الاثنين

متى أنا اشوفك.. يا كامل وصوفك



إن اشهر رجل عربي كتب عن الحب و العشق، ليس نزار قباني كما قد تظنون، بل هو رجل لم يكن يعيش حتى في بلاد الرمال. كان إماماً و قاضياً و كاتباً في نفس الوقت، ومع هذا فهو ليس مثل المدعوذين منفوشي اللحى ، كارهي الحياة الذين ترون صورهم في هذا المقال. هذا الرجل كان إسمه ابن حزم. وكان يعيش في اسبانيا الاندلس.

أتعرفون لماذا كانوا ينادونه إبن حزم؟ ستفهمون عندما تدركون ان أسمه في الهويّه ( بإفتراض لو كانت عندهم هويّات ايامها) سيكون : علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الأندلسي. وعندما كان صغيراً يلعب في الحاره ، كان صعباً على أمه أن تناديه بإسمه من بين الصبيان وتقول: ياعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الأندلسي..تعال الغدا جاهز، فدلعته إختصاراً ..بإبن حزم.

يقول ابن حزم في وصف الحب: أن اوله هزل و اخره جد، جلت معانيه عن توصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمُعاناه. يعني الحب الحقيقي يأتي بعد ان تعرف حبيبك او حبيبتك او زوجك او زوجتك جيداً و يتحول بعد وقت قليل سوء الفهم و تصيد الاخطاء..ولكن الذين يتغلبون على هذا كله، يصلون الى درجة المحبه الحقيقيه التي يقصدها الإمام ابن حزم.




كان عندي صديق اثناء الدراسة يهيم حباً بفتاة في كل سيمستر ( اسم الفصل الدراسي في الجامعات الامريكه). مع ان البنت اصلاً لاتعرفه و لاتكلمه فقد تكون معه في الصف، فيشتكي حبه و مراره..ويسبغ عليها من صفات الألهه في الجمال و العذوبة و الرقه..ثم وبعد جهد جهيد و دفع و تشجيع يكلمها..حتى انني مرة ذهبت الى احد هؤلاء البنات و قلت لها : تعالي دخيلك، هذا الولد معجب فيك..كلميه ارجوك وارحمينا منه. ولكن في اغلب الأحيان كان حبه يفشل عندما يكتشف ان تلك الفتاه ، ليست نفس الصورة التي رسمها في أوصافه..فهو كان يحب شيئاً مجهولاً مختلفاً تماما عن تصوره للفتاة التي أحبها أول مره. وقد صدق ابن عباس حين وصف احدهم فقال في وصفه: انه قتيل الهوى فلا عقل و لاقود.

لذا كان ابن حزم مُحقاً، فالحب يبدأ بنظرة فإبتسامة ، فرقصة، فمشوار صغير في الحديقه، فقبلة تحت المطر( هذه الأخيره دائماً تنجح) ثم يصبح جد.. فمشكلة، فسوء فهم، فجدال، فبكاء، فحسرة.. فطلاق و قضايا في المحاكم.

وقد قال الشاعر: إذا أنت لم تعشق و لم تدر مالهوى..فأنت و عيرُ الفلاة سواء. اي إذا لا تعرف الحب و عمايله ، فأنت جاهل بالحياة و دماغك لا يختلف عن دماغ البعير الهائم في الصحراء. كان قصد هذا الشاعر بالضبط بإنك ان عشقت احداً لاتعرف حقيقته، وصرت مثل صاحبي تسبغ على الحبيب من الصفات ..فانت كالأحمق.

وهذه حكمة تنسحب على المؤمن بالله ، لأنه هو الأخر يسبغ الصفات و الخصائص على ربه، بدون ان يتأكد له اي دليل على وجوده..وكما يقول العاشق بأن النسمه هبت من اجل حبيبته وعلى شعرها الحرير و حتى تجعله على الخدود يهفهف و يرجع يطير..يقول المؤمن انظروا الى جمال الطبيعه و هذه النجوم التي خلقها الله لي تزين سمائي، نعم هو يرى اشياء و ينسبها الى معبوده ، مثلما يرى المُحب اشياءً هو الاخر ، و ينسبها الى معشوقته.



أن الحديث عن صفات الخالق و دلائل قدرته و طبيعته الخارقه مضيعة للوقت إذا لم يكن لدينا سبب وجيه واحد على وجوده.

هذا الأنتقاد، ليس بدون اساس ابداً لأنه فعلاً مضيعة وقت ان يقوم الناس بالكتابة عن محاسن و خصائص وصفات لكائن غير موجود اصلاً. في قصة الأطفال ذا بي .إف .جي للكاتب روالد دايل ( ذا تشوكلايت فاكتوري) يقول العملاق للفتاه الصغيره صوفيا بانه في أرض العمالقه لا توجد فاكهة أو اناناس ولا ينمو هناك إلا نوع واحد من الخضروات ذات الأشواك إسمها " سنووزكمبر" فتقول الفتاه صوفي : ليس هناك شيء اسمه سنووزكمبر..فيبتسم العملاق إبتسامة تبدو منها عشرين من اسنانه البيضاء المربعة الشكل ويقول: بالأمس لم تكوني تصدقين ان العمالقه موجودين، واليوم تصدقين. اليوم لاتصدقين عن السنووزكمبر و لكن غدا ستصدقين..إذا لم نرى شيئاً بواسطة الغمازات ( العملاق في القصه يسمى العيون غمازات لأنها تغمز) فهذا لايعني انها غير موجوده.



العملاق: ماذا عن الجراده الاسكتلنديه العاصره؟
المعذره – تقول صوفي- ماهذا؟
العملاق: و ماذا عن الهامبيلكريمب؟
صوفي: ماهو هو هذا؟
العملاق: وماذا عن الورابراسكال؟
صوفي: ماهو هذا الشيء؟
العملاق: وماذا عن الكرامبسكووديل؟
صوفي: اهذه أنواع من الحيوانات؟
العملاق: هذا يدل على انكم البشر لديكم عقول من خيوط الصوف.

إذا لم تسمع بالله؟ فهل سمعت بمنكر ونكير؟ وهل سمعت بعزائيل وجبريل؟ و هل سمعت بالابابيل ؟ و هل سمعت بالكروبيون؟ و هل سمعت بالبراق ؟و هل سمعت بإبليس و هل سمعت بعتريس الخ..كلها نفس الشيء؟

أنه كمن يناقش ماهو لون ريش طائر الرُخ، طيب يا أخي اثبت اولاً وجود الرخ قبل ما تناقشنا في صفاته. إن مناقشة صفات الله هو نوع من العبث حتى نعرف بالضبط ماهو هذا الله و ماهو تعريفه و من عرفه؟ بالتاكيد لايكفي ان نعتمد على ماورد في تلك الكتب القديمه المليئة بالخرافة والجهل، فنحن و حتى الأن لانعرف إن كان اخينا الله هذا حقيقة ، ام كلام فارغ.

هؤلاء المؤمنين بالله ينفقون كثيراً من وقتهم و جهدهم في الحديث عن الله لأنهم مفترضين و جوده..وفي هذا ينشرون الاف الكتب التي تتحدث في مناقبه و صفاته، ولكنهم لا يتصورون أن هناك غيرهم لايشاركونهم هذه الفرضيه التي ليست بذات قيمة او مغزي او إعتبار لديهم.

و الذي يدعم ما اقول هو ان المؤمنين من الاديان المختلفه او حتى المذاهب ضمن الدين نفسه حين يتحدثون عن الله، نجد ان كل منهم يؤكد وجود " نوع" من هذا الله، يختلف عن "الله" الذي عند الأخرين. فيسوع الله غير عن الله الصلعمي الغاضب، غير الله الشيعي الذي ينتظر بفارغ الصبر إطلاق سراح مهديه من سجن ابو زعبل وهو ايضاً غير الله الذي ارسل سبايدرمان لقوم يتذكرون.




هذا يعني ان نقاش مسألة وجود الله مسألة لاطائل منها، مثل كلام العملاق بي.إف.جي مع الصغيره صوفي.

حتى هؤلاء الذين يدعون بالتوحيد مثل السلفيه الوهابيه الذين يظنون انهم وجدوا حلاً لمشكلة الإختلاف هذه بحصر التفكير الديني بالنص الحرفي، ينسون ان المصطلح قد استخدم من قبلهم في الديانات المسيحيه و اليهوديه وحتى عند الشيعه..ولم يصلوا كذلك الى نتيجه. فالمصطلح يشير الى سلسلة كامله من المعتقدات التي توجد في كل هذه الديانات..التوحيد هي محاولة فاشله لتبرير الأيمان بالإله الواحد..ولكن ماتزال بعيدة كل البعد أن تثبت وجود هذا الذي يريدون توحيده في شيء واحد.

الله الفلسفي، غير الله التوحيدي، غير الله الصوفي، غير الله العقائدي..ان مناقشة اية مفاهيم نظريه او فلسفيه او عقائديه او مذهبيه لشرح الإيمان بالله لاتغني و تسمن من جوع، مالم تجيب على السؤال المُلِحّ – إثبات وجوده مباشرة.. و ليس من خلال صفات و خصائص و اسماء حسنى و معجزات و ظواهر طبيعيه. كل هذه المحاولات بما فيها الفلسفيه تحتوى بشكل فاضح على تحيز إيماني عقائدي يقود للنتيجه التي يحب هذا الفيلسوف ان ينتهي بها.


إلتقطت منذ مدة ومن على رف احد مكتبات العين مجلة شدني فيها صور لمدعوذين و ملتحين فقلت سأستخدم الصور للفوتوشوب للمسخره فيهم..ولكن الأهم هو أن هذه المجله إسمها " الصيرفه الإسلاميه". تصور صار هناك مجلة و إصدارات و كتب ومؤتمرات للبنوك الإسلاميه..يصفونها بها و يمتدحونها سماتها..ولكننا وحتى اليوم نعرف انه لا وجود لشيء كهذا. فالبنوك هي مكان للتمويل ..ليس للتجاره و المرابحه منها ، وليس لإيجار البيوت و العقارات.. خلق هؤلاء الاسلاميين مسخاً وصفوه بكل الصفات و لكن لم يستطيعوا إثبات وجوده. يلفون و يدورون لتوصيل التمويل للتاجر بعقود إلتفافيه ليبدو على الورق انهم اشتروا له البضاعه و باعوها اياها..مع انهم هم لم يروا هذه البضاعه و لا حتى يفهمون في التجارة بها..ونفس الشيء يقال عن الإجاره و هو شراء العقار و تأجيره على المقترض ثم بيعه له..بسعر رمزي في النهايه..و لكن كلنا نعلم انها اكذوبه لتغطية تمويل رهن عقاري عادي.

التمويل الإسلامي هو مثال واقعي لخداع النفس و الكذب عليها بخلق اوصاف و صفات لشيء لا يوجد على ارض الواقع. التمويل الإسلامي لايختلف عن التمويل العادي..إلا بمُسميات مثل إجاره وإستصناع ومرابحه ومضاربه و ملاطمه و مباكسه (مشتقه من البوكس)..هو تمويه عن التفكير بماهية الشيء ومعرفته مباشرة.




إذا لم نعرف ماهو الله، فلا فائده من وصف صفاته و قدراته. وللاسف هذه المشكله التي يعاني منها المؤمن بالله سواء أكان مسلماً ام مسيحياً فهو يعوض عن ذلك بتأليف مجموعة كبيرة لاتحصى من السمات و الإسماء و الصفات تبجل وتهول في قدرة و حكمة هذا الرب، حتى على حساب تناقضها مع بعضها البعض.

مشكلة هذه الصفات ان مصادرها مختلفه و جاءت من اديان عده، فمنها مصادر إغريقيه مثل افلاطون ( الكمال المطلق) ومنها مصادر يهوديه ( الله الذي يمشي و يجلس على عرش) و منها عقائديه و منها فلسفيه فاصبح كوكتيلا عجيباً لكائن خرافي يستحيل وجوده. إن وضع المؤمنين بالله يثير الشفقة فعلاً ، إن إيجاد توافق بين كل هذه الصفات شيء صعب جداً ..فمابالك بأثبات و جود الموصوف.



أخيراً اترككم مع اغنيه كلاسيكيه لأبوبكر سالم : متى انا اشوفك..ياكامل وصوفك.


بن كريشان

هناك تعليق واحد:

aras111 يقول...

لقد ذكرتني بمقالتك هذه يابن كريشان العظيم بكلام لا اتذكر اين قرأته ( ربما من مقالاتك السابقة ) ان جبرائيل يمتلك 600 جناح وكل جناح بكبر ملعب لكرة القدم ولكن السؤال هو لماذا يحتاج جبرائيل الى اجنحة لكي يطير في الكون اذ لا يوجد هواء.
وسؤالي لك يابن كريشان العظيم هو ايهما اسرع جبرائيل ام البراق