! خالتي عبدالله


إتصلت بي أمي وقالت: بن كريشان، شو تعرف عن خالد الهاجري؟ أجبتها: هو شاب خلوق و محترم و إن لم يكن صديقا قريبا الا إني لاأسمع عنه إلا كل الخير..شو الموضوع ماما صرتي خطّابه؟ خالد خطب بنت خالتك هَناء أجابت أُمي ثم أكملت ، بس خالتك تقول سألوا عنه و سمعوا أنه يشرب خمر! هنا كدت أجيبها وشو فيها فأبنك يشرب الخمر كذلك و هناك زجاجة فودكا في مكتبي بالبيت..ولكني عدلت عن ذلك..خالتي هذه شديدة التدين حتى إنها تمنع تعليق الصور في البيت..و إذا زارت بناتها و وجدت دمى في بيوتهن تقوم بفصل رؤسها ! حفيداتها البنات في عائلتنا يقمن بأخفاء دمى باربي ، عندما يعرفن إن خالتي قادمة للزياره

قلت لأمي : أنا لن أسأل عنه أحدا ..أنا سأكلمه بنفسي

و فعلا جاء خالد اليّ في المكتب و تحدثنا قليلا و قال لي صحيح يشرب ولكن الامر لا يتعدى كأسا أو إثنين في أيام الخميس فقط مع أصحابه ، و الموضوع بالنسبة له بسيط لأن هناء بالنسبة له أهم و قد قرر التوقف ..وجدت فيه شابا لطيفا جدا، و حرام أن تخسر هناء شخصا مثله..فقط لأنه يشرب الخمر كما تقول أمي

إتصلت بخالتي و شرحت لها إن جميع الشباب يزل و يخطيء و خالد شاب جيد و قد أكد لي أنه ترك هذه العاده و أضفت إنه لن يعود اليها خاصة عندما يلتهي بزوجته و أولاده . أجابتني الخاله بخبث :عقبالك! ولا أدري إن قصدت الزواج أو موضوع الشرب ؟! على أية حال تمت الخطبه يوم الخميس أول أمس

سألت نفسي هل هناك تأكيد لو أن هناء خطبت لشاب مؤمن يخاف الله لا يشرب الخمر، هل سيكون ذلك سببا في سعادتها..ثم دخلت أهنيء خالتي و هي من شدة التزامها لا تصافحني بدون أن تلف يديها بشيلة الصلاه مع انني ابن أختها، و فكرت في نفسي كيف كان من الممكن أن يرفضوا شابا مثل خالد..لأنه يشرب الخمر؟ كيف يتخذ الناس قرارات مصيريه في بلاد الرمال بالرجوع الي أمور إيمانيه غير متعلقه بالحياه؟ ولا أدري لماذا ذكرتني خالتي بعبدالله

يشبه وجه عبدالله وجه خالتي، ليس بالتقاطيع ولكن بتعابيره الواثقه من العذاب و المصير الذي ينتظرني بسبب أفكاري و نظرياتي المتعلقه بالتدين. خالتي المتدينه ترتسم عليها نفس التعابير و خاصة عندما تنصح أختها، أمي ، بأخذي الي العمره لعلى أهتدي بعد أن أوصل لها ابناء الحرام خبر ان إبن أختها، حضرتي، يشرب.. وهو أمر أنكرته تماما، أما من هوعبدالله ؟ فهو أبن عم صديقي ظافر.. شاب ممن ينعتون أنفسهم بالملتزمين وعبدالله هذا، يتبوأ منصبا كبيرا في احد الوزارات الاتحاديه في أبوظبي

كثيرا ما يحب ظافر أن يراني أجادل أبن عمه عبدالله بالتي هي أحسن و لكن لا يمكن لأي منطق أودليل أن يخترق إيمانه الاعمى..ينطبق على عبدالله و خالتي ما يردده الوعّاظ من تحصين النفس بالإيمان...وذلك بأغلاق العقل بالترباس

و مثل ظن خالتي فيّ، يعتبرني عبدالله صاحب السوء الذي خرّب ظافر و أضله عن سواء السبيل.. لقد أكتشفت انه لا فائده من النقاش مع اي إنسان حجب عقله بستارة الايمان

كثيرا ما يبدوا لك المتدينون و كأنهم مغرورون، عندما ترتسم تعابيرهم الواثقه بمحياهم و خاصة عند تعاملهم مع غيرهم. هذا الغرور و الثقه العجيبه الناجمه عن الايمان الاعمى هو ببساطه ،عيب و فشل في شخصية هذا الفرد المتدين .. و هو ناتج عن تصديق انه لا يمكن و بأي حال من الاحوال،أن يكون هو على خطأ، سواء بما يقوله أو بما يؤمن به. لقد آثرت أن اسمى هذه الظاهرة فشلا، لأن هذا الفرد المؤمن يفشل في الأخذ بالاعتبار نقد الذات و التعلم من أخطاءه

ذلك شيء مدمر ليس فقط لشخصية الانسان و عقله، بل فهو شيء خطير قد يمتد اذاه و تأثيره الي المحيطين بهذا الفرد و الي المجتمع،فكم من مجتمع تخلف بسبب قرارات مسؤول متدين و كم من نفوس حرمت السعاده بسبب قرار أب متدين ضد ابنائه و كم من مأسى ارتكبت لأن قائدا او رئيسا دخل حربا...لأنه يعتقد ان الالهة الي جانبه، أو متدينا يخون بلده بولاء لجهات خارجيه يؤمن إنها تمثل رب الرمال أكثر من وطنه

يصيح رجال الدين المسلمين و ينادون في مواعظهم المتلفزه و تلك التى في الراديو و خطب الجمعه بمراجعة النفس و العودة الي طريق الصواب بالتوبة الي الله عز و جل.ويمر هذا الوعظ على المسلمين و كأنه بديهيه، فالدين يؤخذ أعتباطا بأنه الصواب و لا يُسأل الواعظ من جعله صوابا رغم تناقضاته الداخليه مع نفسه و تناقضاته الخارجيه مع القيم و المباديء الانسانيه و إلتقائه مع الشرور في أماكن عديده.. هنا يقع المؤمن فخ الخديعه...فهو مذنب و كافر إن إنتقد نفسه فيما يصدر منه من أفعال عن إعتقاد إيماني

من أهم الملكات الانسانيه التى ساهمت بتطور الانسانيه هي نقد النفس و التعلم من الاخطاء..و لو عدت بذاكرتك الى الوراء للاحظت أن تطورك الشخصي و خبراتك التي تستعملها في الحياة و لا سيما الناجحة منها..هي تلك التي تعلمتها بعد ارتكاب خطأ وانتقاد نفسك، ان كل ما توصلت اليه البشريه من تقدم ما هو الا التعلم بالمحاولة و الخطأ

يأخذ المتدين من مثل عبدالله و خالتي و غيرهم أعتباطا فكرة بأن الله الي جانبهم في ايمانهم بفكرة دينيه ممنوعه من النقاش و التداول و البحث..لأن ذلك حرام و يؤدي مجرد التفكير في ذلك الي الوقوع في الذنب و المعصيه و اثارة غضب الله...إن ذلك خيانة لتلك الملكة الانسانية الجميله و هي القدره على نقد النفس و التعلم من أخطائنا. وبذلك يبقي الانسان المؤمن و المجتمع الذي يسيطر عليه أمثال هؤلاء المؤمنين مكانك سر يرفض حتى فكرة مراجعة و نقد نفسه...ويرى المؤمن نفسه على سبيل الحق و الصواب ..و غيره على طريق الحرق و العذاب..فما الذي يدعوه أن ينظر لنفسه في مرأة التجارب و الحياه ؟



أن الأنسان المتدين و المؤمن يتخذ قراراته بدون تفكير و يمضي فيها و أن فشلت، فهو لا يراجع ذاته ..و يعتقد أن الفشل يحدث لأن الذات الالهيه لم تشأ لها أن تتحقق..و الله و ما قدر و شاء..علام الغيوب لا يسأل...فذلك هو الايمان الصادق

أتذكر أحد موظفيني و هو في مقتبل العمر وقد جائني بخجل يرجو مساعدته في طلب النقل من قسمي بسبب ظروف الشغل القاسيه..و أخبرني بصراحة إنه كان يعمل لدى أحد البنوك و كانت وظيفته جيده و كان هو سعيدا و مرتاحاهناك حتى بدأ عمه المتدين، بتحريض أباه الذي زن على رأسه ليترك العمل بالبنك لأن العمل بالبنوك..حرام


إن الانسان العادي البسيط مهما كان..قد يتسبب ببعض التدمير و الخراب له و لأسرته بسبب إيمانه الاعمى و امتناعه عن انتقاد نفسه و التعلم من تجاربه الفاشله..و لكن عندما يكون مثل عبدالله صاحب مركز كبير فأن قراراته ستكون بناء على اعتقادت راسخه غير قابله للمراجعه و الانتقاد، و كأنها خارج الانسان، وهو غير مسؤول عن حدوث الفشل..فهو قضاء و قدر الله. الان تخيلوا كم من قرارات تخص الاسره و الزواج و العمل تتم بواسطة هؤلاء المؤمنين من المسؤولين اعتمادا على فرضية غير قابلة للأنتقاد..أن تشويه منهج الدراسه الاماراتي الذي حدث في
الثمانينات كان مثالا على ما يحدث عندما يعهد الامر الي مسؤول مؤمن

هذا المتدين الملتزم، غير مسؤول عن اخطاءه،فهي ثوابت و ليست آراء و تجارب، لذا فهو لن يعترف بأن قراره كان خطأ..لأننا مسائلون من قبل رب الرمال ، الانسان المؤمن مجرد اداة تنفيذ ،و ليس تفكير و طالما قرر لنا ربنا كل ما نفعل من كيفية الاكل و ما نستطيع أن نشرب و كيف علينا أن نلبس ثيابنا و نتعامل مع البنوك و شركات التأمين و من نصادق و على من نسلم الخ..فلماذا نفكر بعد أن لم يدع رب الرمال كبيرة و لا صغيرة إلا أحصاها ؟ ولماذا ينتقد المؤمن ذاته و ما الداعى أن يتعلم من تجاربه؟


أن هذا الشخص المتدين هو شخص غير مسؤول..غير مسؤول عن قراره، فلا داعي أن يتعلم شيئا او يطور أمرا..انه مجرد شخصية فاشله غير قابله للتفكير و التطور عن طريق النقد الذاتي...أنه منفذ غبي واثق بنفسه، لا يرى غير غروره و أنانيته الموضوعه في خدمة ربه..رب بلاد الرمال.. .أن أخطر شيء يقترفه انسان ضد نفسه و ضد مجتمعه و ضد من يحب..أن لا يراجع نفسه و ينتقد ذاته...لأن الأيمان الاعمى لا يحول الانسان فقط الي مجرد مغرور أحمق..بل الي شيء يشبه خالتي عبدالله


بن كريشان



إرسال تعليق

0 تعليقات