الاثنين

انما الامم..أخلاق



تباينت الاراء في بلاد الرمال في مقتل أبومصعب الزرقاوي، ولكن غالبها كما تشهد به مواقع الانترنت العربيه، فيما عدا القليل منها، انه البطل الذي يمثل قيمنا العربيه و الدينيه بالصورة الصحيحه
فمرة يسمى بالشيخ المجاهد ومرة يوصف بالشهيد. موقع اسلام -واي ، لايخفي ذلك التمجيد ويصف ، هذا البلطجي و القاتل العنصري الذي سينتهي الي هنا و سيذكر التاريخ اسمه مع سفاحين العصر واعداء الانسانيه مثل بول بوت في كمبوديا وجان بول اكايسو في راوندا و رادوفان
كارادجيك في البوسنه.. وغيرهم ، بهذه الكلمات

"ينتصب ابو مصعب كغيره من شباب الاسلام للدفاع عن دينه وعرضه المنتهك ويحمل راية الدفاع عن امته حتى يسقط في الميدان مقبلا غير مدبر. رحم الله أبا مصعب و اسكنه في جنان الخلد وسقاه من يد نبيه شربة لا يظمأ بعدها ابدا"

اما موقع اسلام اون لاين الذي يتظاهر بتقديم ماده محايدة ، ذرا للرماد في العيون..
:فيقول بتعاطف مبطن

" ويرى مراقبون أن قوات الاحتلال وسياسيين عراقيين كانوا يسعون جاهدين لإضفاء صفة الإرهاب على المقاومة العراقية، خاصة مع عظم المبلغ الذي رصدته الولايات المتحدة للقبض على الزرقاوي والذي يصل إلى 25 مليون دولار، في وقت كانت الحكومة العراقية على استعداد لإضافة أسفار-يعني أصفار- إلى هذا الرقم من أجل التخلص من الزرقاوي"

خارج المواقع الاسلاميه ، يعلق عبدالبارى عطوان وهو رجل يفوح تعاطفا مع منظمة القاعده الارهابيه او ايران أو اي نوع من معارضة الغرب في مقالاته..و لاحظت عليه في كل مقابلاته و احاديثه انه لا يذكر اسم بن لادن حاف..بدون ان يلقبه تبجيلا بالشيخ اسامه أو الشيخ المجاهد
: يقول عطوان في موت الزرقاوي

" شكل الزرقاوي ظاهرة فريدة في العمل الجهادي المتطرف فقد ظهر من قلب احياء المعاناة و القهر في مدينة الزرقاء بالاردن ليصبح رمزا للشجاعة و البطوله"

يتعاطف عبدالباري عطوان الذي ينتمي الي التيار القومي الشوفيني الذي ساد في السبعينيات.. مع الاسلام الأصولي المتشدد، وذلك عملا بقاعدة عدو..عدوي..(ليس صديقي و بس!..بل كما يقول اخوتنا في لبنان) ...حبيب قلبي

جرب فقط طباعة كلمة الشهيد الزرقاوي في محرك البحث و ستنهال عليك آلاف المواقع و المنتديات التى تمجد موته معتبرة ذلك شهادة في سبيل الله..وستجد قصائد و مرثيات وتأبين و القاب من امير الشهداء الي شهيد الامه والشهيد العريس ورامبو العرب، وادعيه ليسكن جنة رب الرمال و يخلد و من القصائد التي ترثيه اضحكتني هذه ، و هي تفيض بالعنصريه و الحقد ..و البلاهه

لله درك قاهر الصلبان *** أتعبت بعدك سائر الفرسان
عجز العلوج عن اقتحام عرينكم *** فاستنجد الجبناء بالطيران
و روافض قد آن حصادهم *** و جنود ابليس من بنى علمان


لا ادري ان كنتم ضحكتم ام سالت دموعكم اسى على جهالة و ضحالة تفكير هذه الامه بعد قراءة هذا الكلام؟ ..كيف يقوم الناس في مجتمع من المفترض ان له قيم و مباديء بتمجيد أعمال شريره لا أخلاقيه و اشخاص شريرين مثل هذا الرجل التافه السفيه ؟

الجواب ان هؤلاء الناس يبررون هذا التمجيد بمقارنته مع اعمال في نظرهم اكثر شرا..فيصبح هذا شر صغير ، لا مانع منه.. مقارنة بالشر الاكبر.. مثلا الاحتلال الامريكي للعراق و ابوغريب ..لذا و بهذه المقارنه ، قطع اعناق الابرياء وتفجيرهم اشلاء من قبل هذا السفاح هو شيء مقبول..نسميه مقاومه، جهاد، بطوله.. طالما كانت هذه الاعمال تزعج الامريكيين الذين يحتلون العراق ، ونحن نعلم بضميرنا انه لا يوافقنا أحد على ما نفعل، الروس تلقوا درسا مؤخرا في العراق، فحتى لو ساعدت العربان و وقفت بجانبهم..وهو مافعلته روسيا بوقفة جباره ضد الولايات المتحده...خطفنا مواطنين روس في العراق و ذبحناهم...استمعت الي صدمة الروس الذين اعتقدوا ان عرب الرمال سيقدرون موقفهم ..في البي بي سي....لم يكونوا يعرفون حقيقتنا!..اننا بشر ليس لنا شرف و لا يؤتمن لنا جانب..اننا غدارون، نعض يد من يطعمنا...، ونقتل من يساعدنا..العدو و الصديق لنا سيان..اننا بلا مباديء..بلا شرف

مثلا هل تسمح لنا اخلاقنا..ان نختطف طفلا عائدا من مدرسته و نقطع عنقه لأنه اسرائيلي فقط ..انتقاما لاسرائيل ؟ طبعا..فأطفال فلسطين ولبنان قتلتهم اسرائيل!..فلم لا نقتل الاطفال و نذبحهم...من قال ان هناك مباديء.. ان لم تلتزم اسرائيل بها فلم نلتزم نحن؟..

اسرائيل تستغل عدم التزامنا بقيم اخلاقيه لصالحها، بينما نحن نخسر رهاناتنا يوما بعد يوم.. انظر لهذا الملصق الذي يقول ادعم الديموقراطيه..ادعم الاخلاقيات..ادعم اسرائيل
قال كاتب بريطاني لا اتذكر اسمه الان..انه لم ير احد يحمل أعدل قضية في العالم..يضيعها.. كما ضيع العرب قضية فلسطين
ان سمحنا لأنفسنا بالتفريط في مبادئنا...نكون قد فرطنا في انسانيتنا..وخرجنا من دائرة التحضر الي البدائيه و الوحشيه


أتذكر لقطة من فيلم عمر المختار الذي لعب فيه الممثل العالمي انتوني كوين دور البطوله.. و في مشهد يهم فيه احد المجاهدين بقتل اسير ايطالي..فيمنعه عمر المختار ، فيقول المجاهد: و لكن هم يقتلون اسرانا..فيجيبه المختار بغضب: انهم ليسوا بقدوة لنا..من سخريات القدر ان مخرج الفيلم مصطفي العقاد قضى نحبه بتفجيرات عمّان الغادره و التي قام بها هذا الزرقاوي المجرم

أن انعدام المباديء الاخلاقيه و انحطاطها بهذا الشكل اصبح مزروعا في فكرنا في بلاد الرمال منذ فترة بعيده..كانت العمليات الفدائيه الفلسطينيه في السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي.. في معظمها من هذا القبيل ..خطف طائرات ركاب مدنيه وسفن و احتجاز رهائن مدنيين و قتلهم ..وهم ابرياء لاذنب لهم و ليس لهم علاقة بأسرائيل..تحت نفس الذريعه...ثم وجهنا ينادقنا الي بعض في سلسلة من الاغتيالات الانتقاميه بين الدول العربيه و بعضها
و لكن كان ذلك كله بسبب الشر الاكبر..الا وهو: المؤامره الصهيونيه العالميه..فكنا مضطرين ان نلقي بالقيم و المباديء جانبا ونحرر فلسطين ابتداء من بيروت..ثم نحررها ابتداء من الكويت و هكذا
أن وجود أكبر ظلم لا يعطي الذريعة ان تخلع الامه لبوس المباديء والقيم ..و تمارس الشر و الظلم

عدم احترام القيم و المباديء الانسانيه كان ايضا سمة كثير من النظم الشموليه الشوفينيه في بلاد الرمال..فعندما قال عبدالناصر لايعلو صوت فوق صوت المعركه..قامت المخابرات المصريه باعتقال من تشاء و عذب في السجون من عذب..بدون محاكمات و بدون مباديء واخلاق..لماذا؟

كان هذا يسوغ دائما بأن تعذيب و اعتقال اعداء الوطن من الخونه بدون محاكمات ما هو الا شر صغير مقابل الخطر الاسرائيلي التي تحتل الاوطان العربيه..وكثير من الدول في بلاد الرمال تمارس الاعتقالات السياسيه بدون محاكمات نزيهه بتبريرات مشابهه..يحدث في كل الوطن العربي بلا استثناء...انه ارث ورثناه

و قبل ان يقول لي احدكم ..و لكن انظر الي امريكا و ابوغريب و كيف يفتشون البيوت في العراق و افغانستان عشوائيا و يرسلون الناس الي جوانتنامو بدون محاكمات..فأحب ان اقول ان أمريكا و الحزب الجمهوري قد تجاوزوا المباديء والاخلاق الانسانيه و هم مذنبون وسيدفعون الثمن و كذلك اسرائيل و تصرفاتها الغير انسانيه- ان لم نقابل ذلك بأسوء منه -.. و لكن لا يعنى ذلك ان نبيع نحن اخلاقياتنا و انسانيتنا، و نقوم بأفعال لا تقرها الشرائع الانسانيه و مباديء الاخلاق ..لأننا مظلومون


ان احترام الانسان في بلاد الرمال و معاملته بعداله و عدم اعتبار حياته العمله الارخص لدينا ..من الممكن التضحية به من اجل قضيتنا الكبرى وتحويله الي شهيد بتفجيره او استخدامه كدرع بشري او قنبله بشريه تنفجر يأسا في ابرياء ونمشي بجنازات اطفالنا امام كاميرات وكالات الانباء كأنتصار و اثبات لبربرية اسرائيل... ان احترام حياة الانسان هي نقطة البدايه في بناء نظرة اخلاقيه و مباديء عاليه تكون هي الدافع والمحرك الاول للنضال من أجل انسانيتنا..اننا نعطي اسرائيل المبرر و المسوغ كل مره..لتستغله ضدنا..اننا أجهل خلق الله ...نلدغ من نفس الجحر..والان من الشوفينيه القوميه الي الشوفينيه الاسلاميه..نقتل نخطف ننهب الاصدقاء و المتعاطفون معنا..نغتال المدنيين و الابرياء..وأهلنا في العروبه..و بعد ان يتحولوا الي جثث هامده..نقول ان الشر الاكبر يبرر الشر الاصغر ..فهذا في سبيل القضيه
أن لم تكن حياتنا و انسانيتنا و مبادئنا هي اهم شيء لدينا ..فما قيمة استرجاع ارض..مليئة بالأوغاد عديمي الضمائر والقيم مثل الزرقاوي وصحبه



لقد فتحنا صندوق باندورا الذي خرجت منه كل الشرور..وطارت معها مبادئنا الاخلاقيه وقيمنا...خسرنا احترام العالم الذي لم يعد يرى فينا... اكثر من سفاحين همج..جهله ، كارهين حياتهم و انسانيتهم

الاخلاقيات هي مباديء..والمباديء هي التزام و ليست مسأله مرحليه او نقطه جدليه..نعمل بها متى شئنا..و لا نلتزم بها متى شئنا..ان معيار الاخلاقيات هو الالتزام بها..ولا تجعل حتى اليأس ان يهزمها لتتخلى عن مبادءها..مقاومه الشعب في فلسطين .. تكاد تنال اعجاب و تأييد العالم بأسره...ثم فجأه تختلط الاوراق.. ويبدأ احدهم في الاحتفال بقتل المدنيين.. مقدما لأسرائيل هدية غسل آثامها..على حسابنا

فالامه التى تتخلى عن اخلاقياتها تضمحل و تهزم و تختفي..حتى لو كان الحق معها

:وكما قال الشاعر العربي الحكيم

انما الامم الاخلاق ما بقيت
فان هموا ذهبت اخلاقهم ذهبوا


و في النهايه ، اذا كان هذا الزرقاوي عديم الاخلاقيات شهيدا..فبن كريشان اذا ضامن للجنه..وان كنت افضّل الجحيم عليها في هذه الحاله لسببين فأولا، لأنى لا اريد ان أكون مع الانذال عديمي القيم، وثانيا ،كما قال الصادق الامين ..ان أكثر اهلها من النساء
بن كريشان


ليست هناك تعليقات: