* تخريف التاريخ



يقال ان التاريخ يكتبه المنتصرون ، هذه العباره ليست دقيقة تماما، فهناك تاريخ حقيقي وهناك اخر مزيف ، التاريخ علم يتعلق بتدوين الاحداث الماضيه و اثبات وقوعها بأستخدام الحفريات و الاثار الاركيولوجيه و مقارنة التدوينات القديمه للوصول الي ماجرى و حدث في الازمنه القديمه. يتبع التاريخ الحقيقي مثله مثل جميع العلوم ، الادله و اسلوب البحث العلمي السليم ، أما النوع الاخر من التاريخ فهو مرتبط بالعباره التي بدأت بها

التأريخ المقنن هو صنعه قديمه تعتمد على تقديم الاحداث بطريقة تؤدي للوصول الي نتيجة حتميه معروفه مسبقا تلائم القيم الوطنيه والامنيات الدينيه و لتقنع القاريء بأن هناك رسالة اثبتها التاريخ و عليه ان يعيها

من أمثلة ذلك الانظمه القوميه التي تمرر أكاذيب على عامة الدهماء من شعوبهم بادعاء تاريخ وهمي لم يحصل ابدا ، مثلا سوريا الكبرى ، لم يحدث ان قام في التاريخ نظام عربي يضم الكيانات التى يريد البعث السوري ابتلاعها ، النازيه وخرافة سمو الجنس الآري و الذي خلقوا له مدنا وهميه وقاموا بحملات استكشافيه لأواسط اسيا للوصول الي اصولهم و بائت كلها بالفشل ، و مثل ذلك صربيا العظمي التي تريد ان تبتلع نصف البلقان و تطرد الشعوب الغير سلافيه منه
كنت في تركيا قبل اربع سنوات، بانتظار التلفريك في مدينة بورصه ، وكان خلفي في الطابور نساء ظريفات من المغرب في اربعينيات العمريتحرشن بكل من حولهن ، و خلفهن فتى كويتي يافع لم يتجاوز السابعه عشر، فبادرت احدى هؤلاء النسوه بالحديث معي و معه ، و في خضم الكلام تطرقت للعقوبات الدوليه على العراق آنذاك فقالت للفتى : لماذا يظلم العراق الذي كان يريد استرجاع الاقليم الذي فصله الاستعمار عنه ؟ الفتى المسكين كان اصغر من ان يفقه نقاشا سياسيا ، مبنى على ادعاءات صدام حسين الكاذبه ، فالتفت الي هذه السيده و قلت لها: سيدتي ان الكيانات الخليجيه موجوده بشكلها السياسي الحالي منذ مئات السنين، قبل ان توجد سوريه و العراق و تونس و الاردن و غيرها، لقد وقعت الكويت اتفاقيات مع الدولة العثمانيه التى كان العراق احد اقاليمها ، قبل ثلاثمائة سنه، و لم يصبح العراق كيانا سياسيا مستقلا الا في بدايات القرن العشرين، فقالت : اقصد قبل ذلك ؟ قلت لها قبل ذلك كان تحت الدوله الصفويه و العباسيه و الامويه و الراشدين، الا اذا كنت تقصدين ايام حمورابي؟ هذه السيده وقفت مشدوهة و في حالة صدمة و انكار

التاريخ التبريري او المزيف لا يدرس داخل اروقة الكليات و الجامعات الجاده الغير موجوده في بلاد الرمال، فهو لا يخضع للفحص و النقد التحليلي و لا يحتوى اية دلائل ماديه او اركيولوجيه فهو يعتمد على مصادر مقدسه غير قابله للبحث و التمحيص و التشكيك مثل الاساطير و الخرافه و الاديان
بأمكان التعرف على هذا النوع من التاريخ من اسلوب كاتبه الذي يخاطب العامه مباشرة بدون عرضه على دارسي التاريخ الجادين ، و تكون كل مصادر التاريخ المزور هو من مبررين و مزورين من نفس النوع ، هذا ينقل عن ذاك
يعرض التأريخ المزور صورا مضخمه غير متاحه للنقاش والتمحيص من قبل الاكاديمين، و قد يستصنع كاتب هذا
التاريخ ادلة يكون مصدرها في الغالب خرافه او الكتب المقدسه و مشتقاتها او تشويه حقائق تاريخيه لعرضها بطرق توائم و تتفق مع التاريخ المزيف. قصص اليهود و الخروج من مصر و شق البحر و غرق الفرعون لم تثبت تاريخيا و لم يتم الحصول على اي اثر يثبت حدوث اي شيء من هذا. علم المصريات علم مدون و موثق و مدعوم بالحفريات و يدرس في جامعات و معاهد عريقه، و لم ترد فيه اشاره و لا حتى طرطوشة .. لحدوث القصص التوراتي القرآني و لم يذكر العبرانيين حتى بالاسم ، هذا التاريخ هو تاريخ مزور لايعدو كونه امنيات و اساطير بنى اسرائيل ولا تقبل اي جامعة تحترم منهجها الاكاديمي تدريس هذه الخرافات . مازال اليهود في ارض الميعاد يبحثون عن هيكل سليمان الذي ذكره و دونه مؤرخيهم اعتمادا على مصادر خرافيه من التوراه ، فهل تعتقد انهم سيجدونه؟ ربما في المشمش. جن سليمان الازرق اخفي كل الاثارعنهم . حتى في وجود تناقض في نفس المصادر يقوم مزور التاريخ بأنتقاء ما يقود الي الهدف الذي يريد ان يصل اليه

معظم التاريخ المزيف يحمل اجندات معينه كانت موجوده في ذلك الوقت، فقد تكون اجنده سياسيه لتمجيد ملك او حزب او ايديولوجيه تمكنت من السلطه او اجنده عرقيه لتمجيد شعب على غيره من الشعوب او أجنده دينيه لتمجيد دين معين على غيره من الاديان

من السهل التعرف على التاريخ المزور من اسلوبه، فلغة التاريخ المزور لغه تبريريه يسهل اكتشافها ، فعندك مثلا عباس محمود العقاد في سلسلة كتب العبقريات يقدم فيها شخصياته الاسلاميه بطريقة مثاليه و يحول اخطائهم الي عبقريه

و هناك تزوير تاريخي يتعلق بالامكنه و التعامل معها و كأنها حقيقيه، مثل اطلاطنس الغارقه و بلاد يأجوج و مأجوج و مملكة سليمان و هناك تزوير تاريخي يتعلق بأكتشاف حطام سفينة نوح و جبل الجودي او عرارات و جسم الفرعون الغارق و يعتبرون رمسيس المحنط هو ذلك الفرعون الوهمي الذي نسج قصته بنى اسرائيل او اشخاص غير حقيقين مثل عبدالله بن سبأ و الخضر والملك ارثر و غيرهم ، كيف ندرس تاريخا لأبنائنا يقول ان الحياة بدأت في السماء برجل اسمه ادم و بينما هو نائم نزع الله منه ضلعا و خلق منه امرأة له..ثم طرد الاثنين الي الارض لأنهم ماسمعوا كلام بابا و أكلوا الفاكهه التي كانت في الثلاجه ؟ تاريخ مدينة مكه اسطوره اسماعيل و هاجر و جبريل و جناحه الحافر للآبار و عبد المطلب يهمس في اذن الفيل فيغيررأيه لايهدم الكعبه قبل ان يبدأ قصف طائرات الابابيل طراز فيفتي تو، لجبش أبرهه ، هل يختلف ذلك عن تاريخ بناء روما الاسطوري و الطفلان الذان رضعا من الذئبه..اذن من بنى مدينة العين ؟ الجن الذي يسكن بدع بنت سعود

في بلاد الرمال يتلقي الطفل هذه الجرعات منذ الصغر، فبينما يتعلم اساليب البحث العلمي في حصص العلوم ، يتعلم في حصة التاريخ ان مخلوقات غرائبيه اسمها ملائكه كانت تحارب مع المسلمين عند دراسة غزوة بدر في تاريخ الاسلام

تاريخ الاسلام مصادره لفظيه و غير تدوينيه مثل مايسمي علم الاسناد في الحديث و الذي ماهو الا روايات متداوله لفظيا على مرور السنين تم تدوينها بطريقة بدائيه. يقع تحت هذا التصنيف مانسميه كتب السيره و التي تقدم لنا كأنها التاريخ المدون للأسلام و سيد الانام عليه افضل الصلاة و السلام ، نصوصها مقدسه لايمكن الطعن فيها او المطالبه بأية ادله او اثار، هذا ما يثير الشك بالتدليس..مع ان المسلمين انفسهم يقولون البعرة تدل على البعير

التحكم في الاعلام من مسلسلات دينيه و برامج و مسلسلات و محاضرات و غيرها تعمق الاعتقاد بالتاريخ المزور و تقدمه و كأنه حقائق. بينمت تتم مواجهة محاولات دحض هذه الرؤيه بأساليب البحث بسطوة القوانين و التكفير و الاقصاء و التشهير. اصبح الكلام عن هذا التاريخ المزيف و كأنه حقيقه يتحدث عنها الجهلاء بكل يقين

تزوير التاريخ يعتمد على مزج احداث تاريخيه مع خرافات و أساطير يتم كتابتها و تحويل مساراها ليتفق مع غايات معينه قد تكون عرقيه او دينيه او سياسيه او قوميه. قصص شارلمان و هارون الرشيد و صلاح الدين و ريتشارد قلب الاسد مثلا. هذه القصص روايات يسهل تذكرها لذا تبقى عالقة في الذهن، و لكن لا يوجد دليل على حدوثها ، كيف اثبت قصة المرأه التى صاحت وامعتصماه فسار المعتصم بجيوشه الجراره الي عموريه، و من يثبت ان ماري انطوانيت قالت فعلا لم لا يأكلون الكعك عندما قالوا لها ان الناس ثارت لأنها لا تجد خبزا، هذا ليس تاريخ و انما قصص شعبيه ظهرت مع بروباجندا المنتصر الذي درّسها للأطفال كتاريخ، انظر تاريخ الهنود الحمر في امريكا، و كيف يظهرون فيه كبرابره ، بدلا من اقوام تدافع عن حياتها. هل صدقت كارتون ديزني ان بوكاهانتس تزوجت جون سميث وعاشت معه في جيمس تاون بثبات و نبات ؟
أعزائي ان مانعرفه كتاريخ بلاد الرمال هو من هذا النوع من التاريخ المزور..يمكن تسميته بالاعجاز التاريخي الاسلامي مثله مثل الاعجاز العلمي، و كلمة اعجاز هنا..تعنى معجزة الكذب الذي يغالب الحقيقه و يطغى عليها مهما توفرت الادله

التأريخ القومي هو نوع من ذلك و يذكرنا هذا بعقيد الصحراء الليبيه الذي اقنع نفسه يوما بأن الهنود الحمر خرجوا من ليبيا ، و ان شكسبير هو ملا او مطوع عربي اسمه شيخ الزبير ..الانجليز لم يقدروا على نطق اسمه فقالوا شيك سوبير الذي اصبح في مابعد ...وليم بن شكسبير

احيانا يأخذ هذا الكذب منحى اخر و هو ايجاد اثر اركيولوجي ثم الكذب حوله، مثل مدائن صالح في مملكة الرمال الكبرى و التى هي آثار معابد نبطيه على انها بقايا قوم عاد الذين جابوا الصخر بالواد ثم عقروا ناقة الله المدلله، مصيحه و كفروا بمظمرها صالح. او ان الاعمده الحجريه هي مكان ظهور الشيطان حيث يفرغ فيها الحجيج من دهماء المسلمين جام غضبهم و يقذفونها بالحجارة و النعل احيانا و كأن ابليس عدو صلعم الافتراضي تجلى امامهم ، قياسا علي ذلك فمغارة الميلاد و كفن المسيح و شفرة دافنشي و هل تزوج المسيح مريم المجدلانيه ام ارونا السيرلانكيه؟ يصب في نفس الرافد

المرحله السابقه للأسلام و التى سماها الدين الجديد المنتصر بالجاهليه لأغراض البروباجندا.. لا نعرف عنها الا مصادرالتاريخ المزيف الكاذب ، و لم يسمح حتى الان بدراسات جاده عنها ، المرحله الاسلاميه الدمويه الغير مستقره سياسيا التى جائت بعدها سميت الخلافة الراشده تزويرا للتاريخ و قدمت على انها المثاليه المطلقه التي يتهيج خطباء المساجد بها، و ينفجر شبابنا اشلاء فداء لكذبتها ، ثم بعد ذلك استولى بنو امية على الحكم ، فأعادوا كتابة التاريخ لصالحهم كمنتصرين مرة اخرى ، بينما كتب الشيعه التاريخ المزور المضاد، و كله بروباجندا ذاك الزمان من مسخ و تزوير يعشعش حتى هذا اليوم في ذهن سكان بلاد الرمال . ان دراستنا لتاريخ بلاد الرمال الحقيقي سيفتح اعيننا لنتعلم منه درسا قد يفضي بنا الي التطور و الحداثه ، بدل البكاء على تاريخ حرفناه... ومن ثم صدقناه

بن كريشان

***
كان العنوان عندما بدأت المقال تحريف التاريخ...ثم وضعت نقطه... لتزويره




إرسال تعليق

0 تعليقات