بريد من باريس


جلست في كافيه دي لا بي التاريخيه ، على زاوية لاأوبرا في باريس، وعلى يساري كانت هناك دار الاوبرا..حين وصلت أمس كانت هناك مظاهرة مناهضه للحرب على سلالم دار الاوبرا رفع فيها المتظاهرون وأغلبهم من العرب، أعلاما لبنانيه و فلسطينيه بينما كانت أغنية فيروز الخالده بحبك يالبنان تصدح عبر مكبرات الصوت

ربما يعرف القليلون أن كثيرا من المفكرين العرب كانوا يلتقون في كافيه دي لا بي و من ضمن روادها كان ميشل عفلق مؤسس حزب البعث و إنطوان سعاده مؤسس الحزب القومي السوري و غيرهم. و بما إنني وعدت الصديقه آيا بأن أكتب عن الحرب الدائره في لبنان بين حزب الله و إسرائيل فهذا ما سأفعله اليوم..و بما إنني في مقهي يعنى إسمه الفرنسي السلام..فسأحاول أن أكتب عن السلام..وليس الحرب



مهما كانت نتيجة الحرب فأنا لا أؤمن بأن منتصرا يخرج منها، فهي تسبب دمارا يعقبه تخلف و فقر و مراره على الطرفين..وتخلف الحرب كذلك آلاما عميقه تبقى لأجيال..وهذا القتال بدأ يسبب الما عميقا..لكلا الطرفين. سيكولوجية الالم و الانتقام هي التي تقود هذه الاحداث ..و ليس العقل



لكل فعل، ردة فعل مساوية له في القوه و الاتجاه ، ربما هذا هو الوصف الافضل، للقتال الدائر بين حزب الله و إسرائيل. ولكن مع تصحيح بسيط ! و هوإنه متصاعد في القوة و متزايد في الايلام. مقابل كل ضربه إسرائيليه على لبنان تستهدف إحداث خسارة ماديه و معنويه مؤلمه.. يمطر حزب الله إسرائيل بوابل صواريخه مسببا ألما، لم يعتاد الاسرائيليون عليه في صراعات سابقه مع العرب

إتهمت أطراف دوليه كثيره إسرائيل بالمبالغة في ردة فعلها..و لكن إسرائيل نفسها لا تعتقد ذلك، فهي ترد على حزب الله الذي إبتدأ بالعدوان كما تقول، بخطف جندييها. و لكن كلما كان الرد الاسرائيلي عنيفا..كلما إنهالت صواريخ حزب الله على المدن الاسرائيليه..في حلقة مفرغه من الرد و الثأر و الانتقام..أكثر من دفع ثمنه الابرياء من المدنيين اللبنانيين ، إضافة الى خراب البنيه التحتيه لهذا البلد العربي الصغير، لبنان

من الطبيعه البشريه إن الالم الذي نحس به هو دائما أقوى من الالم الذي نتسبب به للأخرين. فألمي أنا..يوجعني أكثر، من الالم الذي سببته لك..وهو مجرد ردة فعل لأخر ألم سببته أنت لي ..فألمي أنا أكثر حقيقه و ايجاعا..من المك أنت..بالنسبة لي
لا أنسى كيف تعاركت مع ولد بالمدرسه عندما كنت صغيرا..أتذكر عندما توجعني ضربته كنت أرد عليه بالمقابل ليحس بنفس الوجع..ولكنى كنت أوجعه ربما خمسين بالمائه أكثر من ضربته، فيرد بضربي بنفس القوه.. أو مايعتقد انه رد على ضربي و لكن قوة ضربته الاخيره أصبحت أقوي من أخر ضربه بكثير..فأرد عليه منتقما بضربة أكبر و أقوى..وهكذا حتى وصلنا حالة أصبح فيها الألم لا يعني شيئا لي أو له، فالمهم أن أسبب له ألما مثل ألمي.. بدون أن نشعر أن مستوى الايلام وصل حدا أكبر بكثير من السبب الذي بدأنا عراكنا عليه، و كنا سعداء حين جاء أحد المدرسين ليفض إشتباكنا..لكننا أستمرينا بأتهام احدنا الاخر في مكتب الناظر بأنه المعتدى و إنه لم يكن لدى أو لديه حلا ..سوى الدفاع عن نفسه..أو عن نفسي..

يعتقد كل من الطرفين بأنه يرد على الاخر الذي بدأ بالاعتداء..و تحدث الحاله التي نحن بها الان من تصاعد لا نهائي لعملية إيلام الاخر و الانتقام منه







بات كثير من العرب يؤيدون حزب الله و لما يقوم به الان..بدون تفهم الضرر الكبير و الخطر المحدق بلبنان..فقط لأنه يشفي غليلهم بالانتقام مقابل هزائم الماضي و التمتع بأيلام إسرائيل..وفي نفس الوقت في إسرائيل تتزايد الاصوات المناديه بالانتقام و تدمير حزب الله ، بين المواطنين الاسرائيليين

يبرر الاسرائيليون موقفهم بأنهم عملوا ما بوسعهم من أجل السلام مع لبنان فقد إنسحبوا من الشريط الحدودي و ليس بينهم و بين لبنان إي أراض متنازع عليها ، و بالنسبة لمزارع شبعا فهي حسمت بقرار من الامم المتحده..لذا لامخرج أمامهم.. الا الانتقام من حزب الله الذي يقصفهم بالصواريخ بدون مبرر

حزب الله بدوره ينادى بأطلاق أسراه و غيرهم و يعتبر نفسه مقاومة شرعيه لحماية الحدود الجنوبيه للبنان ضد إعتداءات إسرائيل المتكرره

قد يبدوا الامر مقنعا بالنسبة للمراقب الخارجي، فكلا الطرفين لديه حجة.. تبدوا في ظاهرها مقنعه و عقلانيه..ولكنها في الباطن ليست أكثر من تعامل عاطفي إنفعالي مع الالم و الثأر له

طالما يعتقد كل طرف إنه ضحية للطرف الاخر، ستستمر هذه الدائره المريره من الانتقام و ردة الفعل المريره بإيلام الاخر


إسرائيل تريد الخروج من المأزق و لكن ليس على حساب كبريائها ولن تقبل حلا تكون فيه مهزومه.. وحزب الله لا يريد أن يخرج بدون أية حصيله و لو معنويه بعد كل هذا الدمار الذي حل بلبنان و الا فليس هناك مبرر او جدوى لما قام به ؟

يذكرنا هذا بحرب أكتوبر بين مصر و إسرائيل في سنة 1973 خرج الطرفين منها كل مدعيا الانتصار، لذا كان من السهل على إسرائيل أن تعيد شبه جزيرة سيناء لجارتها القويه..ويحفظ ماء الوجه للطرفين

و لكن ماذا عند لبنان؟ ليست هناك أراضي لبنانيه محتله الان، الا مزارع شبعا الصغيره.. . و هنا نتساءل لماذا يحارب لبنان الصغير الضعيف إسرائيل، نيابة عن العرب؟ هل تسوى مزارع شبعا دماء الاطفال.. ثم أن دولتين من دول المواجهه هما مصر و الاردن، وقعتا إتفاقية سلام مع إسرائيل مع الاعتراف الدولي بها..هل يحارب حزب الله نيابة عن الفلسطينين، و لكن حتى السلطه الفلسطينيه قبلت الاعتراف بأسرائيل..فهل لهذا القتال مبرر؟


قال أحد اللبنانيين لأحد مراسلي التلفزيون و هو ينظر الي حطام بيته المدمر..إنه لم يكن يؤيد حزب الله من قبل و لكنه الان أصبح مع المقاومه

مع صور جثث الاطفال اللبنانين تنتشل من تحت الانقاض.. وبكاء الاسرائيليين بحسرة في جنازات جنودهم، تتزايد الرغبه في الانتقام و تسبيب ألم يفوق أخر الم.. نحس به


هل هناك عقلانيه وهدف خلف ما يدور؟..إنه قتال في سيكولوجيا العواطف و الانفعال والكبرياء و الانتقام ..و الايلام

بن كريشان
***
ينشر هذا المقال بتصرف في مجلة الازمنه العربيه




إرسال تعليق

0 تعليقات