الاثنين

البحر المتلاطم...من أصحاب العمائم

رأيت شابا من المتشددين دينيا او بالاصح المتلخبطين ذهنيا، في أبوظبي مول، يمشي مع زوجته الملفوفة بالكفن الاسود و معهم طفل تدفعه الام امامها في عربه. هذا الشاب على خلاف من نراهم بالالبسة الدينيه التقليديه كان يلبس سروالا و قميصا اشبه باللبس الباكستاني او الافغاني و يلف رأسه بعمامه بيضاء مثل لون القميص و السروال. اندهشت عندما سمعته يكلم زوجته، فقد كان من احدى بلدان الصحارى الرمليه الخليجيه القريبه. ان ظاهرة التخلف الديني اصبحت تخرج علينا بظواهر هزليه تهريجيه لا نعرف ان كان علينا ان نضحك ام نأسى أزائها ، و كما قالت عرب الرمال في الماضي : شر البلية ما يضحك

لعبت العمامه و هي لفافة من القماش تغطي الرأس ، دورا كبيرا في تاريخ بلاد الرمال. يعتقد ان أصل العمائم من بلاد فارس و ليس الجزيره العربيه و تسمي بلغتهم دلباند و يقال ان اسم هيدباند بالانجليزي و هو ربطة الرأس جاء من الفارسيه. يعتقد ايضا ان العمامه التي انتشرت في بلاد الرمال جائت اصلا من فارس او الهند، و ان لم يلبسها عموم الشعب الصحراوي، الا انها اختصت بالسلاطين و الخلفاء و رجال الدين. في ايام الدوله العثمانيه كان الشعب يلبس الطرابيش الحمراء و يتميز عنهم رجال الدين بلف شريط ابيض حول الطربوش ، كما نرى شيوخ الازهر اليوم ، بينما لبس السلاطين من بنى عثمان انواع مختلفة من العمائم لكل مناسبه
في سلطنة الرمال القريبه تعتبر العمامه جزء من اللباس الرسمي للرجال على خلاف الغترة و الشماغ و الكوفيه في بقية صحارى العرب الشرقيه، بينما يلبس سلطان عمان عمامات متنوعه يتم تصميمها له بواسطة المسيو ايف سان لوران. من غريب ما اكتشفته ان اصل العمائم ليس من سلطنة عمان حيث تلبس حاليا ، بل من دولة قطر، التي لا يلبس اهلها العمامه الان، و استدللت بذلك من هذا الحديث: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية ، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ، ولم ينقض العمامة – سن ابي داود ، كتاب الطهارة ، باب المسح على العمامة وقد قيل : قطرية : ضرب من البرود فيه حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة ، قيل : حلل جياد ، تحمل من البحرين ، من قرية تسمى قطرا . طبعا البحرين قديما كانت تضم الجزء الشرقي من شبه بلاد الرمال بما فيها قطر و منطقة الاحساء قبل ان تنكمش الي الجزيره الصغيرة الحاليه

العقيد في صحراء الرمال الليبيه يلبس احيانا عمامه، لا اعرف اصلها او سببها، و لكنه معذور! اما في رمال السودان فأن العمامه السودانيه البيضاء تتميز بتعدد لفاتها التى تحتاج الي امتار من القماش. أما في ايران الاسلاميه و عموم رجال الدين من الشيعه فأن لبس العمامه التى يعتقدون انها تشبه عمامة الامام على، كما يظهر في التصاوير، تعتبر جزء مهما من تميز رجل الدين الشيعي و تكون في الغالب سوداء و احيانا بيضاء و قد يتميز السادة منهم على اساس النسب الهاشمي بلبس عمامة خضراء

حاربت الوهابيه في صحراء المملكه العمامه و استبدلتها بأسدال الشماغ او الغترة على الرأس بدون عقال ، ليصبحوا اشبه بكهان الجاهليه . هذا اللبس تحول الي رمز مميز لشيخ الدين الوهابي يميزه عن غيره من شيوخ الدين في مصر و تركيا و غيرها من البلاد و تمتليء ادبيات الوهابيه بأحكام و فتاوي مثل حكم من يلبس العقال، و حكم من يلبس العقال فوق الشماغ..و حكم من يلبس العقال تحت ...شماغ بروجيه

! في الامارات مقولة طريفه لوصف الجاهل بالامور مدعي العلم بأنه ، ثور معمم

وهناك قول الحجاج بن يوسف الذي اعتلى المنبر بدون عمامه فلم يعرفه الناس فضحكوا فوضع العمامه على رأسه فاعتراهم الخوف و الرعب و كأن برزان التكريتي قد تجلى امامهم : انا بن جلا و طلاع الثنايا متى اضع العمامة تعرفوني


هناك أصل ديني طقوسي للبس العمامه كما نستدل الان من ديانة السيخ الذين اتخذوا العمامة لديهم رمزا مهما من الرموز الدينيه المقدسه، و يسمونها داستار، و يحرم على الرجل منهم ان ينزعها ، و في مناسابات دينية خاصه لديهم يلبسون العمامه الزرقاء. يتعرض السيخ الان في امريكا للتفرقه و السخريه حيث يظن الامريكان انهم متشددون اسلاميون او عرب، هذا الرابط مثال على ذلك

http://www.ebaumsworld.com/audio/dirtyturban.html

في افغانستان ميز الطالبانيون انفسهم بارتداء عمامات طويله كانوا يستخدمون فيها قماش عمامتين معا ، و يتركوا لها طرفا او ذيلا طويلا ينزل من على الكتف و يرمي الي الامام، لاحظ كوتور* الظواهري في ارتداء العمامه، مع العلم ان اغلب الافغان من البشتون لايلبسون عمامة بل القبعه البشتونيه. و هم في هذا يتبعون حديثا ضعيفا يقول : سئل عبد الله بن عمر رضى الله عنهما : كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتم ؟ فقال : كان يدور كور عمامته على رأسه ويغرزها من ورائه ويرسلـــها على كتفيه

عند الهندوس يلبسون العمامه في طقوس الزواج حيث يلبس العريس عمامة برتقالية مزركشه باللون الذهبي

وهناك اشارات في الكتاب المقدس الي لبس العمائم و خاصة الاشوريين و البابليين ففي حزقيال رقم ثلاثه و عشرين : لكنها زادت من فواحشها حين رأت صور لرجال من البابليين منقوشة بالاحمر على الحائط حول خصورهم احزمه و على رؤسهم عمائم متهدله ، لم يرد للعمامة ذكر في القرأن الكريم اما في الحديث فهناك الكثير ، وهذا قليل منه : قال ابن القيم : كان النبي ص يسجد على جبهته وانفه دون كور العمامة ولم يثبت عنه انه سجد على كور العمامه -حديث صحيح- وهناك حديث اذكره و لكنى لم استطع ان اجده لأرد اسناده يقول حسب ما أتذكر : لن تضل امتى ماداموا يلبسون العمامه، و أخر غيره : عن عمر بن حريث عن ابيه قال: كأني انظر الي رسول الله صلعم و عليه عمامة قد ارخى طرفيها بين كتفيه.

و سميت العمائم تيجان العرب. ليس البشر فقط يلبسون العمائم بل ان العمامه من لبس الملائكه ايضا، وورد في القصص ان الكتيبه العسكريه الملائكيه التي شاركت في غزوة بدر كان افرادها يلبسون العمائم البيضاء. أما كبير الملائكة نفسه السيد جبريل فكان ايضا يلبس عمامة عندما يتنزل بالوحي على الرسول صلعم و اليكم هذا الحديث: عن أبى موسى رضى الله عنه أن جبريل نزل على النبى صلى الله عليه وآله وسلم وعليه عمامة سوداء وقد ارخى ذوائبه من ورائه. و في حديث أخر قال صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله أمدنى يوم بدر وحنين بملائكة يعتمون هذه العمامة إن هذه العمامة حاجزة بين الكفر والإيمان..ربما كان المقصد انها تمنع دخول العقلانيه الي الدماغ وتحجب عنه ملكة التفكير ! وواحد غيره ايضا: السيدة عائشة رضى الله عنها قالت رأيت رجلا يوم الخندق على صورة دحية بن خليفة الكلبى* على دابة يناجي رسول الله صلى الله عليه وعلى رأسه عمامة قد اسدلها ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : فإن ذلك الرجل جبريل أمرني أن أخرج بني قريظة

غريب كيف تؤثر الملابس في تصرفاتنا، فأنا عندما البس الكندوره و العقال اتصرف برصانة اكثر مما اكون لابسا الجينز الممزق، و القاضي يتصرف بتكبر عندما يمر عليك مرتديا وشاحه الاسود، و الشرطي يتكلم من خلال سلطة بزته العسكريه، حتى المهرج لا يستطيع ان يهرج ان لم يلبس زيه و انفه الاحمر، لابسي العمائم ليسوا بشواذ عن هذه القاعده فهم يتصرفون و كأنهم ميني الهة، او ارباب مصغره تحاكي رب الرمال الغاضب فوقنا ، متى وضعوا العمامه، جائتهم الحكمة و المعرفه مثله، و عندما يرون تأثير هذا في عقول الدهماء ، يزدادون تكبرا و يزدادون في الكذب ..يتحسسون عمائمهم فوق ادمغتهم.. فيجدونها في مكانها ، فيتنحنحون ثم .. يتحفونا بكل الهراء... المستنبط من الكتب الصفراء ، و التي الّفها اسلافنا الاقدمون ، في هذه الصحراء
هاهم يتكاثرون حولنا كالبحر المتلاطم، فهناك قرضاوي و هنا جعفري و ذاك صدري و خلفه طنطاوي و امامه بوطي و بجانبه خرطي.. و غيرهم ، و البسطاء من اغلب العوام ، خلفهم يسيرون .. و خزعبلاتهم ..يصدقون


لا ندري متى سيبدأ الاعجازيين الاسلاميين في كتابة البحوث و الدراسات حول فوائد العمامه الطبيه للانسان و تأثيرها العلمي على زيادة الذكاء ..او حجبه؟ وربما هذاالشاب الذي رايته في مركز التسوق لم يكن الا ملاكا ، فعمامته كانت بيضاء و ربما يصح فيه، و في جميع لابسي العمائم قول شاعر الرمال العربيه ابو دلامه

ألا بلغ لديك أبا دلامة **** فلست من الكرام ولا الكرامة
جمعت دمامةً وجمعت بؤسا **** كذاك اللوم تتبعه الدمامه
إذا لبس العمامة قلت قردا **** وخنزيرا إذا نزع العمامه

بن كريشان
****
couture

في وحده عندنا في العين اسمها خديّه بنت خليفه الكعبي ، و اشك في انها جبريل..متنكر..بشيله

ليست هناك تعليقات: