الاثنين

رب الرمال..اله المزاح ام النواح؟



اليوم وصلت الي تركيا، حيث سأبقي ثلاثة أيام اعود بعدها الي مدينة الغبار، او بالاحرى يومين و نصف، لا احصي كم مره زرت فيها اسطنبول..فأنا اكاد اكون اسطنبوليا لمعرفتي بأحسن الاماكن التي تقضي فيها وقتك هنا.. وعندما يكون النهار حارا هنا مثل اليوم ، فلا أحسن من قضاء بعض الوقت في مقهي قصر بيليرباي، الواقع مقابل دولماباتشا على الجانب الاسيوي من البسفور، و هو تحت الجسر المعّلق تقريبا ..يقع المقهي في فناء القصر الخلفي ، وهو على البسفور تماما ..جلست تحت شجرة ظليله اتمتع بالنسمات القادمه من اتجاه البحر الاسود..اشرب العرقسوس و القهوه التركيه، و انا اكتب هذا المقال

يستنكر البعض او يتضايق عندما اكتب بلغة ساخره عن أمور من المفروض ان تكون في حكم المقدس، و بالطبع فالجد و الجديه من الاهميه بشكل كبير، عندما تتحدث عن الله و الدين، فأنت لاترى الامام يوم الجمعه يطلق النكت اثناء الخطبه و لا حتى مزحة خفيفه، فالضحك في المسجد، يعتبره البعض ذنب و جريمة كبرى
كذلك يتصنع شيوخ الدين الجد عندما تراهم على شاشات التلفيزيون و اينما كانوا..ولكن لماذا؟

كان التليفاجنليست او دعاة التبشيريه المسيحيه في التلفزيون في لوس انجليس ، يضحكون حضورهم و يمزحون معهم احيانا، فهل رب الرمال، أكثر جدا و لا يحب المزاح ..على عكس اله المسيحيه الامريكيه مثلا؟

يعود كذلك الي حديث يروى عن النبي يقول لا تكثروا الضحك، فأن كثرة الضحك تميت القلب
و يروى عن الامام الحسن انه قال "ابن آدم، أقلل الضحك؛ فإن كثيرَه يميت القلب، ويزيل البهجة، ويسقط المروءة، ويزري بذي الحال".

اذا كان رب الرمال و الصحارى يكره الضحك..فلماذا خلق روح الدعابة لدينا؟ من ناحية القرأن فلايوجد فيه نص يمنع او يحرم الضحك و الدعابه.. ومن ناحية اخرى هناك قصص تتناقض مع منع الضحك المنسوب الي الرسول في الحديث السابق فقد عرف عن الرسول انه كان يداعب اصحابه و يمازحهم و هذه بعض امثله

كان الرسول يحب رجلا من الباديه و كان دميما اسمه زاهر بن حرام، و كان يمزح بقوله ان زاهرا باديتنا و نحن حاضرته، ورآه مرة بالسوق فجاءه من الخلف واحتضنه وهو لا يراه و صاح من يشترى هذا العبد؟ فضحك زاهر و قال والله لتجدني كاسدا..اي لن يشتريني احد..في رواية اخرى كان الرسول يمازح احد اصحابه بقوله يا أبا عمير مافعل.. النغير..وهو اسم طائر لديه كان قد مات

وفي حديث لأبي هريرة انه قال : انهم قالوا يارسول الله انك لتداعبنا؟ فقال صلى الله عليه و سلم انا لا اقول الا حقا، ومن القصص التى وجدتها ان مزاح الرسول ليس قولا فقط، فقد يكون فعلا و مقالبا، ففي حديث عن عائشه تقول: اتيت النبى صلعم بحريره قد طبختها له –وهو نوع من الطعام-فقال لسوده و النبى بيني و بينها كلي، فأبت، فقلت لتأكلين او لألطخن وجهك، فأبت فوضعت يدي في الحريرة وطليت وجهها، فضحك النبى صلعم، فوضع بيده لها،، وقال لها الطخي وجهها- اي وجه عائشه-فلطخت وجهي... وضحك النبي

و من القصص في الترمذي ان عجوزا مؤمنه جائت الرسول و سألته: يارسول الله ادع الله ان يدخلني الجنه، فقال صلعم: يا ام فلان ان الله لا يدخل الجنة عجوز! فولت تبكى، فضحك الرسول و ارسل وراءها من يخبرها ان الله سيدخلها الجنة شابة

وورد في الروايات ان اصحاب الرسول كانوا يمازحونه ايضا ، وهناك رواية عن صهيب الرومي الذي كان يأكل تمرا و به رمد بأحدى عينيه..وهنا كان الرسول يريد ان يمزح معه و كأن اكل التمر قد يضر من اصاب عينه رمد، فما كان من صهيب الا ان اجاب بسرعة بديهه، لاعليك يارسول الله انما امضغ على الناحية الاخرى..فضحك النبى حتي بانت نواجذه

و هذا غيض من فيض فالاثر الاسلامي مليء بقصص المزاح و الرسول كان لديه روح الدعابة كما ترون

لو كان الله فعلا لا يحب المداعبة و المزاح لما خلق لنا بعض المخلوقات المضحكه بسبب غرابتها فالفيل بخرطومه الطويل كمن يستعمل أنفه بدل يديه! كما انك لاتتمالك نفسك من الضحك عندما تستمع الي ببغاء يقلد كلام الناس، اليس هذا مداعبة و ممازحة من رب الرمال لنا..بينما نحن سكان رماله ماخذين الموضوع جد..الم ترى انه خلق السعدان الذي يمشى و مؤخرته الحمراء ظاهرة من خلفه.. و الحمار بأذنيه الكبيرتين و كأنه مسخ للحصان الجميل..و هل رأيت صورة البليتابوس الاسترالي الذي يشبه البطه ولكنه يلد كالحيوان..اليس ذلك مداعبة و مزاح لبنى البشر؟

و في القرآن من الايات و القصص التى تنم عن روح المداعبه ، فمثلا قصة ابراهيم حين يداعبه الله بحلم انه يذبح ابنه اسماعيل، حتى قال له يابنى اني ارى في المنام ان اذبحك، فأجاب اسماعيل يا أبت افعل ما تؤمر.. وقبل ان يذبح ابنه خاطبه رب الرمال من على جبل عرفات و قال له: توقف، كنت اقصد كبشا..و ليس اسماعيل! و هناك قصة موسى و الخضر في سورة الكهف، حيث ظل الخضر يقوم بأفعال غير منطقيه يغيظ و يتحدى صبر موسى بها ، فهو يخرق السفينة، و يقتل الغلام، ويبنى جدارا منقضا بدون اجر..حتي فاض الكيل بموسى ، فيستسلم عندئذ يشرح الخضر لموسى ما أخفاه من الاسرار عنه، رب الرمال ..حتى يمازحه و يعلمه ان الامور ليست كما تبدو، كذلك و في نفس السوره عندما يمزح رب الرمال مع فتية الكهف فيجعل الشمس تراوغ عن كهفهم ذات اليمين و ذات اليسار، فاعتقدوا ان النهار لم يطلع حتى ناموا مئة سنه، هذا كان قبل اختراع المنبه طبعا، ثم استيقظوا ليجدوا نفسهم في عالم اخر! ثم يمازحنا لنعرف عددهم ان كانوا خمسة سادسهم كلبهم ام سبعة ثامنهم كلبهم؟ و لماذا يحسب الكلب كشخص منهم، ام كان يشير الي احدهم

و عندما ايضاوصف يقول القرأن فيه ان انكر الصوات لصوت الحمير، في تشبيه كوميدي ظريف..وهناك سورة النمل و فيها تنخدع ملكة سبأ حين تمشي على البلور فتكشف عن ساقيها... ليمتع عينا سليمان برؤيتهما و كانتا أجمل من سيقان تينا تيرنر أو نعومي كامبل: قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ

اذا كما ترون فأن الدعابة و المزاح و الكتابة الساخره موجوده و معترف بها في دين بلاد الرمال، كما و رد في الاثر و القرأن..مقابل رواية ضعيفة واحده تعتبر ان الضحك يميت القلب، فالنضحك و لنمزح فهمومنا في بلاد الرمال كثيره

هل يعرف القراء ان هناك خلاف كبير بين الاتراك و العرب على شخصية جحا..فالاتراك يعتبرونه شخصية تركيه بينما يمثل جحا شخصيه مهمه في القصص الفكاهيه الشعبيه عند العرب..ياليت كل خلافات الدول مثل هذه

الساعة الخامسة مساء الان..سفينة اوكرانيه ضخمه تعبر البسفور....و كأنها احضرت معها نسمات باردة من بلادها..لقد نسيت ان اضع جاكيت، كالعاده، داخل الشنطه التى احملها على ظهري دائما، سأغلق كومبيوتري المحمول الصغير، و افكر ماذا سأفعل اليله؟ ربما سأجلس في احد الحانات الصغيره في زقازيق شارع الاستقلال، ان افضل بيره تركيه اسمها أيفيس، اعرف بيسترو تركي لا اذكر اسمه الان، يقع في احدى الزقازيق المتفرعه من شارع استقلال، على اليسار بعد القنصليه الفرنسيه.. يقدم البيره مع المزات التركيه الطيبه.. و انت تتأمل الناس التي تلعب النرد و تدخن الشيشيه من حولك
بن كريشان


ليست هناك تعليقات: