الاثنين

الاسلام والديموقراطيه

هل هناك شيء في صميم ثقافتنا..يمنع تطبيق ديموقراطية حقيقيه؟




في منتصف الاسبوع كانت هناك دورة تدريبيه في الامن والسلامه لمهندسي الشركه، عقدت في فندق الشيراتون بأبوظبي. دوره ذكوريه لم يشارك فيها اي من الجنس اللطيف وأتعس مافي الامرأن الذي يحاضر بها شوقي! هل تتذكرون شوقي؟ ، هل تتذكرونه من هذا المقال؟..وهو اخر شخص أحب أن استمع له. ذهبنا معا أنا والباشمهندس خالد الذي رجاني ان أبقي فمي مغلقا طوال الوقت فنحن غير ناقصين إنذارات ومخالفات بالقسم . و بالفعل وعدت الباشمهندس بذلك


ولكن المحاضره كانت مثالا في الغباء وإهانة لذكاء الانسان ..كان من الصعب جدا أن ابقي عيناي مفتوحتان، شوقي لا يجيد الالقاء ..صوته رتيب منخفض وينظر للشاشه ويقرأ منها ..كنت أخرج من القاعه متذرعا بسبب او بأخر..عفوا شوقي..ممكن اذهب للحمام؟ أحتاج ان أغسل وجهي ..عفوا شوقي ممكن اروح أدخن سيجاره؟ همس لي باشمهندس خالد وانا التقط شنطة الكومبيوتر: أنت لا تدخن أصلا..أين أنت ذاهب؟ فقلت له : باشمهندس ..انضم اليّ الساعه العاشره والربع بالضبط بالممر وستعرف..هناك شيء يجب أن تراه

فعلا جاء الباشمهندس خالد..في ذلك الوقت وانا وهو في ممر يفصل بين قاعتين للمؤتمرات واحده..بها شركتنا يدرّسنا بها شوقي الاهبل..والثانيه كتب عليها: طيران الاتحاد -الامتحان التقييمي للمضيفات

فقد حدث انه بعد أن دخل الجميع الى قاعة المحاضرات الخاصه بنا ، تأخرت انا لأجيب على مكالمة موبايل..وعندئذ امتلأ الممر بمضيفات طيران الاتحاد ،بزيهن الاسود.. فقد كانوا يأخذونهن داخل القاعه للتقييم..ثم يخرجن لأنتظار النتيجه ..وينتظرن في الممر ثم يعدن للداخل..وأنا أناظر هذه الواقفه وتلك الجالسه.. واستعرض السيقان الطويلة المتعاكسة.. على كراسي الانتظار فأردت أن ارى مالذي سيحدث للباشمهندس عندما يحدث ذلك الشيء،عندما خرجن للمرة الاولى أحسست بشعور زيزبونه عندما هاجمنا الجراد بالعين سنة ١٩٩٦ كانت كالمجنونه بالحديقه لا تعرف اي جرادة تصيد...تمسك بهذ وتتركها ثم تقفز للثانيه وتتركها

خرج الباشمهندس على الوقت بعذر اختلقه وقال لي: ايه.. في ايه يابن كريشان ؟ ماذا تريدني أن اشوف و ما ان أنهى جملته وفي تلك اللحظه ونحن بالممر بين القاعتين..أنفتح باب قاعتهن..وياعينك ماتشوف الا النور

في تمام الساعه العاشره والربع..أندفعت عشرات الفتيات الجميلات بزي طيران الاتحاد الأسود...إشي الماني ..إشي فنلندي...إشي لبناني وحاصرننا من كل حدب وصوب في الممر الضيق ، لقد كان وقت البريك عندهم، فقد قرأته في الجدول الذي على باب قاعتهم؟ لذا قلت للباشمهندس ان يتواجد في تلك اللحظة الروحانيه ..أمنت بالله وبالجمال..فحمدا لك ياربي انك خلقت لنا النساء..انها ليلة القدر






الباشمهندس..لم يتوقف عن الكلام فحسب بل اعتقد عن التنفس كذلك..صارت رجلاه ترتجفان..رأسه يتصبب عرقا ..أكلمه فلا يجيب ،نساء طويلات جميلات في كل مكان..نساء شقروات على اليمين ، سمروات على الشمال، سيقان طويلة في كل جهه ، نطق الباشمهندس أخيرفقال : ايه ده يابن كريشان؟ انت جايبني اشوف هذا حرام عليك فقلت له: موب أحلى من حوريات الجنه؟ فقال: معليش استغفر الله ..أنا ماقدرش عالذنوب. فقلت له: والله أحسن من الواحد وسبعين حوريه ياباشمهندس ومن يضمن، يمكن ربنا يجيبلك معاهم بالجنه، واحد وسبعين حماه أيضا؟ آمين يارب..المهم تمكن الباشمهندس من تحريك قدميه اخيرا وأطلقهما للريح ودخل الى القاعة وأختبأ وانا اضحك..ثم خطرت ببالي فكرة خبيثة..أخرى

فتحت باب القاعه وقلت: شوقي معذرة على المقاطعه..ياشباب أكره أن أقول لكم ذلك! ..ولكن القاعه المجاورة لنا بها بنات طيران الاتحاد..كل وحده احلى من الثانيه ..وواحدة منهن أعطتني رقمها..لاتفوتوا الفرصه ياشباب

ولا أريد أن اقول لكم كيف تفركشت الدوره وكيف قضى شوقي يومه في مطاردة الشباب واعادتهم الى القاعه، كلما أدخل ثلاثة خرج اثنين وهكذا..ولا أتصورأن فيهم احد قد استوعب او فهم شيء مما كان يقوله شوقي

أنا نزلت للوبي تاركا شوقي بمحنته ، وأختبأت بزاوية أكتب هذا المقال عن الديموقراطيه والاسلام ..محاولا تفسير ظاهرة التخوين والادانه والتكفير في بلاد الرمال

كنت الوم نفسي لماذا كتبت مقالا أسخر بشخص اتهمني فقط بأنني عميل لواشنطن..بدلا من تفهّم الاسباب التي جعلته يقول ذلك؟

مع ان الديموقراطيه ضربت جذورا عميقة في الثقافات الانسانيه، الغربيه منها والاسيويه وتمكنت معظم اوروڀا الشرقيه من احتضانها بفترة وجيزه ، الا ان هذا لم يحدث حتى الان في أي أمّة من امم بلاد الرمال مع اننا أقرب جغرافيا الى اوروڀا ولا يفصلنا عنها سوي بحر على عكس اليابان مثلا . فلماذا؟







١- هل السبب هو شيء في صميم الدين الاسلامي يمنع ذلك؟
٢- هل السبب هو شيء شاذ في ثقافتنا الاجتماعيه؟
٣- هل السبب هو الحكام العرب والاحزاب المتسلطه؟






سنعرف الاجابه على هذه الاسئله الثلاثه في نهاية المقال، فصبركم معي

لانستطيع ان ننكر دور الاسلام السلبي في تعطيل المسيره الديموقراطيه في بلاد الرمال وخاصة ان مبادئه تتعارض مع اصول وروح النظام الديموقراطي، مصدر هذا هو الاعتقاد بأن الاسلام منزل كدين كامل من السماء. ساد هذا الاعتقاد الى درجة خطيره بسبب الادبيات والاعلام وأختفاء الرأي االمخالف ومنعه، مما أدى الى إفراغ الذهنيه العربيه من اي فكر، الا الديني منه..فأصبح الاسلام تبعا لذلك هو المكون الوحيد للثقافه العربيه









وعندما يتساءل الانسان العربي البسيط: إن كان الاسلام منزلا ويتصف بالكمال فلماذا أصبحت بلاد الغرب اكثر تطورا وغناً من بلاد المسلمين المؤمنين برب الرمال؟ هذا التساؤل يلاقي اجابة معروفه يشيعها المتطرفون الاسلاميون الطامحون للسلطه وهي ان سبب عزوف الله عنا هو..تقصيرنا في الالتزام بديننا ..اننا لسنا مسلمين، كما يجدر بنا ان نكون وبالتالي فلا ينظر الله الينا لأنه كما قالت المطربه اصاله.. يا مخاصمنا يكفينــا بعدك عننا

ولا ينتهي هذا الادعاء عند هذا فقط، لا بل يقولون لهم بأن المسلمين في الماضي، كانوا اكثر قوة ولديهم دولة كبيره.. لأنهم كانوا اكثر التزاما بالدين..لأنهم كانوا يتبعون تعاليم الاسلام بحذافيرها وبكل دقه..وليس مثلكم ايها الكلاب الكفره المقصرون ..أتفووه عليكم

وذلك بالطبع تعميم خاطيء وساذج بسيط ليس له دليل ولايأخذ بعوامل التاريخ والتغيرات الاجتماعيه والسياسيه بالمنطقه

هناك قلة من المثقفين الذين يعرفون ان نجاح الغرب وقوته وثروته يعود الى تطبيق صحيح للديموقراطيه، ولا يعتبرون الديموقراطيه شيئا دخيلا لا يصلح لنا بدليل نجاحها في اليابان واسيا وفي دول تختلف ثقافاتها واديانها عن الغرب.هؤلاء المثقفون يرون انه لو نقلت التجربه الى بلاد الرمال، لأزدهرت واصبحت اكثر نجاحا وقوة






ولكن الحكام العرب واحزابهم المحتكره للحكم والحكومات لاترغب بالديموقراطيه،لأنها تعني انتقال السلطة الى ايدي غيرهم. لذا يقومون بلعبة خطيره هي الهاب مشاعر الناس ضد الغرب. ويتم هذا بتصوير الديموقراطيه على انها أداة من ادوات الامبرياليه







اما الجماعات الاسلاميه من ناحية اخرى، فهي تريد ان تستغل اسم الديموقراطيه للوصول الى الحكم ولكنها تريد تشكيلها بصورة اسلاميه تؤدي الى احتكارهم للسلطه الى الابد، لذا فهي ترفض الديموقراطيه على النمط الغربي وتعتبرها محاولة من النصارى لأفساد مجتمعاتنا ويلهبون مشاعر الشارع العربي وتذكير الناس بالحروب الصليبيه

الشعوب العربيه اليوم ، هم مثل ذلك المسكين الذي يتهمني بالعماله لواشنطن، اصبحت معوجة التفكير ومشوشة حقا وهذا مايفسر إتهامات التخوين والتكفير كما يجعلنا نفهم لماذا يعتبر عامة الناس عندنا الحريه والليبراليه والحداثه وحرية التعبير هي فساد ومؤامرات غربيه صليبيه امبرياليه اسرائيليه غير وطنيه وغير اسلاميه ؟

الحكام العرب يعتمدون كذلك في بقاء حكوماتهم على مساعدات ماليه وعسكريه من الغرب..وهذه الدول التي تمنحهم هذه المساعدات تريد ان تراهم يقومون بأصلاحات ديموقرطيه، وهم يتحججون بأن البديل الاسلامي هو الذي سيخلف ان هم ذهبوا. وفي الوقت نفسه يدعون الجماعات الاسلاميه المتطرفه وبمرأى من عيون هؤلاء الحكام تخترق الشارع وتسمم عقلية شعوبهم..مما يضعهم بين فكي كمّاشه.. فهم يلعبون لعبة خطرة جدا باستغلال وجود هذه الجماعات ..وكما تعلمنا فنتيجة ذلك وخيمه. كل الحكومات التي دعمت الجماعات الاسلاميه لفترة وجيزه..عادت هذه الجماعات المتطرفه لتعضه و الامثله على هذا هي مصر أنور السادات، ومملكة الرمال الكبرى وباكستان..والدور جاي على سوريا
وهذا يضع الشعوب العربيه بين كمّاشة اخرى..بين امرين احلاهم مر.. القوميه الدكتاتوريه او الدوله الاسلاميه الفاشيه




ولكن هل الديموقراطيه غريبة تماما عن بلاد الرمال؟

الواقع كلا..فقد توصل المعتزله الى فكرتها منذ قرون. وهم الذين قالوا ان اي سلطة لحاكم لاتأتي من رعيته ،لاتكون لازمة عليهم. مما يدل على ان هناك من فكر في بلاد الرمال بحكم الشعب لنفسه وادارته لشؤونه..حتى قبل ان يعرف الغرب ماهي الديموقراطيه. ولكن في نهاية القصه وكالعاده، بطش والحكام بالمعتزلة... كما تفعل الدكتاتوريه مع المفكرين مستغليين معارضيهم من المسلمين الذي رأو في ارائهم تهديد لثوابت الاسلام ومركز مشايخ الدين









هناك اختلاف جوهري بين الاسلام والديموقراطيه، فالاخيره تقوم على ان الفرد الذي ينتخب يجب ان يكون له القدره على اتخاذ قراراته الخاصه والوصول الى يقينه الفكري، وهذا يشمل الاختلاف مع رأي الاخر حتى ولو كان ذلك رأي الاغلبيه او رأي الحاكم

أما الاسلام فيريد وضع هذه ضمن مايسميه ضوابط ، يحاول الاختباء خلفها فمثلا يقول سيد قطب واصفا الديموقراطيه



إنها شكل من أشكال الحكم الفاشلة التي ثبت إفلاسها في الغرب، وأصبح من غير المجدي أن نحاول استيرادها



المفكر الإسلامي السوري سعيد حوا حذا حذو سيد قطب، فنفى أن تكون الشورى الإسلامية كالديموقراطية بل نقيض لها فهو يقول: "فأما المحدثون الذين يلبسون الإسلام زي الديموقراطية فقد انحرفوا انحرافا خطيرا عن المعنى الحقيقي لمفهوم الشورى في النظام الإسلامي للحكم". فالديموقراطية عنده هي كلمة يونانية تعني سيادة الشعب الذي هو مصدر الشرعية والذي يشرع ويحكم ..ولا حكامية الا لممثل الله على الارض







أما الشورى فتعني أن يشاور الحاكم شخصا أو عدة أشخاص بشأن تفسير نقطة معينة في الشريعة الإسلامية. ذلك أنه في الإسلام لا يحكم الشعب نفسه بقوانين يسنها هو (كما في نظم الحكم الديموقراطية)، وإنما يحكمه نظام وقوانين فرضها الله عليه، ليس من حقه أن يغيرها أو يعدلها بأي حال من الأحوال. وعلى ذلك فإن مفهوم حكم الأغلبية لا يمكن أن يقره النظام الإسلامي للحكم، لأن الإسلام لا ينسب سيادة إلى الأغلبية"

:تقول مجلة الوعي الاسلامي التابعه لوزارة الاوقاف الكويتيه في العدد ٤٩٦عن الديموقراطيه

أن اقامة حكم الشعب بالديموقراطيه غير مشروط بألغاء الحاكميه الالهيه كما ان حاكمية الله لاتقف بوجه حاكمية الامه والبشر وذلك لوجود حقيقتين مهمهمتين

١- الحقيقه الدينيه التي لايختلف عليها مسلم على ان الحاكميه الاولى هي الحاكميه الالهيه والا لسقط معنى الدين الذي يفسر معاني الحياة والموت والبعث
٢- الحقيقه الاجتماعيه السياسيه وهي ان الاسلام يهدف الى تحويل نصوصه الى وتعاليمه الى قيم واحكام وبالتالي خلق ثقافة تؤطر سلوك الانسان بقوتها ونفوذها ونفاذها


لايمكن ان يكون هناك استهبال وعدم احترام للعقليه العربيه اكثر من ذلك ولكن كما قلت فأن الثقافة العربية مختزلة في مكون وحيد هو الدين الإسلامي، الذي يرفع الى درجة مقام «سيد المجتمع الأوحد» وسلطانه الجبارالذي لا يسمح بمرور اي تغيير او تبديل لمقدراتنا الا اذا لم يتعارض ذلك مع ثوابته الرجعيه و يتناسب مع جوهره الجامد و الا... سيرفضه بحكم التناقض والتعارض معه

أضف الى ذلك ان الاسلام يقوم على اعتبار ان الحاكم و الحكومة عليهما ومن واجبهما ان تقوما بتعزيز الاسلام والدفاع عنه والترويج له وتدريسه والدعوه ومنع وحبس وعقاب المواطن الذين يتجرأ على انتقاده، فكيف تقوم الديموقراطيه على مبدأ السمع والطاعه؟ وهل تقوم الديموقراطيه على ثقافة الادانه والتخوين والتكفير والعقاب لفكر المعارضه؟

وهكذا تكون إجابه الاسئله الثلاث في بداية المقال كالتالي

ج١- نعم ففي صميم الدين الاسلامي مبدء يعارض الديموقراطيه
ج٢- الشيء الشاذ في ثقافتنا ان مكونا واحدا يتحكم بها هو الاسلام
ج٣- نعم الحكام العرب لم يبنوا منهجية تؤسس على زرع ثقافة الديموقراطيه ولعبوا لعبة خطيره بأستغلال التطرف الاسلامي للحفاظ على كراسيهم







فهل يقدم الاسلام على ضوء ذلك بديلا افضل من الحكام العرب الحاليين؟ ابدا لأنه يعتمد على احدى اكبر نقاط ضعفه لتعزيز سلطته وبطشه..إنها ايدولوجيتة الجامده التي يقمع من اجلها المعارضه فهو بذلك لايختلف عن الدكتاتوريه او الفاشيه او النازيه او السوفيتيه الشيوعيه او البعثيه في تسلطهم ..لذا لايصبح فقط عدوا للديموقراطيه في الصميم، بل لاشيء لديه يقدمه لشعوب حديثة متطوره..تريد ان تبني مستقبلا مزدهرا لأبنائها

بن كريشان












ليست هناك تعليقات: