دور الأسلام في المجتمع العلماني

الأسباب الخفيه..وراء معارضة الأسلاميين للعلمانيه






أنتهيت للتو من مشاهدة فيلم تونتي سيڤن درسيس ، فيلم متوسط الأداء في رأيي إلا أنني تمتعت بمشاهدة الممثله الرائعة الجمال كاثرين هيغل. كاثرين ليست جميلة فحسب ، بل ذكيه وعنيده وصاحبة رأي. عندما اُبلغت بترشيحها لجائزة الأيمي تي .ڤي أكاديمي، رفضت وطلبت سحب الترشيح. وصرّحت بعد ذلك لمجلة پيپول: لأحقاق الأمانه ،لا أعتقد بأنني قد قدمت شيئا يرضي طموحي ويستحق جائزة الأيمي. وبعد النجاح الذي حققه فيلمها نوك أوت، صرحت بأنها لم تتمتع بعمل الفيلم لأنها أحست أنه مهين للمرأه يعرضها كسليطه ثقيلة الدم ،عصبيه المزاج بينما يُرسم الرجال في صورة مساكين، محبين للمرح يقعون في المشاكل بسبب المرأه بدون قصد. بسبب تلك الملاحظات تعرضت كاثرين لحملة في الصحافة من التشهير أتهمتها بأنها ناكرة للمعروف ، وغير صبوره وأنها مؤيده لحقوق النساء اللزبيّات وُشكك في أعتقاداتها الدينيه وأتهمت بأنها ملحده وعلمانيه. سواء كانت كذلك أم لا، فهي بلا شك إمرأة جميلة ذات شخصية قويه ..ولها أهدي هذا المقال. (كتعويض كذلك عن الضرر الذي لحق ببعضكم بشكل كوابيس مخيفه نتيجة لنشري صور شيوخ دين قبيحي المنظر في مقالة " دكتوراه في الفقه، ماذا تسوى؟".)

إذا كانت العلمانيه تعارض أي تواجد للدين في السلطات العامه، فما الدور الذي سيلعبه الأسلام في مجتمع علماني؟ المشكلة أنه ليست هناك أمثلة في الماضي نستطيع أن نستدل بها من بلاد الرمال، فالأسلام كابس على نفسنا ، كالجاثوم على صدرتارك الصلاه كما يقال في الخرافات ، و حتى في أكثر البلاد ليبراليه كتونس، والتي رغم تمتع الفرد فيها بحريات ليبراليه ، إلا أنها ليست دوله علمانيه أبدا ودستورها ينص على أن دين الدوله الأسلام. يتواجد المسلمون كذلك في دول علمانيه غربيه، ولكنهم أقليات ليس لهم تأثير واضح نستطيع أن نستقرأه.

ولكن وحتى إن لم تكن لدينا تجارب نستدل بها، فهناك تجارب أمم سبقتنا نستطيع أن نتعلم منها..ومن لايتعلم من تجارب التاريخ..سيعلمه الزمان درسا قاسيا كما يحدث في بلاد الرمال كل يوم.. إذا وعودة لسؤالنا: بدون سلطه تنفيذيه أو عقابيه تحت تصرفه في نظام علماني، مالذي سيتبقى للإسلام؟ هل سينكمش ويتلاشى تدريجيا ثم يختفي؟ هل سيلعب دورا بسيطا فقط في ثقافة المجتمع؟ هذه هي المخاوف التي تلعب في عِبّ المشايخ وزعماء الأسلاميين في بلد الرمال وتقض كذلك مضاجع غيرهم من المحافظين على التقاليد والعادات. لذا يقوم هؤلاء بألقاء اللوم على الملحدين والعلمانيين وأتهامهم بشتى صنوف الشرور- وبصورة كوميكيّه مضحكه كوصف اللاديني العلماني بأنه ، صليبي يهدف الى نشر الديانه " النصرانيه" في بلاد الرمال، أو أطلاق أسم قبيلة بدويه عليهم مثل بني علمان.






يجب توخي الحذر من أمرين عندما يقرأ الأنسان في هذا الموضوع باللغة العربيه ، أولهما كمية التشويه والأغراق الديني الموجه ضد العلمانيه في الكتابات والأدبيات الأسلاميه - وهي آراء غير محايده ومتحيزه، وأحسن ما توصف به هو أنها لا أكثر من بروبوغاندا موجهه. وهناك كتابات المتأثرون المتوترون الذين تم دعوذتهم ويكتبون عاطفيا بأسماء متشنجه بردة الفعل ، مثل عاشقة النقاب ، وحجابي هو وجودي ( لماذا لا نسمع من الرجال تصريحات كهذه :لحيتي المنكوشه هي حياتي، أوعاشق اللحيه..أو ثوبي القصير للركبه.. هو أمل عمري؟)




الأمر الثاني الذي يجدر الأنتباه له هو معان المصطلحات. فعندما يسمع الواحد منا بأن العلمانيين يريدون تقييد الدين وأخراجه من الحياة العامه، قد يفهمون الأمر بأن العلمانيين سيمنعون الناس من ممارسة طقوس أديانهم في الأماكن العامه . أن الخلط في هذا يأتي من ترجمة غير مقصوده لمعنى " عامه" من اللغه الأنكليزيه " پابليك" والتي تستخدم لتعني كذلك " الحكومه". وهو ما نقصده بالعربي بقولنا قطاع عام " حكومي" وقطاع خاص.

لنفهم هذه بصورة أفضل دعونا نأخذ مثال الحاله الماليه للشخص. هذه حاله خاصه بالفرد المعني وحده، وليس للدوله أو المجتمع أي حق أن يعرفوا حالتك الماليه وكم من الفلوس عندك بالبنك. فالشيء العام هو الذي يتعاطاه المجتمع ككل كشأن عام يهم الجميع ، بينما الشأن الخاص مثل حياتك الجنسيه ، وحالتك الماليه،ومقاس سروالك الداخلي وبأي رجل تحب أن تدخل الحمّام،ودرجة إيمانك وألتزامك الديني.. فهذه شؤون خاصه بك وحدك ، وليس من أختصاص الحكومه والهيئات العامه ولا شغل فضيلة المُفتي ولا هيئة الأوقاف والجماعات الأسلاميه.







إذا ، و بناء على ماسبق ليس هناك ما يمنع من تواجد الأسلام كدين في مجتمع علماني. ليس هناك شيء في العلمانيه يطالب بزوال الدين. كثير من النظم العلمانيه ُتخرج الدين من الحّيز العام " الحكومي" ولكن لا تمنعه من لعب دور إجتماعي بين مؤمنيه في نشر الأخلاقيات. بعض العلمانيون في هذه الدول يتبرع للمؤسسات الخيريه الدينيه التي تهدف الى مساعدة الناس الفقراء والمعوزين.

إذا فالدين موجود في كل هذه المجتمعات العلمانيه ، ولايبدو أنه قد أختفى. فهو موجود في بريطانيا وفرنسا وأيطاليا و السويد وألمانيا. مما يدل على أن العلمانيه لاتسعى أبدا الى ألغاء الدين وأزالته. وأن حصل تقهقر في أنتشار الدين فليست العلمانيه هي السبب ، وليست هي المُلام على ذلك، بل هم القائمين على ذاك الدين . أن المشايخ والقساوسه ورجال الدين هم الذين يخلقون حالات تنفر الناس وتبعدهم عن الدين. مثل ذلك المخبول الذي يريد تطبيق الحد على ميكي ماوس، و هؤلاء الذين يأيّدون الأرهاب والعنصريه ضد الأديان الأخرى وضد المذاهب المختلفه عنهم في الأسلام ، و أيضا مثل الأستغلال الجنسي للأطفال في الكنائس الكاثوليكيه وفي البوذيه كالفضيحه التي تفجرت في تايلند ضد الرهبان البوذيين. أن من يجعل الناس تترك الأديان ليست العلمانيه..بل تصرفات وأفعال رجال الدين.






لايمكن للفرد العادي في أرض الرمال أن يتخلص من الأسلام ، حتى لو لم يكن للأسلام سلطة سياسيه.. فحيثما نظر المسكين فسيجد مدعوذا ينهره ويرعبه من عذاب الحريق ويرغبه بجنةالأكل والجنس والتعويض عن الحرمان..ولدي المشايخ والمدعوذين آلاف الطرق والوسائل مثل تلك وغيرها للسيطره على أدمغة البسطاء بدون الحاجه لتواجد الأسلام نفسه في الحكومه. حتى في مجتمعات الأقليات المسلمه يُجبر الضغط الأجتماعي الفرد على الخضوع للدين رغم علمانية الحكومه والدوله. لامهرب للمسلم المسكين من سيطرة وقبضة المشايخ والزعماء الدينيين، لأنه يريد ذلك لنفسه..فلماذا كل هذا الهلع من العلمانيه؟



هناك سبب أخر يجعل هؤلاء يحاربون تطبيق العلمانيه. هذا السبب سخيف شويه وهو ذريعه أكثر منه سببا. يرفض المُسلمين عندنا العلمانيه على أساس أنها مفروضة عليهم من الغرب. لذا فعليهم أن يجدوا شيئا أخر من الأسلام يطبقوه. ولكن الأسلام ليس به شيء مثل العلمانيه كما ان المسلمين سواء أرادوا ذلك ام لا ..فهم يستوردون أفكارا كثيرة من الغرب ويطبقونها. العمليه التنظيمه في الأدارات والوزارات والمجالس النيابيه والشرطه والجيش والمطارات والجمارك والنظم الضريبيه وتسجيل الممتلكات وإجرائيات القضاء والأتصالات.. هذه كلها أستيراد غربي، فلماذا وقف الأمرعند العلمانيه فقط؟ أن منتج الحضاره الغربيه اصبح أنسانيا وللناس أجمع، وليس مفروضا من قوى أستعماريه كما يكذبون على الناس.( أقرأ رابط بني علمان أعلاه لترى بنفسك هذه العقده المرضيه وكأن اليابان في طرح الشيخ ياخراشي لم تتأثر أبدا بالحضاره الغربيه)







أن الزعماء الدينين الأسلاميين يتباكون اليوم محذرين بما سيحل بنا لو طبقنا العلمانيه. أنهم يبكون في الواقع على أنفسهم وعى فقدان جزء من تسلطهم. ولكن الذي لايدركونه أنهم يرتكبون خطأين فادحين بوقوفهم حجر عثره أمام تطبيق العلمانيه في بلاد الرمال:

أولا: بدل لوم العلمانيه بأنها ستشجع الناس على عدم الأكتراث بالأسلام، يجب عليهم ان يبحثوا قبلا في الأسباب التي تدفع الأنسان لترك الدين. ان جزء كبيرا من هذا يتحمله رجال الدين والمدعوذين أنفسهم. أنتشرت في الكويت والسعوديه مؤخرا ظاهرة أسمها تدنيس المصاحف والأيات القرءانيه حيث يقوم الشباب وكردة فعل لضغوط الأسلاميين عليهم بالتعمد بتدمير العلامات التي تحمل آيات قرءانيه أو رمي المصاحف في البواليع والحمامات العامه. ورغم قيام مملكة الرمال الكبرى بتطبيق عقوبة الأعدام على من يقوم بذلك..فلم يفلح ذلك بإنهاء هذه الظاهره. كثير من الناس اليوم يتركون الأسلام ويخجلون من تصرفات أصحابه اللاأنسانيه والتي هي أقرب للفاشيه منها الى الرحمه.







ثانيا: كلما أستمر هجومهم على العلمانيه ومعارضتها، كلما صار واضحا أنهم يعترفون بأخفاقهم في الأبقاء على الأيمان الطوعي للأفراد. فبدون السلطه القانونيه والأدوات العقابيه والأرغام..لايمكن أن يقبل الناس الأسلام. أن هذا يدل على ضعف شديد وأنعدام الثقه في قدرة المؤسسه الدينيه الأسلاميه والمشايخ وغيرهم في إستقطاب الناس.

متى سيدرك هؤلاء المشايخ أن أكراه الأنسان على الدين هو فعل لاقيمة له ولاتأثير. أن عدم أنتباههم الى هذه النقطه سيؤدي الى فشل مساعيهم كما نرى اليوم ملحدين في السر، ومسلمين بالعلن. لقد أثبتت تجارب الشعوب أن الأديان المدعومه من قبل الحكومات والقانون هي أديان فاشله. قرأت مرة في مدونة إيرانيه باللغة الأنكليزيه أن الشعب الأيراني مسلم ملتزم فقط طالما بقيت السكين مسلطة على رقابهم. أي أنهم سيخرجون من دين الله أفواجا بمجرد ذهاب حكم الملالوه، وسيتذكرونها كحقبة إضطهاد وظلم مثل النازيه.

إن كان الزعماء الأسلاميين فعلا يظنون أن هذه الطريقه الوحيده للمحافظة على الأسلام ، فهم يعترفون ضمنا بأن الأسلام كدين ليس له أي قيمه- وفي هذا هم يتفقون تماما مع رأي العلمانيين ومع صحة موقف الدوله العلمانيه بأن الدين ببساطه ليس ضرورة للصالح العام.







أنهم بحاجة الى صراحة كاثرين هيغل، ليواجهوا أنفسهم في المرآه ويعرفوا مدى الضرر الذي تسببوا به على مجتمعاتهم وبلادهم ولكن.. لاحياة لمن تنادي؟

بن كريشان

إرسال تعليق

0 تعليقات