الفتنـــــــة الكبــــــرى




A great article I want to share with you.



الفتنـــــــة الكبــــــرى
عادل جندي
في مطلع القرن الواحد والعشرين، تجد البشرية نفسها أمام بديلين رئيسيين متناقضين تماما للنظم السياسية الاجتماعية: الواحد يتمركز حول "الإنسان" وقيمته وحقوقه. والآخر يتمحور حول "الآلهة" وحقوقها وأوامرها (الحقيقية أو المزعومة).



***البديل الأول هو نظام "الحرية الديموقراطية" الذي يستند إلى أنظومة متكاملة ومترابطة من القيم:ـ الإنسان "الذي خلق ليكون له رجاء وأمل وليسعى نحو السعادة"، وحقوقه كما استقرت منذ قيام الثورة الفرنسية، وأخذت شكلا محددا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المبنية عليه.. ـ الحرية؛ حرية الضمير الكاملة للفرد ليعيش حياته كما يشاء، في حدود عدم التعدى على حرية الآخر. وهذه القيمة هي حجر الزاوية الذي تدور حوله بقية القيم، وكلمة السر لفتح باب النظام بأكمله. ـ المساواة التامة بين الأفراد. فليس هناك فضل لفرنسي على أعجمي، لا بالتقوى ولا بالعرق ولا بالجنس ولا بلون الجلد ولا بغير كل ذلك.ـ مصدر السلطات هو الشعب وحده، وليس أي مصدر آخر ـ سمائيا كان أو أرضيا أو تحت أرضي؛ والحكم يكون من الشعب وبالشعب وللشعب. ـ العدالة وحكم القانون؛ وهو قانون وضعي ينبع من ويستند إلى القيم الأخرى. والفكرة هنا هي أن المجتمعات الإنسانية، مكوناتها بشر وليس ملائكة (ولا شياطين).


وهؤلاء لهم حساب "الخطايا" مع آلهتهم وطبقا لمعتقداتهم؛ ولكن "الأخطاء" (أو المخالفات أو الجرائم) هي الأفعال المجافية لقوانين المجتمع الوضعية التي تراعي احتياجات المجتمع وتتغير معها ومع الزمن. ويمكن اعتبار "الخطايا" و "الأخطاء" كدائرتين متقاطعتين، ولكن غير متطابقتين.ـ فصل الدين عن الدولة حماية لكليهما. ولا يعني هذا فصل الدين عن المجتمع. وإذ يبقى مجاله في الدائرة الشخصية كعلاقة بين الإنسان وربه، فإن تأثيره خلال ضمائر الأفراد وقيمهم ينعكس على المجتمع.ـ الانفتاح والتسامح والتعددية الثقافية والفكرية واعتماد الحوار كأسلوب أوحد للتنافس بين الأفكار. والمبدأ هو كما يقول فولتير في مقولته الشهيرة: "أنا أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أضع حياتي ثمنا لأن يكون لك حق التعبير عن رأيك".ـ الشفافية والمكاشفة والاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه. (هل ننسى الصور التي نراها أحيانا لرئيس شركة يابانية وهو ينحني أو يسجد باكيا أمام الكاميرات، للاعتراف والاعتذار عن خطأ ارتكبته شركته في حق المستهلك أو حملة الأسهم). وللمجتمع إضافة لذلك آلياته، ومن بينها حرية المعلومات وحرية النقد، التي تكفل مراقبة تصرفات مسئوليه وكشف أخطاءهم، تحت سلطة القانون. ـ أحقية الإنسان في المبادرة الشخصية والاحتفاظ بناتج عمله وعائد ممتلكاته. ـ تكافل اجتماعي يراعي حقوق الفئات الأضعف.ـ نظام عقابي فلسفته تقوم على تقويم المخطيء، وليس الانتقام منه؛ وعلى حفظ حق المجتمع. ـ قيم أخرى مثل السعي الدائم لما هو أفضل، والإحساس بالمسئولية، والعقلانية، والتفكير العلمي، والإتقان، والحس الجمالي، والانضباط، والأمانة (بالمعنى الواسع، وليس فقط كنقيض لسرقة الأشياء) الخ. وهي قيم تتجلى خلال القوانين ولكن، قبل ذلك وأهم، عبر سلوكيات المجتمع ومواقفه. (على سبيل المثال، فإن احترام إشارة مرور حمراء في طريق خالٍ ليلا تعني، بالإضافة إلى احترام القانون والانضباط، الأمانة ـ بعدم اقتراف الخطأ، برغم غيبة رقابة أعين الشرطة، أو هراوات المطوعين!).والأنظومة متكاملة ومتوازنة؛ بمعنى أن كلا من عناصرها هو في حالة اتزان مع البقية، تشبه مايحدث في "الأواني المستطرقة". وهذا القيم لا تختلف عن كونها "جينات" المجتمعات التي تعتنقها؛ أي هي التي تجعلها "كائنات حية" وتعطيها مفاتيح الحياة المجتمعية على الأرض.




ولذا فليس غريبا أن نجد تلك المجتمعات خلاقة ونشطة ومتجددة ومتحركة ومنتجة ومنفتحة ومتفائلة. ولكن أيا منها لا يزعم أنه وصل إلى الكمال أو قد أصبح يوتوبيا أو فردوسا على الأرض؛ فالمشاكل لا تنتهي طالما كان هناك بشر ذوو إرادات ورغبات متعارضة. إلا أن هذه المشاكل تُعالج بالأساليب العقلانية وبالحوار.وقد تبلور هذا النظام بمجموعة قيمه عبر القرون في مسيرة من التطور والانتخاب الطبيعي، قادتها وتأثرت بها الحضارة الغربية، وانتهت "بالبقاء لأفضل النظم". وهو (كما تنص ديباجة الدستور الأوروبي الذي تم توقيعه من رؤساء الدول الخمس والعشرين شهر أكتوبر الماضي في روما) يستلهم "التراث الثقافي والديني وتراث الهيومانيزم" في أوروبا. ويمكن أن يعتنقه المؤمنُ بأي دين (إذ يصعب تصور دين حقيقي يتعارض معها) والملحد؛ المتدينُ وغير المتدين؛ الفقيرُ والغني؛ الأبيضُ أو الأصفر. وقد انتشر بالفعل بين ما يزيد عن ثلث شعوب الأرض؛ من اليابان إلى أمريكا ومن السويد إلى جنوب أفريقيا ومن الهند إلى التشيك. وفي هذا النظام فإن الشعوب، لكي تحكم نفسها، تلجأ إلى أساليب مثل "الديموقراطية التمثيلية" (الانتخابية) التي تستند إلى "دولة المؤسسات" وتأتي في صور مختلفة. ولكن هذه ليست في حد ذاتها "قيمة" من القيم، بل مجرد آلية، أو إذا شئت لعبة، سياسية هدفها اختيار من يمثلون الشعب في حكمه. وبغير الاستناد إلى المنظومة المتكاملة فإن "الديموقراطية التمثيلية" لا تزيد عن كونها مجرد "تمثيلية" بلهاء بل وخطرة. [يبدو أن معلومات كبار القادة العرب تتوقف عند حدود هذه "التمثيلية الديموقراطية"، كما تبين أثناء الحوار المذهل الذي أجرته البي بي سي مع السيد عمرو موسى يوم 15 نوفمبر!]






ويرتبط به من الناحية الاقتصادية النظام الرأسمالي؛ وهو يعني اقتصاد السوق الحر الذي يعمل في إطار يحد من الاحتكار والاستغلال. وبما أنه بَشَريُ المنشأ، فليس هناك ما يحد من تطوره، أو تطور أي من عناصره، مع الزمن. وإن كان فرانسيس فوكوياما يقول في "نهاية التاريخ" بأن البشرية قد وصلت إلى أفضل ما يمكن تصوره من نظم، فهذا لا يمنع إحتمال تطوره في المستقبل؛ بل من المؤكد أن يحدث هذا وإلا تحجر وتحول إلى وثن.ومن نقاط قوة هذا النظام أنه قاد قاطرة التقدم العلمي والتكنولوجي والفكري والفني والتنموي في القرون الأخيرة






ومعه فقد أصبح تزايد المعرفة الإنسانية بمعدلات "هندسية" (أي ليست خطية) تجعلها تتضاعف مرة في كل عشر سنوات؛ ووسعت مجالها: من مكونات الذرة وجينات الخلية إلى المجرات البعيدة حتى لحظة انبثاق الكون المعروف (زمكاناً).من ناحية أخرى فمن بين نقاط ضعفه: ـ انتشار "الرذيلة" (بغض النظر عن التعريف المحدد لها) في المجتمعات التي تطبقه. وهذا صحيح إلى حد كبير، فهو ثمن للحرية. ولكن من ناحية أخرى فليس من المؤكد على الإطلاق أن "الرذيلة" أقل انتشارا في المجتمعات "الأخرى". بل يبدو أن الفارق الوحيد (أو الرئيسي) هو كونها في الأخيرة محاطة بشيء من السرية، بدلا من كونها فوق السطح. أي أن تلك المجتمعات تخشي "الفضيحة" أكثر من الفعل! ومن ناحية أخرى، نجد بعض "الممارسات" منتشرة ومقننة في تلك المجتمعات، بينما هي محرمة قانونا في دول "الحرية الديموقراطية" (...).ـ أن الحرية تفتح الأبواب لأعداء الحرية، وأن الرفاهية تصل بالناس إلى عدم الاستعداد للتضحية بشيء في سبيل الحفاظ على مكاسبهم. ولا يوجد رد حاسم على هذه النقطة التي يختلف حولها علماء الاجتماع والفلاسفة. الزمن وحده سيحدد إن كانت ستصبح بمثابة كعب أخيل.



***النظام الثاني يسعى لتأسيس دولة تقوم على أيديولوجية شمولية (توتاليتارية) هدفها إعادة تشكيل المجتمعات وتنفيذ (ماتزعم أنه) إرادة الآلهة على الأرض. وقيمها تقف على النقيض من القيم الأساسية للنظام الأسبق. ويمكن تلخيصها في الآتي:ـ الطاعة العمياء تأتي كقيمة عليا تمثل حجر الأساس: بدءا من طاعة النصوص الحرفية إلى طاعة من يفسرونها ويقدمون الفتاوى حولها، وانتهاء بطاعة ولي الأمر. فالإنسان هنا ليس أكثر من "طلقة رصاص" لم تختر هدفها، مقارنة بكونه، في نظام "الحرية الديموقراطية"، أشبه "بقائد الطائرة" الذي يتحكم فيها ويتحمل تبعات اختياراته.ـ الدين عصب الدولة والدولة سند الدين. والدين هنا قد لا يعني أكثر من "المذهب الديني" السائد (أو في موقع الحاكم) حيث تطبق الأيديولوجية.- لا حرية: فليس للناخبين ونوابهم، مثلا، أي حق في التشريع إلا في نطاق "الأيديولوجية"؛ والحريات الشخصية، بدءا من الاعتقاد وانتهاء بالملبس والمأكل وأسلوب المعيشة، محكومة ببنودها. - لا مساواة بين الرجل والمرأة، ولا بين أتباع "الأيديولوجية" وغير أتباعها؛ ولا بين "المؤمنين" و "غير المؤمنين".- وبالتالي، فلا عدالة عامة؛ وأن كانت عموما هناك عدالة في تطبيق القواعد المقننة (التي هي في حد ذاتها غير عادلة).- تطبيق قواعد عقابية لا تكتفي (كما يقول العفيف الأخضر) بتقويم المذنب المدان أو بأسلوب التقييد على حريته (أي بعقوبة السجن)، بل تقوم على "الانتقام" وتستند إلى أساليب "الإيذاء البدني" للمذنب، بدءا من الجلد وبتر الأطراف إلى دق الأعناق.ـ حق الملكية والمكسب
في حدود ما تقننه "الأيديولوجية".ـ تكافل اجتماعي يرعى حقوق الفقراء والمعوزين

إرسال تعليق

0 تعليقات