا هناء و نؤمن بالعقل، فهل سيعملون هذا بنا؟ مالفائده من هذا الله الذي تجدينه في شعورك و عاطفتك؟ وهو لايهتم ومستمرٌ يُكرس الظلم و يجعل الابرياء يعانون وهم مطمئنون.
حسناً وبعد كل هذا فهل نحن الملحدين نستبدل العاطفه و المشاعر بالعقل؟ اهذا صحيح؟ ايعنى هذا انني كملحد ماعندي مشاعر ولا نقاط ضعف عاطفياً؟ بالطبع لا.. نحن بشر ولدينا عاطفه نحب اولادنا امهاتنا و اخواننا، العاطفة مهمة جداً ولكنها في اطار عقلاني بمعنى اننا لا نقبل الخرافه، و لكن نتقبل المشاعر. هل اصحى في يوم و اقول لنفسي انا ملحد يابن كريشان، ليس لدي عاطفه، وهذه امي تكلفني فلوس لرعايتها، وبالعقل لو تخلصت منها و رميتها في بيت العجزه فسأوفر فلوسي، لا ياهناء انا لا اقبل بذلك، فعاطفتي هنا تغلب عقلى…ولكن عندما يكلم سليمان نمله فأنها اعرف بعقلي انها كذبه، بينما يصدق المؤمن بعاطفته لأنه يريد ان يصدق..وانت ياهناء لاتصدقى مايقولونه عنا بأننا عبدة الشهوات و الجنس والعقل والكلام الفاضي..نحن بشر ولدينا مشاعر و قيم مثل كل الناس
عزيزتي هناء انت قلتي"ان المُلحد يقوم على تضخيم العقل والعقل فقط" وانت لطيفة بقولك هذا لأن غالبية المؤمنين يستخدمون تعابير مثل ان المُلحد يعبد العقل، او يعبد العِلم مثلما يقولون كذلك انهم المُلحدين يعبدون شهواتهم. احبُ ان أؤكد لك انه ليس اياً من هذه التعابير صحيح ،،ولا واحد منها يصُف الملحد بأي صفة صادقة تتعلق به..انها مجرد بروباغندا رخيصه. ان وصف الملحد بهذه الصفات ليست الا محاولة وضعه في موقف متعالٍ متكبر رافض ومنكر لوجود الههم.
يتخيل البعض ان هناك منطقة مُخصّصة لله في قلب الانسان يملؤها لهم بالعاطفة و الحب و الرحمه والاحاسيس انها ليست اكثر من طريقة اخرى للقول ان الانسان يعرف الله بالفطره او بالغريزه. و بما اننا نعرف الله " بالغريزه و الفطره و الشعور العاطفي" فبالتالي الله موجود وبالتالي ايضاً يجب ان نكون مؤمنين ….آمين يارب العالمين ….هذه حجة غير مقبولة ابداً.
وعودة لك هناء مارأيك لو سألتك مانوع العاطفة التي تكُنيها للناس الذين لم تقابليهم في حياتك؟ بصراحة بالنسبة لي.. لا شيء، انا لا احس بأي شعور تجاه تلك الفتاة الجميله التي من الارجنتين و التي لم اقابلها و لن اقابلها في حياتي والتي ربما قد تكون غير موجوده اصلاً... هذا بالضبط هو شعور المُلحد تجاه الله.
نحن الملحدون لانذهب للقول بأن هناك فراغاً عقلانياً كبيراً في دماغ المؤمن لذا فهو يعرف الالحاد بفطرته و هو وإن كان مؤمناً فهو ينكر هذا الالحاد ويجب عليه ان يملأه بالعقلانيه..اترين عزيزتي هناء ..كيف يكون الامر لو قلبناه؟ انا لا افترض ان المؤمنين بحاجة الى هذه العقلانيه، لذا يجب ان لا نفترض ان الملحد يحتاج الى هذه العاطفة او انها تعيش في قلبه بشكل من اشكال الخوف و الرغبه و الحاجة للاطمئنان.
يستشهدُ القرءان والادبيات الاسلاميه المختلفه بفكرة شوق النفس الى الله و يعتمدون في ذلك على مقولتهم بأن الايمان فطري وان الانسان ليدرك الله بفطرته، وهذا الكلام غريب ويناقض اقوال القرءان وكتابات الاسلاميين في اماكن اخرى، فالفطره ماهي الا الحس الغريزي اليس كذلك؟ طيب الا يحذرُ القرءان المسلمين من الغرائز والاستسلام لها فالشهوات غرائز انسانيه والاسلام كأي دين يعتبرها حيوانيه و قذاره يجب التحكم فيها بإستخدام الاراده الذهنيه ( العقل) ليجبر الجسم عن الامتناع عن الشهوات من الجنس او الصيام في رمضان الخ..فكيف يعتمد في الايمان بالله على غريزه؟
هناك مُشكلة اخرى في تساؤلك عزيزتي هناء. اذا كانت هناك عاطفةٌ موجودة لدى الانسان تحِنُ الى الله في حالة الضعف و تأمل رضاهُ ساعة الخوف كما تقولين اختنا العزيزه، فمالذي يحدث لهذه العاطفه عند شخص من دين اخر؟ البوذي عندما تمر به هذه العاطفة لن يحتاج الى رب الرمال، فستقوده عاطفته الى مستر بوذا، اما المسيحي فستقوده هذه العاطفه الى من؟ ليس الله الاسلامي بل يسوع سبايدرمان، وهكذا، إذاً فالاعتماد على العاطفه لمعرفة الله و الوصول اليه هو شيء فاسد ولايوصل الى شيء لأن هذه العاطفة تأتي بشكل هندوسي، و اسلامي سُني، واسلامي شيعي و اباظي و قدياني، وبوذي ،ومسيحي وبهائي و غيرهم، ليس لها شكل محدد، بما يعني انها مجرد شعور لا اساس له ينبع من التأثر الثقافي وطريقة التربيه منذ الطفوله.
شوفي عزيزتي هناء، ليس لهذه العاطفة وجودٌ حقيقي، ان ما تسمينه عاطفه ماهو الاحاجاتنا الانسانيه مثل الحاجة الى الحُب و السعاده و الامان و الرضا عن النفس و راحة البال. انا مثلك رغم اني ملحد ولكن لدي نفسُ هذه الحاجات، ولكنها لاتدفعني للشوق الى الله ، فكما ذكرت اعلاه لا انا ولا انت من الممكن ان تشتاق عاطفتنا الى انسان لا نعرفه و لم نلتقيه في حياتنا. وهذا يجب ان يدفعك للشك قليلا و استخدام عقلك، نعم هذا العقل الذي قلت اننا نضخم اهميته لتتسائلي و تقولي في نفسك: لحظه ..ان ماقاله بن صحيح عن كون هذه العاطفه شيء انساني مشترك فهل من الممكن ان يكون ابناء الذين&