رسالة باريس الثانيه


قوانين التكفير ...هي الكفر ذاته



أخذني صديق فرنسي الي مطعم في قلب باريس،إسمه : نوز انسيتر ليغولواز*..و يعني إسمه أسلافنا الغال ، و هو على خلاف المطاعم الباريسيه الراقيه، يقدم طعاما يمثل حقبة فرنسا عندما كان يسكنها البرابره الغال..و خدمة تتصف بنفس البدائيه و لكن بطريقة مضحكه..و كأنك في عالم أستريكس و أوبيليكس، فالنبيذ موجود في براميل خشبيه و عليك أن تملأ قدحك الفخاري بنفسك بفتح صنبور البرميل، أما السلطه فتلقى على الطاوله في سلة، و عليك تقطيعها بنفسك..كما قلت مطعم يمثل البدائيه ...التي عبرت منها فرنسا الي اليوم

ودعت صديقي الفرنسي و آثرت العوده للفندق في الفاندام ماشيا و الذي يستغرق حوالي النصف ساعه ، متمتعا بجو المساء الباريسي الجميل. عبرت احد الجسور على نهر السين و كأنني عبرت الي الحضاره حيث تجلت أنوار باريس بعظمة مبانيها و ميادينها التي تحكي قصة أول جمهورية في التاريخ، و أول شعب ثار ضد سلطة الطغاة في العالم و أسس ديموقراطية و حريات العصر..و بينما كنت أحاول تذكر عبارة لفولتير..في تلك اللحظه !! دق فجأة صوت المسج في موبايلي



كانت مسج من "برنامج وطني" تقول: دعوه عامه لحضور ندوة التغيير الذاتي باستخدام العقل الباطن للأستاذ محمد ناجي بجمعية أم المؤمنين..كنت قد أستلمت مسجا أخر أمس من نفس المصدر عن ندوة عامه للسيدات لتعزيز العلاقات الزوجيه عن طريق الماء للأستاذ شريف سكران!..أقصد شريف شكران

قلت لنفسي يوم أمس و الله لو انني و زوجتي السابقه قضينا حياتنا نسبح على شواطيء سان تروبيز ونشرب ليترات من مياه بييريه يوميا ، لما أنقذ ذلك زواجنا.. ولكن ماذا أقول عن مسج الليله : لماذا تبحث بلاد الرمال عن حلول التغيير في عقل باطن مدفون في كثبان الخرافه ؟ لماذا ترفض أن تشغل العقل الظاهر قبل الباطن؟ أو حتى ان تحتذي بمثال الدول التي سبقتها، مثل ما فعلت اليابان التي بدأت مقلده و انتهت برائده، في مجال التكنولوجيا...ولكن ذلك فعلا يتطلب تغييرا ذاتيا..ليس بالطبع باستخدام العقل الجوفي السرمدي للأستاذ ناجي بل بأستخدام العقل العادي المفكر..ولكن من أهم العوائق التي تقف أمام العقل المفكر في بلاد الرمال..هي قوانين التكفير، و هي عقبة فكرية كبيره علينا تحطيمها و تفكيكها أن اردنا الخروج من الذل و الهزيمه و التخلف و العبور للحضاره

يعيش المفكر العربي الحر في بلاد الرمال كابوسا أسمه قوانين التكفير، و التي تتميز بزئبقيه عجيبه تطال كل من يحاول التغيير في المجتمع و تطال كذلك حتى المذاهب الدينيه المختلفه عن التيار الديني او المذهب السائد

قوانين التكفير الزئبقيه هذه عباره عن نصوص موجوده في جميع بلاد الرمال، من مغربها حتى عمانها، من لبنانها الي مجاهل سودانها و تتواجد أينما وجد دين الاسلام فهي في ماليزيا مثلما هي في اندونيسيا و الباكستان و ايران

تخضع هذه القوانين لتعريف بسيط هو : إنها قوانين مصممه لحماية المعتقد الديني و المؤسسات الدينيه في بلاد الرمال من الانتقاد و المساءله و التهكم. هذه القوانين كانت موجودة في الغرب في الماضي، و لكن تم إلغاؤها في جميع بلاد العالم المتحضره لأنها مخالفه للشرائع الانسانيه و مناهضة لحقوق الانسان مخالفه للقوانين الامميه المعاصره..الا إنها مازالت تعيش في تخلفلاند..المسماه بلاد الرمال. تتساءلون لماذا؟ لأنها من ادوات الظلم و الاضطهاد السياسي و الديني الموائمه و السهلة الاستخدام

نتذكر عندما تم توجيه إتهام بالتكفير للمفكر الكويتي د.أحمد البغدادي لأنه كتب مطالبا تقليص الجرعه الدينيه من مناهج التدريس و زيادة الماده العلميه..فعّل التيار الأسلامي الظلامي في الكويت هذه القوانين ، و رفعت عليه قضية حسبه بأعتباره قد كفر، و كثيرون من امثاله تعرضوا لنفس الشيء، فهناك المفكره المقاتله نوال السعداوي والدكتور نصر حامد ابوزيد و طه حسين و نجيب محفوظ ، و مؤخرا كاتب بلوج ماليزي حكم عليه بالسجن سنتين بقوانين التكفير الماليزيه و في السجون بباكستان كثيرون محكوم عليهم بالأعدام لخدش الدين، و حتى في أفغانستان مابعد الطالبان حكم على شيخ الدين الشيعي علي ُمحقق نصيب، بالسجن لأنه أنكر حكم قتل المرتد في الاسلام

الامر الاسوء من ذلك هو أن مجرد مناقشة جدوى هذه القوانين كما أفعل انا الان، يعّرض الشخص للعقوبه و التي كثيرا ما تكون ...تصفية المفكر جسديا..لا، بل تستغل المؤسسه الدينيه قوانين التكفير هذه لأطلاق تهديدات الفوضويين و الرعاع من أتباعها ضد المفكريين و ارهابهم ، مثلما حدث مع المفكر المصري سيد قمني


و هذا ما أردته بزئبقية هذه القوانين المجحفه، لذا فأنت تكّفر لو أردت فقط ، مناقشة كيفية التعامل مع هذه القوانين و جدوى أبقائها في هذا العصر و الزمان؟.. و ستتهم بالكفر فيما لو صاح أحد ممثلي الله على الارض، بأنك تخدش مشاعر المسلمين، و ان حصل ذلك!..فأنت مكّفر وعباره عن نصف انسان، لا يحق له الدفاع عن نفسه ، و سيحاول المسلمون الظلاميون اخماد صوتك بسرعه بأستخدام نفوذهم الاعلامي و بوجود مثل هذه القوانين التي تسّهل عليهم الامر بمباركة الحكومه و التي تحتفظ بحقها في استخدام هذه القوانين عند الحاجه كما كان الحال في الماضي أيام السلاطين الظالمين و اخوانهم من الخلفاء الراشدين

قوانين التكفير تستخدم بطريقة فضفاضه و عامه و عشوائيه ضد اي انسان عربي مفكر تعتبره السلطه الحاكمه او السلطه الدينيه غير مرغوب بفكره او بفكرها ان كانت إمرأه ،لأنه معارض لسياساتهما او تسلطهما على البشر في بلاد الرمال. أن التكفير اليوم هو تهمة جاهزه سهلة لأحكام القبضه الدكتاتوريه، و اداة ملائمه لرجال الدين لبسط نفوذهم و سيطرتهم على عقول العوام و منع الفكر السليم من الوصول اليها

قوانين التكفير ليست أدوات تستخدمها فقط الحكومات و المؤسسات الدينيه في بلاد الرمال ، بل هي زئبقيه لدرجة انها بمتناول جماعات الارهاب الاسلامي البربريه و المنتشره كالوباء في بلاد الرمال. فيأتي لا رحمه و لا غفر له الزرقاوي، و يكفر الشيعه و مجندي الجيش ليسّوغ مجازر الذبح، او يظهر اسامه الواد المجاهد بسلامته، فيكفر شخصا او دولا بأكملها ليجّوز و يبرر أعمال ذبح الناس الامنين و الابرياء و الاطفال و النساء

و الادهى و أمر من ذلك، هو أن هذه القوانين يستغلها ثلاثي المَرح :الحكومات التسلطيه ، و المؤسسه الدينيه ،و جماعات الارهاب الاسلامي ..ضد المعتدلين المسلمين و ضد الاحرار الليبرالين و ضد العلمانيين و المطالبين بتغيير الحال و غيرهم من المفكرين..فهم أكبر ضحايا هذه القوانين..حتى أصبحت مسميات و مصطلحات الحريه الفكريه أو الليبراليه او العلمانيه او حرية المرأه او حرية المعتقد و حرية التعبير و كل منجزات و مكتسبات الحضاره الانسانيه.. تعني كفرا في بلاد الرمال

أن وجود هذه القوانين هو ما يؤدي الى استمرار الفشل و الي انتشار الشر في المجتمع، ذلك لأنها قوانين إرهاب و تسلط وظلم..إن مجرد وجود مجتمع يحمي و يكرّس هذه القوانين ..هو الكفر بذاته

بن كريشان

***
Nos Ancetre Les Galois
صوره مبنى فندق فاندام بوتيك أوتيل حيث أقيم

إرسال تعليق

0 تعليقات